العلمانية لا تقبل التجزئة 1/3
سعد بن عبد الله البريك
إن العلمانية قد خضعت لسلسلة من التطورات التاريخية على مستوى المدلول، لكن ذلك لم يغير من حدها الأدنى شيئاً فيبقى مفهوم فصل الدين عن الدولة غايتها الأساس في كل مراحلها
- التصنيفات: قضايا إسلامية - - ثقافة ومعرفة -
لقد دأب دعاة التغريب على مسلك جعلهم يُسقِطون ظروف القرن السابع عشر التي عاشتها فرنسا - ومعها أوروبا - على واقعنا الحالي، فنجد لهم مقارنات ضمنية في كتاباتهم بين العلماء والدعاة والمؤسسات الدينية وبين رجال الكنيسة ومؤسساتها الدينية في مرحلة الثورة. وهذا الإسقاط الظالم هو خديعة كبرى يتم (حبكها) لأجل تعبيد الطريق أمام العلمانية، ولا أدري هل بقي الشعار محترماً محفوظاً أم تغير (اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس)، فنجد لهم كلاماً يصور واقع العلماء وعمل المؤسسات الدينية عموماً كما لو أنه الواقع نفسه الذي عاشته فرنسا مع رهبانها ورجال الكنيسة قبل الثورة.
بل إن المتتبع لهذا الفكر يجد فيه توظيفاً للمصطلحات الفلسفية نفسها على واقعنا (رجال الدين - اللاهوت - صكوك الغفران - التشدد - مناقضة الفتاوى للعلم المادي - مصادرة الحرية...)؛ ما يعطي إيحاءات ضمنية ترسم صورة طبق الأصل عن واقع الرهبان في أوروبا وهيمنتهم وظلمهم في القرن السابع عشر، وسواء كان هذا مقصوداً أم من تسويل الشيطان فإنه جناية على الأمة والتاريخ وتزوير للحقائق على أرض الواقع.
إن من يقرأ أفكارهم وله اطلاع على خلفيات نشأة العلمانية ليجد تشابهاً ضمنياً لواقع الحال مبثوثاً في المصطلحات والتحليل معاً.
وهذه المنهجية المتبعة في هذا الفكر هي شكل من أشكال الترويج للمسلك العلماني، ولا يختلف اثنان ممن لهم اطلاع (الرجل المثقف العادي) على المفاهيم ودلالاتها في أن تعريف العلمانية - في أحسن حالاته - هو: (فصل الدين عن الدولة)! وهذا هو الثابت في كل القواميس والمعاجم المصطلحية، وواقع حال العلمانيين سواءً كانوا دولاً في سياساتها وحكمها، ومؤسسات في توجهاتها وأفراداً في كتاباتهم.. ولا يحتاج هذا إلى مزيد تفصيل، ما يعني أن من يقول إن العلمانية هي (مجرد دعوة إلى الحد من تأثير المؤسسات الدينية في الحياة السياسية والعامة) هو قول لا يستحق النقاش ولا حتى الالتفات كما لو قال قائل: إن النار هي الماء.
والسؤال الصحيح والصريح الذي يطرح نفسه:
هل تقبل العلمانية التقسيم والتجزئة بحيث تكتفي برفع هيمنة الشريعة عن السلوك والأخلاق ويبقى الحال على أصله الشرعي في الأنظمة والقضاء والتشريع، أم أن قوانين العلمانية لا ولن تقف عند هذا الحد، بل يجب أن تتعداه إلى...؟
سؤال مهم جداً، فما هي حدود العلمانية التي تشق طريقها في بعض مجتمعات المسلمين، هل ستبقى في القاعدة أو لا ترضى بغير القمة ولو بعد حين؟
فالخلاف الذي نقرؤه حول تحديد مفهوم العلمانية ومدى إقصائها للدين هو خلاف صوري وليد حالة الإحباط الذي منيت به العلمانية نفسها فلم يكن أمام بعض العلمانيين إلا إعادة صياغة المفاهيم العلمانية صياغة تراعي معطيات وأحوال العالم الإسلامي، ومن صور تلك الصياغة: تجزيء العلمانية وأسلمتها.
وليس من الحكمة مجاراة هؤلاء على صياغاتهم التي لا تنتهي.. بل المنطق والحكمة يدعوان إلى حجاج هؤلاء على ما هم عليه متفقون جميعاً فيما يخص المبادئ الأساسية للعلمانية، فمهما بلغ الأفق الجدلي حول العلمانية في ترجمة لفظها أو تحديد دقيق لمدلولها أو تحليل لمفردات تعريفها فإن ما يتفق عليه جميع المنظرين والمفكرين الغربيين والشرقيين أن للعلمانية في جميع حالاتها مفهوم حد أدنى يتفق عليه الجميع ولا ينكره منهم أحد، وهذا المفهوم الأدنى هو أضعف الإيمان العلماني وليس وراءه حبة خردل من إيمان بالعلمانية.
نعم إن العلمانية قد خضعت لسلسلة من التطورات التاريخية على مستوى المدلول، لكن ذلك لم يغير من حدها الأدنى شيئاً فيبقى مفهوم فصل الدين عن الدولة غايتها الأساس في كل مراحلها، وتبقى العلمانية قالباً تنظيمياً لكل أشكال الكفر والإلحاد؛ فهي تستوعب الماركسية والوجودية مثلاً، وتبقى سداً أمام تدخل الدين في تنظيم الدولة والمجتمع مهما كانت طبيعة هذا الدين.. ويبقى الامتحان لمن يكذب هذا - وأتمنى أن يكون صادقاً - هل سنجد نقداً صريحاً للعلمانية في واقعها أو تاريخها أم أن الجواب في أسلمتها وتسويقها؟
بل إن المتتبع لهذا الفكر يجد فيه توظيفاً للمصطلحات الفلسفية نفسها على واقعنا (رجال الدين - اللاهوت - صكوك الغفران - التشدد - مناقضة الفتاوى للعلم المادي - مصادرة الحرية...)؛ ما يعطي إيحاءات ضمنية ترسم صورة طبق الأصل عن واقع الرهبان في أوروبا وهيمنتهم وظلمهم في القرن السابع عشر، وسواء كان هذا مقصوداً أم من تسويل الشيطان فإنه جناية على الأمة والتاريخ وتزوير للحقائق على أرض الواقع.
إن من يقرأ أفكارهم وله اطلاع على خلفيات نشأة العلمانية ليجد تشابهاً ضمنياً لواقع الحال مبثوثاً في المصطلحات والتحليل معاً.
وهذه المنهجية المتبعة في هذا الفكر هي شكل من أشكال الترويج للمسلك العلماني، ولا يختلف اثنان ممن لهم اطلاع (الرجل المثقف العادي) على المفاهيم ودلالاتها في أن تعريف العلمانية - في أحسن حالاته - هو: (فصل الدين عن الدولة)! وهذا هو الثابت في كل القواميس والمعاجم المصطلحية، وواقع حال العلمانيين سواءً كانوا دولاً في سياساتها وحكمها، ومؤسسات في توجهاتها وأفراداً في كتاباتهم.. ولا يحتاج هذا إلى مزيد تفصيل، ما يعني أن من يقول إن العلمانية هي (مجرد دعوة إلى الحد من تأثير المؤسسات الدينية في الحياة السياسية والعامة) هو قول لا يستحق النقاش ولا حتى الالتفات كما لو قال قائل: إن النار هي الماء.
والسؤال الصحيح والصريح الذي يطرح نفسه:
هل تقبل العلمانية التقسيم والتجزئة بحيث تكتفي برفع هيمنة الشريعة عن السلوك والأخلاق ويبقى الحال على أصله الشرعي في الأنظمة والقضاء والتشريع، أم أن قوانين العلمانية لا ولن تقف عند هذا الحد، بل يجب أن تتعداه إلى...؟
سؤال مهم جداً، فما هي حدود العلمانية التي تشق طريقها في بعض مجتمعات المسلمين، هل ستبقى في القاعدة أو لا ترضى بغير القمة ولو بعد حين؟
فالخلاف الذي نقرؤه حول تحديد مفهوم العلمانية ومدى إقصائها للدين هو خلاف صوري وليد حالة الإحباط الذي منيت به العلمانية نفسها فلم يكن أمام بعض العلمانيين إلا إعادة صياغة المفاهيم العلمانية صياغة تراعي معطيات وأحوال العالم الإسلامي، ومن صور تلك الصياغة: تجزيء العلمانية وأسلمتها.
وليس من الحكمة مجاراة هؤلاء على صياغاتهم التي لا تنتهي.. بل المنطق والحكمة يدعوان إلى حجاج هؤلاء على ما هم عليه متفقون جميعاً فيما يخص المبادئ الأساسية للعلمانية، فمهما بلغ الأفق الجدلي حول العلمانية في ترجمة لفظها أو تحديد دقيق لمدلولها أو تحليل لمفردات تعريفها فإن ما يتفق عليه جميع المنظرين والمفكرين الغربيين والشرقيين أن للعلمانية في جميع حالاتها مفهوم حد أدنى يتفق عليه الجميع ولا ينكره منهم أحد، وهذا المفهوم الأدنى هو أضعف الإيمان العلماني وليس وراءه حبة خردل من إيمان بالعلمانية.
نعم إن العلمانية قد خضعت لسلسلة من التطورات التاريخية على مستوى المدلول، لكن ذلك لم يغير من حدها الأدنى شيئاً فيبقى مفهوم فصل الدين عن الدولة غايتها الأساس في كل مراحلها، وتبقى العلمانية قالباً تنظيمياً لكل أشكال الكفر والإلحاد؛ فهي تستوعب الماركسية والوجودية مثلاً، وتبقى سداً أمام تدخل الدين في تنظيم الدولة والمجتمع مهما كانت طبيعة هذا الدين.. ويبقى الامتحان لمن يكذب هذا - وأتمنى أن يكون صادقاً - هل سنجد نقداً صريحاً للعلمانية في واقعها أو تاريخها أم أن الجواب في أسلمتها وتسويقها؟