بين فكي الذئاب.. الدور الخفي للمؤسسات المالية والدولية
تمر بعض دول المنطقة بظروف صعبة، في أزمة اقتصادية يصفها بعض الخبراء بأنها الأسوأ في التاريخ الحديث لتلك الدول.
وتونس ولبنان مع صندوق النقد الدولي، للحصول على قروض؛ من أجل تخطّي الأزمات الاقتصادية التي تمرّ بها هذه الدول.
وهنا تُثار أسئلة مهمة منها: ما حقيقة تلك المؤسسات؛ مثل صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي؟ وهل هي مجرد صناديق استثمارية تضع فيها بعض الدول أو المؤسسات المالية أو الأفراد أموالهم ليتم إقراضها لدول تموّل بها مشروعاتها، أو تحاول تلك الدول المقترضة الاستفادة بهذه الأموال لسدّ ثغرة عجزها المالي عن استيراد السلع الأساسية، والتي تتعلق بمتطلبات مواطنيها، ثم تسترد الدول المقرضة أموالها على أقساط، وفي نفس الوقت تأخذ هذه الدول فوائد وأرباح (ربًا) على أموالها تلك في صورة أقساط ودفعات لآجال معينة؟
والسؤال باختصار: هل هدف تلك المؤسسات المالية الدولية مجرد الإقراض بغرض الربح فقط؟ أم أن هدفها يتعدَّى دَورها الاقتصادي الظاهري، إلى أدوار سياسية وفكرية واجتماعية بل واستراتيجية على الصعيد الدولي تقوم بها من خلال سياسات الإقراض التي تتبعها؟
لفهم تلك الإشكالية يجب علينا تتبُّع تاريخ نشأة النظام المالي العالمي، وما هي المؤسسات المالية التي انبثقت منه، وصارت أدوات لعمل هذا النظام، وبعدها فَهْم آليات عمل هذه المؤسسات والدول التي تقف خلفها، وكيفية استخدامها لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، وإدراك آثار سياساتها على الأوضاع الاجتماعية والسياسية للدول التي تعتمد على تلك المؤسسات.
النظام المالي العالمي الحالي... النشأة والتطور
تشكَّلت بدايات النظام المالي الموجود الآن في العالم منذ القرن التاسع عشر؛ حيث كانت كل دولة تعتمد بشكل أساسي على ما تملكه من الذهب والفضة، وكانت قوة عملة أيّ دولة تتحدَّد بمدى قدرتها على استبدال النقود الورقية بالمعدنين الذهب والفضة.
ونتيجة لاكتشاف الذهب في أمريكا وأستراليا -كانت الدولتان في ذلك التوقيت لا تزالان تابعتين لبريطانيا القوة العظمى الأولى عالميًّا في ذلك الوقت-؛ قررت بريطانيا -أثناء محاولتها هدم القوة العظمى الثانية بالعالم في ذلك الوقت وهي فرنسا- التخلُّص من نظام ثنائية المعدن، والاكتفاء فقط بالذهب كأداة تقييم لقوة أيّ دولة في العالم، وبالتالي خسرت فرنسا جرّاء ذلك.
واستقر النظام المالي الدولي على اعتبار أن الذهب هو المعيار الأساسي والوحيد للتعاملات الدولية. وكانت العملات الورقية الرئيسية بالعالم يمكن تغييرها بالذهب فور تقديمها لأيّ مصرف؛ فنجد أن الجنيه الإسترليني (عملة بريطانيا) كان يساوي 7.99 جرام ذهب، والفرنك الفرنسي يساوي 3.22 جرام ذهب، والمارك الألماني يساوي 3.98 جرام ذهب، والروبل الروسي يساوي 7.44 جرام ذهب، والدولار الأمريكي 1.5 جرام ذهب (أقل تغطية ذهبية بين الدول).
وجاءت الحرب العالمية الأولى، ولتغطية تكاليفها الضخمة؛ اضطرت فرنسا وإنجلترا إلى إصدار عملات ورقية بكمّيات هائلة، وبدون مقابل ذهبي لتلك الإصدارات الورقية؛ لتشتري من أمريكا احتياجات الحرب؛ ممَّا أدَّى إلى تحوُّل معظم احتياطاتهما الذهبية إلى أمريكا، وبذلك خرجت أمريكا منتصرةً اقتصاديًّا وماليًّا من تلك الحرب.
وانتهت تلك الحرب، وكان على الاقتصاديين الإنجليز والفرنسين أن يعودوا إلى نظام الذهب؛ إلا أن اقتصاداتهم واحتياطاتهم الذهبية لم تكن بذات المستوى قبل الحرب، مما اضطر الإنجليز إلى الخروج مرة أخرى من تطبيق قاعدة الذهب، وبذلك خرجت إنجلترا من النظام المالي العالمي كعملة رئيسية في العالم.
وبدأت الحرب العالمية الثانية، وتكرر ذات السيناريو، ودارت الماكينات الأمريكية، وأنتجت وصدّرت لأوروبا مستلزمات الحرب والمعيشة، وتدفَّقت الاحتياطات النقدية من أوروبا إلى أمريكا، وخرجت أمريكا من الحرب للمرة الثانية منتصرةً ماليًّا واقتصاديًّا، وتمتلك ثلثي احتياطيات الذهب بالعالم.
وخشيةً من حدوث عجز كبير في العملات الصعبة اللازمة لشراء البضائع والخدمات وإعادة بناء الاقتصادات التي مزَّقتها الحرب؛ ظهرت الحاجة لوضع نظام جديد لتسيير الشؤون المالية الدولية، فعرض جون ماينارد كينز البريطاني، وهاري دكستر وايت الأمريكي، اقتراحًا ناجحًا لإنشاء نظام مالي دولي جديد في مؤتمر بريتون وودز في العام 1944م، وكانت الحرب العالمية الثانية على وشك الانتهاء، وسعت الدول الأربع والأربعين المُمَثَّلة في ذلك المؤتمر إلى وضع إطار للتعاون الاقتصادي.
وفي هذا المؤتمر تمَّت أكبر سرقة لدول العالم من جانب أمريكا كما اعتبرها البعض؛ لأن خلاصة ما انتهى إليه المؤتمر، ووافقت عليه الدول التي شاركت فيه، هو تثبيت أسعار صرف العملات أمام الدولار مقابل ربط الأخير بالذهب، ليتحول الدولار من عملة محلية إلى عملة احتياطيات دولية، أي أن الدولار الأمريكي أصبح بديلاً عن الذهب كاحتياطي لدول العالم، وبذلك أجبر مؤتمر بريتون وودز دول العالم على السير في ركاب النظام المالي الأمريكي، وأصبح السعر الثابت للأوقية (الأونصة) من الذهب 35 دولارًا.
ولكي تكون هناك أداة دولية يتم فيها تيسير تلك المعاملات المالية، كان من مقررات هذا المؤتمر إنشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، واتفق الحاضرون في الاجتماع على أن يكون مقر المؤسستين العاصمة الأمريكية واشنطن.
ولكن خلال فترة الخمسينيات ضعف الاقتصاد الأمريكي وظهرت قوة الاقتصاد الألماني والياباني، فحاولت أمريكا استمرار هيمنتها على السوق بإعلان خفض قيمة الدولار الأمريكي فزادت قيمة أونصة الذهب من 35 دولارًا إلى 38 دولارًا، مع تحديد نسبة لارتفاع وانخفاض العملات الدولية مقابل الدولار، وبذلك ظلت سيطرة أمريكا النسبية على النظام النقدي بالعالم.
ولكن استمر التراجع حتى أعلن الرئيس الأمريكي نيكسون عام 1971م، تعليقًا مؤقتًا لقابلية تحويل الدولار إلى الذهب، وفك الارتباط بينهما، وترك العملة الأمريكية للسعر الذي تستحقه بالفعل في السوق، وجاء ذلك في أعقاب تراجع المعروض من الذهب في الولايات المتحدة، وهو الحدث الذي عُرِفَ بـ«صدمة نيكسون». وفي عام 1973م، انهار نظام بريتون وودز تمامًا، وأصبح للدول مطلق الحرية بتعويم عملاتها، وتحديد قيمتها من خلال حجمها في السوق العالمية، والمقارنة بعملة بلد آخر أو بسلة عملات.
وفي خضم هذه الأزمة المالية؛ قررت منظمة الدول المُصدِّرة للنفط أوبك قبول الذهب فقط في شراء النفط، جراء ما وقع لها من خسائر فادحة جراء انخفاض سعر الدولار. مما خلق أزمة حقيقية للاقتصاد والنفوذ الأمريكي في العالم. هنا تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية فيما يعتبر تسوية ماكرة مع أوبك لزيادة أسعار النفط في العالم مقابل قبولهم للدولار فقط لشراء النفط. فازداد الطلب على الدولار الأمريكي كما ازدادت التدفقات المالية للدول المُنتِجة للنفط عن حاجة هذه الدول؛ لتُكدّسها وتُقرض بعضها لصندوق النقد الدولي، ليُقرضها بدَوْره للدول الفقيرة، والتي غرقت بالديون؛ ليتم بعد ذلك التحكم فيها وابتزازها للتحكم بقرارها السياسي.
ولكن في نفس الوقت، ومع تنامي القوة الاقتصادية لمجموعات دولية أخرى؛ بدأت ملامح لنظام مالي جديد في التشكل.
فقد تم توقيع معاهدة روما في عام 1957م، وأنشئت بموجبها المجموعة الاقتصادية الأوروبية (السوق المشتركة) التي تنامت من اتحاد جمركي يضمّ ست دول في العام 1958م إلى مجموعة من 28 بلدًا أدمجت معظم هيكلياتها الاقتصادية في بنية الاتحاد الأوروبي اليوم، بما في ذلك العملة المشتركة (اليورو) التي تتعامل بها أكثر من نصف دول المنطقة، ومن ثم البنك المركزي للاتحاد الأوروبي.
وجرى تقليد نموذج التجربة الأوروبية في أماكن أخرى على نطاق أصغر كثيرًا؛ حيث عمدت آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية إلى تحقيق اندماج إقليمي أكبر بين اقتصاداتها. فبنك التنمية الآسيوي -على سبيل المثال- مؤسسة تضم 70 نظامًا اقتصاديًّا؛ هدفها إيجاد تدفقات حرة لرأس المال في منطقة مهمة من العالم. وعلى سبيل المثال؛ فقد منح هذا البنك أكثر من 10 مليارات دولار كقروض في عام واحد. في حين سعت اتفاقية أمريكا الشمالية لحرية التجارة (نافتا) المعقودة في العام 1994م إلى توسيع نهجها للاتحاد الجمركي لكي يشمل الأمريكتين.
وخلال عام 1995م، عملت الولايات المتحدة على تكريس انفراد هيمنتها السياسية على العالم؛ لتشمل الهيمنة الاقتصادية على النظام المالي العالمي، مستغلةً فكرة العولمة، بإدخال أربع آليات اقتصادية جديدة أثَّرت إلى حدّ ما على النظام المالي العالمي؛ وهي:
أولاً: إنشاء منظمة التجارة العالمية لتحل محل الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة (الجات)، وتم تخويلها صلاحيات واسعة لفرض معايير دولية تتعلق بالتجارة والتعامل المالي عبر الحدود.
ثانيًا: ظهور مؤتمر قمة مجموعة الدول الصناعية السبع الرئيسية، وتوسَّعت عدديًّا لتضم دولاً جديدة، وتصبح مجموعة العشرين الاقتصادية، التي تجتمع دوريًّا للاتفاق على السياسات التي تحكم الترتيبات الاقتصادية والمالية الدولية.
ثالثًا: المؤتمرات التي تنعقد برعاية غير حكومية، ولا سيما مؤتمر دافوس بسويسرا، التي تجمع بين قادة الشركات والشخصيات المالية والسياسية، وغالبًا ما تُسفر عن غَرْس البذور لإصلاح السياسات في المستقبل.
رابعًا: إبرام معاهدات ضريبية متعددة الأطراف لتوحيد المعاملة الضريبية إلى حدّ ما، وخاصة بالنسبة للقائمين بنشاطات دولية. وقد وافقت مؤخرًا البلدان الصغيرة التي تشكل ملاذات ضريبية على تعديل نظامها المصرفي السرّي لمعالجة مشكلة التهرب من الضرائب.
المؤسسات المالية الدولية أداة للنظام المالي العالمي
ظهر مصطلح البنك في علم الاقتصاد في مدينة البندقية، وهي كلمة مشتقة من كلمة بانكو الإيطالية؛ والتي تعني المصطبة، ويُقْصَد بها المنضدة التي يقف عليها الصراف لتحويل العملة، ثم تطوّر معناها إلى المصرف.
وأُسِّس أوّل بنك تجاري في عام 1517م بمدينة البندقية، ولاحقًا أُسِّس بنك آخر في مدينة أمستردام الهولندية في عام 1609م، ومِن ثَمَّ انتشرت البنوك في كافة دول العالم.
وفي القرن التاسع عشر للميلاد مع ظهور الثورة الصناعية في أوروبا أدَّى ذلك إلى دخولها في عصر الإنتاج الذي احتاج إلى الكثير من المال، فظهرت الحاجة إلى وجود نوع جديد من البنوك تشبه الشركات المساهمة التي انتشرت أعمالها بشكل كبير؛ مما دفَعها إلى افتتاح فروع لها، كما شهدت هذه الفترة ظهور بنوك مُتخصّصة في الائتمانيات الصناعية والزراعية والعقارية.
وكما ذكرنا من قبل؛ فقد أنشأ مؤتمر بريتون وودز في العام 1944م -الذي وضع أُسُس النظام المالي الدولي في نهاية الحرب العالمية الثانية- مؤسستين ماليتين؛ ليتم من خلالهما تنفيذ ذلك النظام الجديد؛ وهما: البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
وفي ديسمبر 1945م خرج صندوق النقد الدولي إلى حيّز الوجود عقب توقيع تسع وعشرين دولة على اتفاقية تأسيسه.
والفرق الأساسي بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في أهداف كلّ منهما ومهامهما؛ إذ يهدف البنك الدولي -كما يقول في موقعه على الإنترنت- إلى محاربة الفقر؛ من خلال تقديم المساعدات للدول ذات الدخل المتوسط والمنخفض. بينما صندوق النقد الدولي يهدف إلى استقرار النظام النقدي العالمي.
جدير بالذكر أن مجموعة البنك الدولي تتكون من خمسة بنوك:
أولهما البنك الدولي للإنشاء والتعمير (IBRD)، والمؤسسة الدولية للتنمية (IDA)، وهاتان المؤسستان تتعاملان مع الحكومات بشأن السياسات والمساعدة الفنية. ففي حين تختص المؤسسة الدولية للتنمية بحكومات بلدان العالم الأشد فقرًا؛ يلتزم البنك الدولي للإنشاء والتعمير بحكومات البلدان متوسطة الدخل والبلدان الفقيرة المتمتعة بالأهلية الائتمانية كما يصفها.
أما مؤسسات البنك الدولي الثلاثة الأخرى فهي: مؤسسة التمويل الدولية (IFC)، والوكالة الدولية لضمان الاستثمار (MIGA)، والمركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار (ICSID)، فتتعامل مع القطاع الخاص وليس الحكومي، فمن خلال هذه المؤسسات الثلاث، تقدّم مجموعة البنك الدولي التمويل والمساعدة الفنية والتأمين ضد المخاطر السياسية وتسوية المنازعات للشركات الخاصة، ومن ضمنها المؤسسات المالية.
أما بالنسبة لصندوق النقد الدولي، فتهدف رسالة الصندوق -كما يقول في موقعه على الإنترنت- بصورة رئيسية إلى ضمان استقرار النظام النقدي الدولي ونظام أسعار الصرف والمدفوعات الدولية الذي يُمكِّن البلدان ومواطنيها من شراء السلع والخدمات من بعضهم البعض.
كيف تعمل المؤسسات المالية الدولية؟
يبلغ عدد الدول الأعضاء في كلٍّ من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي 189 دولة، وتجيء أهمية ذلك الرقم إذا عرفنا أن عدد الدول أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة يبلغ 193 دولة، وتتقاسم أمريكا وأوروبا الغربية السيطرة على إدارة كلٍّ من البنك والصندوق؛ فقد جرى العرف أن يكون رئيس البنك الدولي أمريكيًّا، بينما يكون رئيس صندوق النقد الدولي من أوروبا الغربية.
بالنسبة للبنك الدولي ينبغي لأيّ بلد يرغب في الانضمام إلى البنك أن يصبح أولاً عضوًا في صندوق النقد الدولي. وتدفع كل دولة عضو في البنك اشتراكها المحدد في رأس مال البنك ذهبًا أو دولارًا أمريكيًّا ما يعادل 18% من عملتها الخاصة.
أما بالنسبة لصندوق النقد الدولي، فترتبط القوة التصويتية للدولة بحصتها في الصندوق، وهو ما يسمح للولايات المتحدة الأمريكية بالهيمنة عليه؛ باعتبارها تهيمن على الحصة الأكبر بحوالي 17% من الأصوات، فهي بذلك الدولة الوحيدة في العالم التي تملك حق الفيتو ضد القرارات المهمة في الصندوق؛ لأن مثل تلك القرارات تتطلب موافقة 85% من حصص الأعضاء.
وبالمجمل تسيطر الدول الصناعية على 60% من أصوات الصندوق، بينما تملك الدول النامية والأكثر عددًا 40% فقط من أصوات الصندوق؛ ما يمنعها من إجراء أي تغيير في سياسات الصندوق التي يتم اتخاذها بالأغلبية.
الدور السلبي الأخطر لتلك المؤسسات
في موقع صندوق النقد الدولي على الإنترنت -وهو حريص على أن تكون اللغة العربية إحدى لغات الموقع-، تنص المادة الأولى لاتفاقية تأسيس الصندوق على أن أهدافه تتمثل في تشجيع التعاون الدولي في ميدان السياسة النقدية، وتيسير التوسع والنمو في التجارة الخارجية، وتدعيم الثقة بين البلدان الأعضاء، والعمل على تصحيح اختلالات ميزان المدفوعات للدول الأعضاء، والعمل على تحقيق الاستقرار في أسعار الصرف.
ويُعلّق الصحفي وأستاذ الفلسفة الألماني أرنست فولف على هذه الصياغة لأهداف الصندوق بقوله: «إنها ترنّ في أذن السامع كأن صندوق النقد مؤسسة حيادية.. يكمن هدفها الرئيسي في ترك العالم الاقتصادي يعمل بأكبر قدر ممكن من النظام، وفي تصحيح الاختلالات بأسرع وقت متاح.. ولكنها إحدى المؤسسات التي أنشأتها القوة العظمى الجديدة لتفرض ليس هيمنتها العسكرية فحسب، بل هيمنتها الاقتصادية أيضًا على العالم».
والواقع العملي يؤيد ما يقوله الخبير الألماني؛ فغالبية دول العالم الفقيرة، والتي حصلت على قروض من الصندوق، لم تستفد منها، بل كانت القروض بوابة لمزيد من الانهيار الاقتصادي والتعثر المالي، بل وزيادة معدلات البطالة في تلك الدول.
ولكن؛ كيف يمكن أن تؤدي سياسات صندوق النقد الدولي إلى تعزيز الهيمنة الأمريكية على هذه الدول؟
تكمن الإجابة في أن سياسات الصندوق -التي تتفق مع طبيعته الاقتصادية- تتجنّب الخوض في المشكلات السياسية والاجتماعية داخل هذه الدول؛ فنجدها توجّه دائمًا إلى تكبيل الدول بالديون، وفتح الباب على مصراعيه لتعويم العملة، وخصخصة أصول البلاد، وبيعها بأبخس الأثمان وأعلى درجات الفساد، وجعل غالبية الشعب قابعًا تحت حزام الفقر، ومعدلات البطالة تتعالى إلى درجات قصوى، وتغييب الصناعة والزراعة الهادفة للاكتفاء الذاتي، بدلاً من الاهتمام بضبط ومحاسبة الأنظمة الفاسدة، والمسؤولة عن المشكلات الحقيقية التي تواجه اقتصاد الدول الممنوح لها القرض.
وهكذا يزداد ارتباط أنظمة هذه الدول بالدولة العظمى المهيمنة على الصندوق؛ لأنها أصبحت -عن طريق هذا الصندوق- تتحكَّم في هذا النظام الفاسد، والذي بات يدرك أن بقاءه واستمراره مرهون بدعم القوة العظمى المهيمنة التي تتحكم في صندوق النقد الدولي، حتى لو كان ثمن البقاء هو دفع الشعوب فاتورة الصندوق.
_______________________________________________________
الكاتب: حسن الرشيدي
- التصنيف:
- المصدر: