استعدوا لرمضان
هذا رمضان قد أقبل ومن المعلوم أن من يُبشِّر بقدوم ضيف عزيز، أو زائر ذي شرف ومكانة، فإنه يستعد لاستقباله بأحسن وأفضل ما يقدر عليه...
هذا رمضان قد أقبل ومن المعلوم أن من يُبشِّر بقدوم ضيف عزيز، أو زائر ذي شرف ومكانة، فإنه يستعد لاستقباله بأحسن وأفضل ما يقدر عليه...؛ إلخ.
وهكذا يفعل التجار في مواسم التجارة، والمزارعون، والصيادون، وكل صاحب مهنة مهتم بها.
ونحن - معاشر المسلمين - لنا مواسم نتاجر فيها مع الله، ونصطاد فيها الحسنات، ونعمل فيها الأعمال الصالحات، ومن فضل الله علينا أن جعلها متفرقة متباعدة، كلما ودَّعنا موسمًا وتجاوزناه، طلع علينا موسم آخر؛ حتى لا نملَّ ولا نسأم من الاستثمار، ونفتُرَ ونتقاعس بالانقطاع والغفلة وطول الأمد، فالحمد لله على حكمته ولطفه بنا.
أيها الإخوة الكرام:
إن ديننا دينُ علمٍ، لا يُعبَد الله فيه بالجهل ولا بالتقليد الأعمى، ولا يقول فيه المسلم عند السؤال: ((رأيت الناس يقولون شيئًا فقلته))[2]، بل المقرر فيه أن: «طلب العلم فريضة على كل مسلم»[3]، ومعناه أن كل ما وجب على المسلم عمله، وجب عليه أن يتعلم أحكامه التي لا يصح إلا بها، فعلى الجميع أن يسعى لتعلم أحكام الصيام وآدابه ومستحباته؛ ليؤدي صيامه على أكمل الوجوه، وعلى أن يتعلم نواقضه ومكروهاته ليتجنبها.
وعلى العلماء والدعاة والقادرين من أئمة المساجد أن يُعلِّموا الناس تلك الأحكامَ والآداب؛ فإن العمل بالجهل قد يتسبب في رد العمل؛ قال صاحب الزبد:
وكل من بغير علم يعمل ** أعماله مردودة لا تُقبَلُ
وعلى العلماء وطلبة العلم والخطباء والمذكِّرين أن يتكلموا في الأمور المتفق عليها والواضحة وبينة الأدلة، ويتجنبوا الخوض في المسائل الغامضة وذات الخلاف الشائك، بل يَدَعُوا ذلك لأهل العلم القادرين على اختيار الأصح من مسائل الاجتهاد، فَرَحِمَ الله امرأً عَرَفَ قدر نفسه.
عباد الله:
كما أن الجهل قد يَحُول بين المسلم وبين الاستفادة من رمضان وما فيه من الأعمال الصالحات، وفي مقدمتها الصوم، فهناك أمور أخرى تحول دون الاستفادة منه؛ منها: الإصرار على الذنوب؛ قال الله تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 14، 15].
1- وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث حذيفة عند مسلم بأن المصر على ذنوبه: «لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا، إلا ما أُشرب هواه»[4]، فالقلب المغلَّف بران الذنوب لا يستفيد من رمضان، ولا ما فيه من الخير حتى يُغسَل عنه رانه، وذلك بالتوبة النصوح؛ قال صلى الله عليه وسلم: «إن العبد إذا أخطأ خطيئةً، نُكِتَتْ في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب، صُقل قلبه، وإن عاد زِيد فيها حتى تعلو قلبه؛ وهو الران الذي ذكر الله» ؛ {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14]))[5].
فعلى المسلم أن يتفقد نفسه ويعرف ذنوبه، ثم يتوب منها ذنبًا ذنبًا، فيدخل رمضان بقلب صافٍ.
2- ومن الموانع من قبول الأعمال، والاستفادة من نفحات رمضان: الأحقادُ والبغضاء، والمشاحنات والهجر والقطيعة؛ قال صلى الله عليه وسلم: «تُفتَح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيُغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئًا، إلا رجلًا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيُقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا»[6]، فلنبادر بإصلاح ذات بيننا؛ {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 1].
ومما يُضيِّع على المسلمين الاستفادة من رمضان، ما يعده أهل الدنيا في الأسواق وغيرها، وأهل الإفساد في القنوات الفضائية من برامج مختلفة، تجتمع على هدف واحد؛ هو تفريغ رمضان من محتواه الروحي، وصد عما فيه من سبيل الخير، وصد الناس فيه عن العبادات إلى المعاصي والشهوات، أو الملهيات التي لا فائدة فيها.
عباد الله:
إن رمضان هذه السنة يختلف عن السنوات الماضية؛ وذلك لأنه يأتي في ظل ظروف صعبة، وحالة معيشية متدهورة، وعلينا أن نُعِدَّ لذلك العُدَّة من جوانب:
الجانب الأول:
تعويد أنفسنا وأسرنا وترويضها وتعويدها على الاقتصاد والقناعة، وحسن التصرف مع متطلبات رمضان، وذلك باختصار ما أمكن من المصاريف والمتطلبات الكمالية التي لا لزوم لها، ولا يترتب على تركها ضرر ولا نقصان مؤثر، حتى لا نُغْرِقَ أنفسنا في الديون، أو نعرضها لذل السؤال، ومِنَنِ المحسنين، واليد العليا خير من اليد السفلى، بل إن ذلك الاقتصاد المتفق عليه بين أفراد الأسرة يجنبها الوقوع في المشاكل العائلية.
الجانب الثاني:
الجود والإحسان: فرمضان شهر الجود والإحسان، ومن حِكَمِ الصوم أن يشعر الصائم بمعاناة الصائمين؛ ليعطف عليهم ويرفق بهم؛ قال الشاعر:
جاعت بطون المترفين ** فقدروا ألم الجيــــــــاعِ
فامتدت الأيدي إلـــــى ** المحتاج تنضح بالمتـاعِ
ولذا يقول ابن عباس: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، فَلَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة))[7].
الجانب الثالث:
المواساة، وهي أن نستشعر حاجة وفَاقَةَ وألمَ مَن حولنا مِنَ الناس، ثم نحاول أن نخفف عنهم من ذلك.
[1] 21/ شعبان / 1429هـ، مسجد خالد بن الوليد.
[2] جزء من الحديث المشهور في عذاب القبر، وهو في البخاري 1/ 44 برقم: 86، مسلم 2/ 624 برقم: 905.
[3] رواه ابن ماجه 1/ 81 برقم: 224، وغيره، وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم: 3913.
[4] رواه مسلم 1/ 129، رقم: 144.
[5]رواه الترمذي 5/ 434 برقم: 3334 من حديث أبي هريرة، وقال: هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، ورواه غيره، وحسنه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم: 1670.
[6] رواه مسلم 4/ 1987، برقم: 2565.
[7] رواه البخاري 1/ 6 برقم: 6، مسلم 4/ 1803 برقم: 2308.
_______________________________________________________________
الكاتب: الشيخ أحمد بن حسن المعلِّم
- التصنيف: