العلمانيون العرب.. والإسلام
يحار عقل الإنسان ـ العاقل فعلا، والمنصف والحيادي ـ من الموقف المعلن من قبل العلمانيين العرب تجاه الإسلام والنبي العربي محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي أرسله الله به.
يحار عقل الإنسان ـ العاقل فعلا، والمنصف والحيادي ـ من الموقف المعلن من قبل العلمانيين العرب تجاه الإسلام والنبي العربي محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي أرسله الله به.
ذلك الإسلام العظيم الذي جاء به النبي العربي محمد والذي وضع أسس العدالة، وقواعد الإيمان، ومعاني الرحمة والإحسان، والمبادئ العامة التي تكرم الإنسان بصنفيه ذكره وأنثاه، وتقرر وحدة الأصل الإنساني في الخلقة، ومحاربة التمييز العنصري، ومواجهة كل أنواع التعصب واالتفرقة القائمة على اللون أو الجنس، وتواجه كل أنواع الظلم والقهر واستعباد الخلق والإساءة إليهم، بل وحتى الإساءة إلى الحيوان بل وحتى النبات.
لماذا يتخذ أغلب العلمانيين العرب موقفاً معادياً للإسلام على وجه الخصوص، ولماذا يبذلون جهداً حثيثا في محاولة سلخ الأمة عن تاريخها الحضاري وثقافتها العربية الإسلامية، ولماذا يعيشون الانفصام الحاد بين الواقع التاريخي للأمة الممتد على مساحة أربعة عشر قرناً من الزمان، حيث تشكلت من خلاله هويتها الحضارية ومعالم ثقافتها المستقرة قائمة على أعراف مشتهرة وعادات وتقاليد وأفكار راسخة وأنظمة مستمدة من قاعدة الايمان والتوحيد.
لماذا يتخذ العلمانيون الأجانب في العالم موقفاً أكثر انصافاً للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وبعضهم يعتبره بعد دراسة استقرائية مستفيضة أنه الشخص رقم (واحد) على مستوى عظماء البشرية، من خلال عدة معايير تم الاستناد اليها تتمثل بالأثر العظيم الذي أحدثه في مسار البشرية وفي مسار العقل الإنساني والعقل والوجدان الآدمي وفي منظومة القيم العظيمة التي أرساها وما أدت إليه من تقديم نموذج حضاري إنساني عالمي متميز.
لماذا لا يشعر العلمانيون العرب بالانتماء لأمتهم ضميرها ووجدانها العميق وأعرافها وهويتها المستقرة، ولماذا يشعرون بالغربة والاغتراب عن مجتمعاتهم وعن الواقع العربي بكل تجلياته، ويكونون في الأغلب أكثر ميلاً لقيم أخرى وحضارة أخرى وشخصيات تاريخية تنتمي لبقاع مختلفة من العالم وأفكار أخرى بعيدة عن تراثهم وتاريخهم، ولماذا لا يسلكون مسلك الاصلاح الهادئ المتدرج لبعض الاخطاء ـ إن وجدت ـ أو بعض المظاهر السلبية دون مصادمة مع ضمير الأمة، ودون افتعال لإثارة النزاعات والنعرات والحروب الداخلية في مجتمعاتهم.
أعتقد أن أغلب العلمانيين العرب ـ أو من يعلن الانتساب إلى العلمانية منهم ـ لا يتقن فهم جوهر العلمانية الحقيقي القائم على الحياد؛ بمعنى تحييد الدين عن السلطة والحكم، (ولا شك أننا نخالف ذلك ولا نقبله)، ولكن ما نشاهده ليس حياداً بل انحيازا واضحا إلى درجة التطرف في مواجهة الإسلام دينا وقيماً وأعرافاً وعقائد وأنظمة، ولا يصح الادعاء أنهم ضد حركات الإسلام السياسي فقط، بل إنهم يتخذون من ذلك غطاء وستارا لمواجهة الإسلام نفسه، فنجد على سبيل المثال شخصية معروفة تعلن عبر مقالاتها الصحفية (أنها لا تحترم كل محجبة)!! فما علاقة ذلك بالإسلام السياسي؟
ولذلك لا تجد انتماءً منهم لهذا الدين، ولا للنبي محمد الذي بنى هذه الأمة، وجمع شمل العرب، وجعل لهم رسالة ومنظومة قيم وحضارة سامقة، ولا لشخصيات الأمة وعظمائها مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأبي عبيدة وعمر بن عبد العزيز وهارون الرشيد والمأمون والغزالي وابن رشد وابن الهيثم والخوارزمي، وسلسلة طويلة من عظماء الاسلام؛ من الذين ملؤوا التاريخ فكراً وعلماً وانجازاً.
إسبانيا تقيم التماثيل والنصب لابن رشد وابن العربي والباجي وابن حزم في قرطبة بصفتهم شخصيات أندلسية، والعلمانيون العرب يحاولون طمس أي معلم إسلامي وأي قيمة إسلامية معتبرة.
كنت أنتظر أن يفتخروا بالنبي العربي العظيم، ولو من باب الانتصار للعروبة والقومية على طريقتهم، أو من خلال إبراز المبادئ العظيمة التي يجمع عليها العقل العالمي وتتلاءم مع الفطرة الإنسانية السليمة، بعيداً عن أفكار ما يطلق عليه الإسلام السياسي؛ لأن مواجهة ما يسمى الإسلام السياسي (لو سلمنا لهم) لا يعني بحال الوقوف في مواجهة الإسلام ومنظومته القيمية، ولا يعني الانسلاخ من تاريخ هذه الأمة وتراثها وحضارتها وعدم الانتماء لعظمائها وشخصياتها الفذة ومحاولة الاحتفاء بأعداء الإسلام والخارجين عليه.
__________________________________________________
اسم الكاتب: د.رحيل الغرايبة (بتصرف يسير)
- التصنيف: