تمهل وتأمل قبل أن تطلق
عبد الملك بن محمد القاسم
- التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلامُ على أشرف الأنبياء والمرسلين
وبعد:
أخي الكريم: أعرف أنك اليوم تحمل هموماً كثيرة، ولديك غموماً متوالية، أحياناً قد تحجبك عن السير في الاتجاه الصحيح.
دعنا نتعاون معاً في إنهاء هذه المعضلة التي نزلت بك، ونرفع سوياً المعاناة التي ألمت بك فإن أمر الطلاق عظيم، وقد يكون له مضاعفات على الزوجة مع فراق الأبناء وغير ذلك.
وقبل أن نبدأ المسير؛ أنطلق بنا نطل على بيت النبوة، حال وقوع مشكلة أسرية وكيف هو موقفه صلى الله عليه وسلم منها..
نسير في وقفتين سريعتين مع خير الأخيار وسيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام، لنرى موقفاً جرى له مع زوجاته أمهات المؤمنين..فقد ذكر تلك القصة ابن سعد في الطبقات الكبرى (8/138) عن أم ذرة عن أم المؤمنين ميمونة- رضي الله عنها- قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة من عندي، فأغلقت دونه الباب، فجاء يستفتح الباب فأبيت أن أفتح له، فقال: « أقسمت إلا فتحتي لي » فقلت له: تذهب لأزواجك في ليلتي هذه، قال: « ما فعلت ولكن وجدت حقناً من بولي » .
نبي هذه الأمة صلى الله عليه وسلم وقائدها ومُعلمها يخرج لحاجته فيُلق دونه الباب، في الليل المظلم ويستفتح الباب فترفض زوجته.. فيقسم عليها أن تفتح له الباب ويوضح ويشرح لها بكلمات حانية رقيقة لماذا ذهب؟! عندها ترضى أم المؤمنين- رضي الله عنها- وتفتح له الباب وينتهي الأمر!! ولم يكن لينتهي لولا سعة حلمه، ونبل صفاته صلى الله عليه وسلم!!
أما الموقف الثاني: فهو موقف يقع أحياناً بين الضرات، فكيف هو حال الزوج، حين يقع بينهن أمر يكدر الخاطر، وكيف يتصرف حين تشتد الأمور وتظهر علامات القطيعة؟ روى النسائي عن أم سلمة رضي الله عنها أنها أتت بطعام في صفحة لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فجاءت عائشة متزرة بكساء ومعها فهر "حجر" ففلقت به الصفحة، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين فلقتي الصفحة ويقول: « كلوا، غارت أمكم » مرتين، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صفحة عائشة فبعث بها إلى أم سلمة، وأعطى صفحة أم سلمة عائشة . وهكذا أنهى النبي صلى الله عليه وسلم المشكلة بتصرف حكيم!
أوردت هاتين القصتين بين يدي الأخ الكريم حتى يعرف أن للصفح مكاناً وأن الإحسان أولى وأتم، كما قال تعالى في مدح المؤمنين: { الذين يُنفقون في السَّراء والضرَّاء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس واللهُ يحبُّ المحسنين } [آل عمران: 134] فهذه منازل تجعل المؤمن يتنازل عن حقوق له ويعفو عمن أساء إليه، لتدوم المحبة وتبقى الألفة. بل وتحسن إلى من أساء إليك، وهذا يتحقق لمن منحه الله عزّ وجلّ مرتبة عالية في حسن المعاملة وطيب المنبت..
أخي الكريم: أطرح بين يديك علاجاً شافياً بإذن الله عزّ وجلّ لما ألم بك، وجلاء لما أصابك، ومن ذلك:
أولاً: عدم العجلة في الأمر: فإن العجلة مذمومة في كل شيء إلا في عمل الخير، وأراك ذلك الرجل الفطن الذي تدقق وتراجع، وتقدم وتؤخر في شراء سيارة مثلاً، وما أنت فيه اليوم أولى وأحق بذلك، ثم إن التأخير لا يضرك شيئاً، وإن لم ينفعك فلن تندم بإذن الله تعالى، كم من رجل ندم على العجلة والطيش ولم يندم على التأخير مطلقاً، والقرار بيدك اليوم أو غداً فلِم العجلة؟
ثانياً: من عادة عقلاء الناس إرجاع الأمور إلى أهلها واستشارتهم، فها أنت تستشير في شراء قطعة أرض أصحاب العقار والمهتمين بذلك، فمن باب أولى أن تقصد طلبة العلم والعلماء وتشرح لهم ما أنت فيه، فإن الحق ضالة المؤمن. وأنت بإخوانك عزيز الرأي ثاقب الفكر.
ثالثاً: ما نزل بك من الهموم والغموم والمشاكل إنما هو من أنواع الابتلاءات التي يجب الصبر عليها واحتساب الأجر فيها، قال صلى الله عليه وسلم: « ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا هم ولا حزن ولا غم ولا أذى حتى الشوكة، يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه » [متفق عليه] وأكثر من الإسترجاع قال صلى الله عليه وسلم:
« ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمر الله: إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها، إلا أخلف الله خيراً منها » [رواه مسلم].
رابعاً: طهر قلبك من الحقد والكراهية: فإن هذه الأمور تجعل على عينك غشاوة وتجعل فكرك مشلولاً، والشيطان يفرح بذلك النصيب منك، فاحذر أن تبني مصير حياة زوجية على حقد أو كراهية أو إنتصار للنفس، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: « اللهم إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة » [رواه النسائي].
خامساً: قال الله تعالى: { وإذا قُلتم فاعدلوا } [الأنعام: 152]. وقال في شأن الأعداء والخصماء: { ولا يجْرمنَّكُم شنآن قومٍ على ألا تعدلوا اعْدلوا هو أقْربُ للتقوى } [المائدة: 8] ومن العدل ذكر حسنات الزوجة طول الشهور والسنوات التي مضت، واعلم- أخي الكريم- أن تصيد الهفوات والزلات ليس من ديدن وطريقة كرام القوم، وأراك تصفح عن زميلك وصاحبك في زلات كثيرة، فما بالك اليوم تجانب المسامحة والصفح في أمر من قال الله تعالى عنها: { والصَّاحب بالْجنْب } [النساء: 36].
وقال تعالى: { ولا تنسَوُا الفضْل بينكم } [البقرة: 237].
سادساً: لا تنس أن بقاء الزوجة مع محاولة إصلاحها، اعفاف لبصرك، وسمعك، وفرجك، من نزعات الشيطان. والإنسان ضعيف يتصدى للفتن بما أحل الله عزّ وجلّ وشرع.
سابعاً: إن كان لك أبناء فإنهم قد يعانون من سرعة إتخاذك للقرار، وقد تحرمهم حنان الأم أو حنان الأب، واعلم أن جزءاً من سعادتك هي رؤية صغارك من حولك، وأنت الآن على مفترق طرق فلا تتعجل الأمر؛ وإن كان عليك مشقة في البقاء مع الزوجة، إلا أن رجاء صلاح صغارك يجعلك تتحمل ذلك، فكم تحملت من التعب والحزن لأجلهم.
ثامناً: ابتعد عن الكبر والتسلط والانتصار للنفس، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان رأس المتواضعين وهو أشرف الخلق. وتجنب إيقاع الطلاق بدون سبب شرعي، ولا يمكن فعلك حال الطلاق أو بعده الرغبة في الانتقام بإيذاء المسلمة أو أهلها فإن هذا من الظلم.
تاسعاً: اقرأ سيرة رجال كرام كان لهم أدوار عظيمة في قيام الأمة من الصحابة والتابعين وكيف هو حالهم مع زوجاتهم، بل واقرأ النماذج الحية من حال النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته!.
عاشراً: توجه إلى الله عزّ وجلّ بالدعاء والاستغفار والصدقة لعل الله أن يصلح ما فسد { ومن يَّتق الله يجْعل له مخرجاً } [سورة الطلاق: 2].
الحادي عشر: هناك اختلاف في الطبائع والعادات والرغبات الشخصية والمستويات الفكرية بين الزوجين، فكل منهم عاش وتربى في منزل وفي بيئة أسرية مختلفة سنين طويلة طبَّعته فيها الأسرة بعاداتها وطبائعها، وأنت الآن تريد أن تغير ما كان في لحظات، ولهذا لا بد من التنازل عن بعض الحقوق والتغاضي عن الهفوات، وغالباً تنشأ المودة والمحبة بعد حين من الزمن، وتقوى بعد إنجاب الأبناء وعرفة طباع كل زوج لزوجه. وليس من شروط الزواج الناجح أن تتوافق جميع الرغبات، وتتطابق الأفكار.
الثاني عشر: لهذه الزوجة أعمال كثيرة وخدمات جليلة تقدمها لك ومنها: إعفافك وصيانة حاجاتك النفسية والعاطفية، وتقديم أكلك وشربك، ونظافة ملبسك، وتربية أبنائك، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: « لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر- أو قال غيره » [رواه مسلم].
وقد يجد الرجل زوجة؛ لكنها صعبة المراس فيعجبه دينها وعفافها، وآخر قد يجد بعض الصفات وتنقص أخرى، وهكذا أنت أيضاً توجد فيك بعض الصفات وتنقصك أخرى، فلا تنشد الكمال في غيرك دون النظر إلى حالك. وتأمل في حديث النبي صلى الله عليه وسلم وحسن التشبيه: "المرأة كالضلع إذا أقمتها كسرتها، وإلا استمتعت بها وفيها عوج" [متفق عليه].
وجاء رجل إلى عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- يشكو خُلق امرأته، فوقف ببابه ينتظر خروجه، فسمع امرأته تستطيل عليه بلسانها وهو ساكت يحير جواباً، فانصرف الرجل قائلاً: إن كان هذا أمير المؤمنين مع زوجته فكيف حالي؟ فخرج عمر- رضي الله عنه- فرآه مولياً. فقال: يا هذا ما حاجتك؟ فقص عليه الرجل ما كان، فقال له عمر رضي الله عنه ناصحاً: يا هذا، إني أحتملها لحقوق لها عليّ، إنها طباخة لطعامي، خبازة لخبزي، مرضعة لولدي، وسكن بها قلبي عن الحرام، فقال الرجل: وكذلك زوجتي يا أمير المؤمنين، فقال عمر - رضي الله عنه- : إذاً فاحتملها. ولهذا فإن عدم المواجهة، أحياناً تكون من الفطنة والنباهة وليس في ذلك أدنى نقص.
الثالث عشر: أول من يفرح ويسر بأمر الخلاف بين الزوجين هو الأعداء والحاقدون والحاسدون وأولهم إبليس قال صلى الله عليه وسلم: « إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجىء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا فيقول: ما صنعت شيئاً قال: ثم يجيء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته. قال فيدنيه منه ويقول نعم أنت » . قال الأعمش أراه قال: « فيلتزمه » [رواه مسلم].
ولهذا لا بد أن يكون هناك مبرر قوي للطلاق، بعد استنفاد محاولات العلاج الأخرى من التوجيه والهجر وغيرها.
الرابع عشر: لا تظن أن بيوت غيرك خالية من الخلافات الزوجية، ولو سلم أحد من ذلك لسلم بيت النبوة، وكما قيل: "البيوت معمورة والأحوال مستورة"، ولكنهم صبروا وعفوا وشاوروا، فسارت ركابهم ونمت دوحتهم، وأنت انتقدت وخاصمت فوقف بك المسير، ووصلت إلى هذا القرار، فهلا تأملت ووازنت بين الحسنات والسيئات.
الخامس عشر: ينقسم الطلاق إلى سني وبدعي وهناك قيود يجب على المسلم الالتزام بها، ومنها أن يكون الطلاق في حالة طهر لم يجامعها فيه، فلو طلق الزوج زوجته في حال الحيض أو طلقها في حال الطهر الذي جامعها فيه، كان طلاقه محرماً ومخالفاً للأصول الشرعية. كما أن على المطلق ألا يزيد في الطلاق على واحدة، فلو طلق أكثر من طلقة واحدة كأن طلقها بالثلاث بلفظ واحد أو ألفاظ متفرقة فإن طلاقه مخالفاً للمشروع في إيقاع الطلاق.
أخي المسلم:
استعن بالله عزّ وجلّ في جميع أمورك، وتوكل عليه وتقرب إليه بالأعمال الصالحة، وتحبب إليه بترك المعاصي، والمنكرات فإنها سبب المصائب "فما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة"، وأكثر من الدعاء، وشاور أهل الرأي والعلم والحكمة. وفقك الله لما يحب ويرضى وأعانك، وجعل حياتك حياة طيبة آمنة، ورزقك الذرية الصالحة التي تقر بها عينك في الدنيا والآخرة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
دار القاسم: المملكة العربية السعودية_ص ب 6373 الرياض 11442
هاتف: 4092000/ فاكس: 4033150
البريد الالكتروني: [email protected]
الموقع على الانترنت: www.dar-alqassem.com
أخي الكريم: أعرف أنك اليوم تحمل هموماً كثيرة، ولديك غموماً متوالية، أحياناً قد تحجبك عن السير في الاتجاه الصحيح.
دعنا نتعاون معاً في إنهاء هذه المعضلة التي نزلت بك، ونرفع سوياً المعاناة التي ألمت بك فإن أمر الطلاق عظيم، وقد يكون له مضاعفات على الزوجة مع فراق الأبناء وغير ذلك.
وقبل أن نبدأ المسير؛ أنطلق بنا نطل على بيت النبوة، حال وقوع مشكلة أسرية وكيف هو موقفه صلى الله عليه وسلم منها..
نسير في وقفتين سريعتين مع خير الأخيار وسيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام، لنرى موقفاً جرى له مع زوجاته أمهات المؤمنين..فقد ذكر تلك القصة ابن سعد في الطبقات الكبرى (8/138) عن أم ذرة عن أم المؤمنين ميمونة- رضي الله عنها- قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة من عندي، فأغلقت دونه الباب، فجاء يستفتح الباب فأبيت أن أفتح له، فقال: « أقسمت إلا فتحتي لي » فقلت له: تذهب لأزواجك في ليلتي هذه، قال: « ما فعلت ولكن وجدت حقناً من بولي » .
نبي هذه الأمة صلى الله عليه وسلم وقائدها ومُعلمها يخرج لحاجته فيُلق دونه الباب، في الليل المظلم ويستفتح الباب فترفض زوجته.. فيقسم عليها أن تفتح له الباب ويوضح ويشرح لها بكلمات حانية رقيقة لماذا ذهب؟! عندها ترضى أم المؤمنين- رضي الله عنها- وتفتح له الباب وينتهي الأمر!! ولم يكن لينتهي لولا سعة حلمه، ونبل صفاته صلى الله عليه وسلم!!
أما الموقف الثاني: فهو موقف يقع أحياناً بين الضرات، فكيف هو حال الزوج، حين يقع بينهن أمر يكدر الخاطر، وكيف يتصرف حين تشتد الأمور وتظهر علامات القطيعة؟ روى النسائي عن أم سلمة رضي الله عنها أنها أتت بطعام في صفحة لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فجاءت عائشة متزرة بكساء ومعها فهر "حجر" ففلقت به الصفحة، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين فلقتي الصفحة ويقول: « كلوا، غارت أمكم » مرتين، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صفحة عائشة فبعث بها إلى أم سلمة، وأعطى صفحة أم سلمة عائشة . وهكذا أنهى النبي صلى الله عليه وسلم المشكلة بتصرف حكيم!
أوردت هاتين القصتين بين يدي الأخ الكريم حتى يعرف أن للصفح مكاناً وأن الإحسان أولى وأتم، كما قال تعالى في مدح المؤمنين: { الذين يُنفقون في السَّراء والضرَّاء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس واللهُ يحبُّ المحسنين } [آل عمران: 134] فهذه منازل تجعل المؤمن يتنازل عن حقوق له ويعفو عمن أساء إليه، لتدوم المحبة وتبقى الألفة. بل وتحسن إلى من أساء إليك، وهذا يتحقق لمن منحه الله عزّ وجلّ مرتبة عالية في حسن المعاملة وطيب المنبت..
أخي الكريم: أطرح بين يديك علاجاً شافياً بإذن الله عزّ وجلّ لما ألم بك، وجلاء لما أصابك، ومن ذلك:
أولاً: عدم العجلة في الأمر: فإن العجلة مذمومة في كل شيء إلا في عمل الخير، وأراك ذلك الرجل الفطن الذي تدقق وتراجع، وتقدم وتؤخر في شراء سيارة مثلاً، وما أنت فيه اليوم أولى وأحق بذلك، ثم إن التأخير لا يضرك شيئاً، وإن لم ينفعك فلن تندم بإذن الله تعالى، كم من رجل ندم على العجلة والطيش ولم يندم على التأخير مطلقاً، والقرار بيدك اليوم أو غداً فلِم العجلة؟
ثانياً: من عادة عقلاء الناس إرجاع الأمور إلى أهلها واستشارتهم، فها أنت تستشير في شراء قطعة أرض أصحاب العقار والمهتمين بذلك، فمن باب أولى أن تقصد طلبة العلم والعلماء وتشرح لهم ما أنت فيه، فإن الحق ضالة المؤمن. وأنت بإخوانك عزيز الرأي ثاقب الفكر.
ثالثاً: ما نزل بك من الهموم والغموم والمشاكل إنما هو من أنواع الابتلاءات التي يجب الصبر عليها واحتساب الأجر فيها، قال صلى الله عليه وسلم: « ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا هم ولا حزن ولا غم ولا أذى حتى الشوكة، يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه » [متفق عليه] وأكثر من الإسترجاع قال صلى الله عليه وسلم:
« ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمر الله: إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها، إلا أخلف الله خيراً منها » [رواه مسلم].
رابعاً: طهر قلبك من الحقد والكراهية: فإن هذه الأمور تجعل على عينك غشاوة وتجعل فكرك مشلولاً، والشيطان يفرح بذلك النصيب منك، فاحذر أن تبني مصير حياة زوجية على حقد أو كراهية أو إنتصار للنفس، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: « اللهم إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة » [رواه النسائي].
خامساً: قال الله تعالى: { وإذا قُلتم فاعدلوا } [الأنعام: 152]. وقال في شأن الأعداء والخصماء: { ولا يجْرمنَّكُم شنآن قومٍ على ألا تعدلوا اعْدلوا هو أقْربُ للتقوى } [المائدة: 8] ومن العدل ذكر حسنات الزوجة طول الشهور والسنوات التي مضت، واعلم- أخي الكريم- أن تصيد الهفوات والزلات ليس من ديدن وطريقة كرام القوم، وأراك تصفح عن زميلك وصاحبك في زلات كثيرة، فما بالك اليوم تجانب المسامحة والصفح في أمر من قال الله تعالى عنها: { والصَّاحب بالْجنْب } [النساء: 36].
وقال تعالى: { ولا تنسَوُا الفضْل بينكم } [البقرة: 237].
سادساً: لا تنس أن بقاء الزوجة مع محاولة إصلاحها، اعفاف لبصرك، وسمعك، وفرجك، من نزعات الشيطان. والإنسان ضعيف يتصدى للفتن بما أحل الله عزّ وجلّ وشرع.
سابعاً: إن كان لك أبناء فإنهم قد يعانون من سرعة إتخاذك للقرار، وقد تحرمهم حنان الأم أو حنان الأب، واعلم أن جزءاً من سعادتك هي رؤية صغارك من حولك، وأنت الآن على مفترق طرق فلا تتعجل الأمر؛ وإن كان عليك مشقة في البقاء مع الزوجة، إلا أن رجاء صلاح صغارك يجعلك تتحمل ذلك، فكم تحملت من التعب والحزن لأجلهم.
ثامناً: ابتعد عن الكبر والتسلط والانتصار للنفس، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان رأس المتواضعين وهو أشرف الخلق. وتجنب إيقاع الطلاق بدون سبب شرعي، ولا يمكن فعلك حال الطلاق أو بعده الرغبة في الانتقام بإيذاء المسلمة أو أهلها فإن هذا من الظلم.
تاسعاً: اقرأ سيرة رجال كرام كان لهم أدوار عظيمة في قيام الأمة من الصحابة والتابعين وكيف هو حالهم مع زوجاتهم، بل واقرأ النماذج الحية من حال النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته!.
عاشراً: توجه إلى الله عزّ وجلّ بالدعاء والاستغفار والصدقة لعل الله أن يصلح ما فسد { ومن يَّتق الله يجْعل له مخرجاً } [سورة الطلاق: 2].
الحادي عشر: هناك اختلاف في الطبائع والعادات والرغبات الشخصية والمستويات الفكرية بين الزوجين، فكل منهم عاش وتربى في منزل وفي بيئة أسرية مختلفة سنين طويلة طبَّعته فيها الأسرة بعاداتها وطبائعها، وأنت الآن تريد أن تغير ما كان في لحظات، ولهذا لا بد من التنازل عن بعض الحقوق والتغاضي عن الهفوات، وغالباً تنشأ المودة والمحبة بعد حين من الزمن، وتقوى بعد إنجاب الأبناء وعرفة طباع كل زوج لزوجه. وليس من شروط الزواج الناجح أن تتوافق جميع الرغبات، وتتطابق الأفكار.
الثاني عشر: لهذه الزوجة أعمال كثيرة وخدمات جليلة تقدمها لك ومنها: إعفافك وصيانة حاجاتك النفسية والعاطفية، وتقديم أكلك وشربك، ونظافة ملبسك، وتربية أبنائك، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: « لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر- أو قال غيره » [رواه مسلم].
وقد يجد الرجل زوجة؛ لكنها صعبة المراس فيعجبه دينها وعفافها، وآخر قد يجد بعض الصفات وتنقص أخرى، وهكذا أنت أيضاً توجد فيك بعض الصفات وتنقصك أخرى، فلا تنشد الكمال في غيرك دون النظر إلى حالك. وتأمل في حديث النبي صلى الله عليه وسلم وحسن التشبيه: "المرأة كالضلع إذا أقمتها كسرتها، وإلا استمتعت بها وفيها عوج" [متفق عليه].
وجاء رجل إلى عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- يشكو خُلق امرأته، فوقف ببابه ينتظر خروجه، فسمع امرأته تستطيل عليه بلسانها وهو ساكت يحير جواباً، فانصرف الرجل قائلاً: إن كان هذا أمير المؤمنين مع زوجته فكيف حالي؟ فخرج عمر- رضي الله عنه- فرآه مولياً. فقال: يا هذا ما حاجتك؟ فقص عليه الرجل ما كان، فقال له عمر رضي الله عنه ناصحاً: يا هذا، إني أحتملها لحقوق لها عليّ، إنها طباخة لطعامي، خبازة لخبزي، مرضعة لولدي، وسكن بها قلبي عن الحرام، فقال الرجل: وكذلك زوجتي يا أمير المؤمنين، فقال عمر - رضي الله عنه- : إذاً فاحتملها. ولهذا فإن عدم المواجهة، أحياناً تكون من الفطنة والنباهة وليس في ذلك أدنى نقص.
الثالث عشر: أول من يفرح ويسر بأمر الخلاف بين الزوجين هو الأعداء والحاقدون والحاسدون وأولهم إبليس قال صلى الله عليه وسلم: « إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجىء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا فيقول: ما صنعت شيئاً قال: ثم يجيء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته. قال فيدنيه منه ويقول نعم أنت » . قال الأعمش أراه قال: « فيلتزمه » [رواه مسلم].
ولهذا لا بد أن يكون هناك مبرر قوي للطلاق، بعد استنفاد محاولات العلاج الأخرى من التوجيه والهجر وغيرها.
الرابع عشر: لا تظن أن بيوت غيرك خالية من الخلافات الزوجية، ولو سلم أحد من ذلك لسلم بيت النبوة، وكما قيل: "البيوت معمورة والأحوال مستورة"، ولكنهم صبروا وعفوا وشاوروا، فسارت ركابهم ونمت دوحتهم، وأنت انتقدت وخاصمت فوقف بك المسير، ووصلت إلى هذا القرار، فهلا تأملت ووازنت بين الحسنات والسيئات.
الخامس عشر: ينقسم الطلاق إلى سني وبدعي وهناك قيود يجب على المسلم الالتزام بها، ومنها أن يكون الطلاق في حالة طهر لم يجامعها فيه، فلو طلق الزوج زوجته في حال الحيض أو طلقها في حال الطهر الذي جامعها فيه، كان طلاقه محرماً ومخالفاً للأصول الشرعية. كما أن على المطلق ألا يزيد في الطلاق على واحدة، فلو طلق أكثر من طلقة واحدة كأن طلقها بالثلاث بلفظ واحد أو ألفاظ متفرقة فإن طلاقه مخالفاً للمشروع في إيقاع الطلاق.
أخي المسلم:
استعن بالله عزّ وجلّ في جميع أمورك، وتوكل عليه وتقرب إليه بالأعمال الصالحة، وتحبب إليه بترك المعاصي، والمنكرات فإنها سبب المصائب "فما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة"، وأكثر من الدعاء، وشاور أهل الرأي والعلم والحكمة. وفقك الله لما يحب ويرضى وأعانك، وجعل حياتك حياة طيبة آمنة، ورزقك الذرية الصالحة التي تقر بها عينك في الدنيا والآخرة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
دار القاسم: المملكة العربية السعودية_ص ب 6373 الرياض 11442
هاتف: 4092000/ فاكس: 4033150
البريد الالكتروني: [email protected]
الموقع على الانترنت: www.dar-alqassem.com
المصدر: دار القاسم