الإيمان سبب الولاية.. و(فضل بعض القبائل على بعض)
العرب في أصلها تنقسم إلى ثلاثة أقسام: (العرب البائدة - العرب العاربة - العرب المستعربة)
العرب في أصلها تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1- العرب البائدة: وهم القدامى بعد الطوفان؛ كقوم عاد وثمود وعماليق وغيرهم.
2- العرب العاربة "القحطانية" من سبأ: وهم المنحدرون من صلب يعْرُب بن يشجب بن قحطان، وسُمِّيَت هذه القبائل بالعاربة؛ لصراحة نسبها في العرب ورسوخها فيها.
3- العرب المستعربة "العدنانية" معد بن عدنان، وتفرعت أنساب العرب جميعًا: وهم المنحدرون من صلب سيدنا إسماعيل بن سيدنا إبراهيم عليهما السلام[1].
روى البخاري رحمه الله في صحيحه، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((ما زلتُ أُحِبُّ بني تميم منذ ثلاث سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيهم؛ سمعته يقول: «هم أشد أمتي على الدجال»، قال: وجاءت صدقاتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه صدقات قومنا، وكانت سبيَّةٌ منهم عند عائشة، فقال: «أعتقيها؛ فإنها من ولد إسماعيل»[2].
وعنه رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «قريش، والأنصار، وجُهَينة، ومُزَينة، وأَسْلَمُ، وأشْجَعُ، وغِفارُ موالي، ليس لهم مولًى دون الله ورسوله».
(أسلم وغفار ومزينة وجهينة وأشجع): تلكم خمس قبائل كانت في الجاهلية، وهم من السابقين الذين بادروا إلى الإسلام، فلم يُسبُوا كما سُبِيَ غيرهم.
والمراد في فضائلهم من آمن منهم، ونعلم أن الشرف يحصل للشيء إذا حصل لبعضه.
وقد كان صلى الله عليه وسلم يُنْزِل الناس منازلهم، ويثني عليهم بما هو فيهم؛ تأليفًا لقلوبهم، وبيانًا للقيمة التي استحقوا بها الثناء.
ولنا هنا وقفة لنتعرف على تلكم القبائل الخمس مع قبيلة بني تميم.
(تميم) يعود نسب قبيلة بني تميم، إلى تميم بن مرِّ بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وهي قبيلة من أكبر قبائل العرب، ولم تكن قبيلة تميم تنزل جميعها في موطن واحد في الجاهلية؛ لكثرة عددها، وتعدد عشائرها وبطونها، فكانت منازلها موزَّعة بين نجد واليمامة والبحرين.
ولما جاء الإسلام، قدِم على الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة التاسعة وفدٌ من بني تميم، يرأسه عطارد بن حاجب بن زرارة، ويصحبه الأقرع بن حابس وآخرون، في وفد عظيم من بني تميم، فلما دخلوا المسجد، نادَوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات: "اخرج إلينا يا محمد"، فآذى صياحهم رسول الله، وفيهم نزلت سورة الحجرات.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: 2].
وقد جاء وفدُ بني تميم لمفاخرة رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين بخطبائهم وشعرائهم، وكثرة عددهم وأموالهم.
وقد ذكرها صلى الله عليه وسلم بثلاث خصال.
الأولى: أنهم أشد الناس من أمته بأسًا على المسيح الدجال عند ظهوره.
الثانية: أنه صلى الله عليه وسلم قال عندما وصلته زكاتهم وصدقاتهم: «هذه صدقات قومنا»، فنسبهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى قومه؛ لاجتماع نسبهم بنسبه الشريف صلى الله عليه وسلم في إلياس بن مضر.
الثالثة: أنه صلى الله عليه وسلم نسبهم إلى نبي الله إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام؛ حيث كانت سبية منهم عند أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، والسبية: المرأة التي تُؤخَذ في الحرب؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «أعتقيها؛ فإنها من ولد إسماعيل عليه السلام».
(أسلم) هي قبيلة بني أسْلَم نسبة إلى أسلم بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر؛ الذي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «... أسلم سالمها الله...»[3].
والتي منها السيدة رفيدة الأسلمية رضي الله عنها صاحبة الخيمة الطبية بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي كانت تداوي الجرحى، ومنهم أيضًا مسعود وسلمة بن الأكوع الأسلمي وربيعة الأسلمي، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجرهد بن رزاح الأسلمي، وغيرهم رضي الله عنهم جميعًا.
(غِفار) بكسر الغين هي قبيلة أبي ذرٍّ الغفاري رضي الله عنه، قيل: كان خامس خمسة في الإسلام، وأخوه أُنَيْسٌ رضي الله عنهم، التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «غِفار غفر الله لها...»[4].
هذا لأن قبيلة غفار شغلتها قطعُ الطريق، وسرقة الحجيج، فغفر الله لها بالتوبة والرجوع إليه[5].
(مُزَينة) بضم الميم وفتح الزاي، وهي من عمود النسب الشريف - نسب النبي صلى الله عليه وسلم - إذ النسب واحد من عدنان بن أدد بن إسماعيل إلى إلياس بن مضر بن نزار، ثم يفترق النسب، نسب قبيلة مزينة.
وهو اسم امرأة عمرو بن أد بن إلياس بن مضر، وهي مزينة بنت كلب بن وبرة، وهي أم أوس وعثمان ابني عمرو، فولد هذين يقال لهم بنو مزينة؛ [تاريخ ابن خلدون].
ومن قدماء الصحابة منهم عبدالله بن مغفل المزني، وعمه خزاعي، والخنساء، والشاعر كعب بن زهير بن أبي سُلمى، وأبجر المزني، وأسيد المزني، والأغر بن يسار المزني، وبشر بن المحتفر المزني، وغيرهم رضوان الله عليهم[6].
(جهينة) هم بنو جهينة بن زيد بن ليث، بضم اللام، وهي قبيلة تعتبر من القبائل الكبيرة، وكثيرة الفروع؛ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «جهينة مني وأنا منهم»[7]، والحديث في إسناده ضعف.
وعندما وفدت قبيلة جهينة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم معلنة إسلامها في السنة الثانية من الهجرة، عاد عمرو بن مرة الجهني وهو كبيرهم آنذاك، ومعه عصبة من قومه، فرحب بهم النبي صلى الله عليه وسلم وحباهم وكتب لهم كتابًا، ومن مشهوري الصحابة منهم: عقبة بن عامر الجهني، وعدي بن أبي الزغباء، وزياد بن الأخرس، وغيرهم، رضي الله عنهم.
(أشجع) هم بنو أشجع بن رَيث بفتح الراء.
يذكر النسابة العرب أن قبيلة أشجع ضمن أعقاب عدنان، وهو من إسماعيل بن إبراهيم عليهم السلام، ومن أبناء عمومة أشجع توجد قبيلة بني عبدالله وعبس، ومنها عنترة بن شداد، وهم عمومة أيضًا مع ذبيان، التي ينتسب إليها الشاعر النابغة الذبياني.
ومن مشهوري الصحابة منهم: معقل بن سنان الأشجعي، وعوف بن مالك الأشجعي، وغيرهم، رضي الله عنهم.
والحاصل أن تلكم القبائل من مضر، وقد هداهم الله وشرح قلوبهم، فعزهم بالإسلام ورفعوا رايته، فأنزلهم الله عز وجل منازلهم في الدنيا والآخرة.
وقال القرطبي رحمه الله: "تفضيل بعض هذه القبائل على بعض، إنما هو بحسب سبقهم للإسلام، وأفعالهم فيه، وتفضيلهم خبر من الشارع عما لهم عند الله تعالى من المنازل والمراتب، فلا يُقدَّم من أُخِّر، ولا يُؤخَّر من قُدِّم"[8].
[1] العين للفراهيدي.
[2] صحيح البخاري.
[3] صحيح البخاري وصحيح مسلم.
[4] صحيح البخاري وصحيح مسلم.
[5] سير أعلام النبلاء.
[6] سير أعلام النبلاء.
[7] رواه الطبراني في المعجم الكبير.
[8] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم.
- التصنيف: