خاطرة حول كثرة الزلازل
إن الزلازلَ آياتٌ من آيات الله تعالى، يُجرِيها في أرضِه لحكمةٍ بالغة، وله سبحانه الأمرُ من قبلُ ومن بعدُ، ويخلقُ ما يشاءُ ويختارُ، وهو سبحانه رحيمٌ بعبادِه، ورحمتُه سبقَت غضبَه؛ بل إنها وسِعَت كلَّ شيءٍ.
إن الزلازلَ آياتٌ من آيات الله تعالى، يُجرِيها في أرضِه لحكمةٍ بالغة، وله سبحانه الأمرُ من قبلُ ومن بعدُ، ويخلقُ ما يشاءُ ويختارُ، وهو سبحانه رحيمٌ بعبادِه، ورحمتُه سبقَت غضبَه؛ بل إنها وسِعَت كلَّ شيءٍ.
ويمكن القول أن الزلازل لها سببان في وقوعها:
السبب الأول: سبب شرعي، وذلك عند كثرة المعاصي والمنكرات والمجاهرة بها.
وقد ذكرَ أهلُ العلم أن الزلازلَ من الآياتِ التي يُخوِّفُ اللهُ تعالى بها عبادَه، كما يُخوِّفُهم بالكُسُوفِ وغيرِه؛ ليُدرِكوا ما هم عليه من نعمةِ سُكون الأرض ورُسُوِّها واستِقرارها للحيوان والنبات والمتاع والمسكَن، وأن ما يحصُلُ فيها من خسفٍ وزلزلةٍ واختِلالٍ إنما هو ابتلاءٌ وامتِحانٌ أو عقوبةٌ وإنذار، كما رُجِفَ بثمود وخُسِف بقارون.
قال العلامة ابن بطَّال رحمه الله تعالى: (قال الـمُهلَّب: ظهور الزلازل والآيات -أيضًا- وَعيدٌ من الله تعالى لأهل الأرض، قال تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59])[1].
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: (لما كان هُبُوبُ الريح الشديدة يُوجِبُ التخويفَ المُفضِي إلى الخُشوع والإنابة كانت الزلزلةُ ونحوُها من الآيات أولَى بذلك، لا سيَّما وقد نُصَّ في الخَبَر على أنَّ كثرةَ الزلازلِ من أشراط الساعة)[2].
وقال الإمام قتادة رحمه الله تعالى: (إن الله تعالى يخوف الناس بما شاء من الآيات لعلهم يعتبرون ويذكرون ويرجعون، ذُكِر لنا أن الكوفةَ رجَفَت في عهدِ ابنِ مسعود، فقال: أيها الناس، إن ربكم يستعتِبُكم فاعتِبُوه)[3].
ولذا كان من هَدْيِ الإسلام: الاعتبارُ بالزلازل، وأن المرءَ المسلمَ مُطالَبٌ بالتوبة والاستغفار والصدقة، والصلاةُ تُشرعُ لها عند بعضِ أهل العلم دون الجماعة؛ فقد صلَّى عبدالله بنُ عباسٍ رضي الله تعالى عنهما للزلزلةِ بالبصرة؛ رواه عبدالرزاق وابن أبي شيبة، وصحَّحه الحافظ في الفتح[4].
السبب الثاني: سبب كوني، وذلك يُعرَف من خـــلال الدراســــات المختصة بعلـم الأرض، والذي يعرف بـــ(علم الجيولوجيا)، وفيه أن الزلازل متنفَّسُ الأرض، وأن من أسبابها ضعف القشرة الأرضية في مكان ما دون آخر، وغيره من الأسباب المبنيَّة على الدراسات العلمية.
وختامًا: فإن المنهج الشرعي في الآيات التي يُظهِرها الله تعالى؛ كالزلازل، والبراكين، والكسوف، والخسوف، ونحوها إنما هي آيات يخوِّف الله عباده؛ للرجوع إليه عندما يظهر الفساد في الأرض؛ وهذه حكمة شرعية منصوصة عليها في الكتاب والسُّنَّة، وما سواها من دراسات ونظريات وإعجاز وغيرها دخيلة في الحكمة الشرعية التي أرادها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من ذلك، وإظهار غير الحكمة الشرعية المنصوص عليها تهوين بالآيات والحكمة من ظهورها، مع أهمية بيان منهج السلف الصالح في تقرير الغيبيات بأن أصلها راجع إلى الدليل والتوقيف على النص الصحيح الصريح؛ وبناءً على ذلك فكل ما كان غيبي وتَكلَّم أحدٌ في سببه فيُطلَب منه الدليل على ذلك.
[1] انظر: شرح صحيح البخاري، ابن بطال، (3/ 26).
[2] انظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر، (2/ 521).
[3] انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، (3/ 48). فاعتبوه: يطلبكم للرجوع عن الإساءة واسترضائه فافعلوا ذلك.
[4] أخرجه عبدالرزاق في مصنفه، (3/ 377) برقم (5068)، وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (2/ 220) برقم (8333).
______________________________________________________
الكاتب: د. ناصر بن سعيد السيف
- التصنيف: