غنى الخالق عن خلقه وافتقار جميع خلقه إليه
الكون كله خاضعٌ لعبودية الله الواحد القهار لا ينفك أحد من خلقه عن عبوديته قهرًا وغلبة، والكون بأسره خاشعٌ خاضع لكبريائه وعظمته؛ إذ هو مشغولٌ بخضوعه وذله لربِّه، ولذا ترى الكون كله معظِّمًا له ساجدًا خاشعًا مسبحًا، منزهًا لربه جل في علاه.
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية - الأسماء والصفات -
إنَّ الله تبارك وتعالى له الأسماء الحسنى والصفات العلى، ومن أسمائه الحسنى (الغني)، فهو غنيٌّ عنًى تامًّا عن جميع خلقه، وهم فقراء إليه سبحانه فقرًا تامًّا، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر: 15].
"بيَّن جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه غني عن خلقه، وأن خلقه مفتقرون إليه؛ أي: فهو يأمرهم وينهاهم لا لينتفع بطاعتهم، ولا ليدفع الضر بمعصيتهم، بل النفع في ذلك كله لهم، وهو جل وعلا الغني لذاته الغنى المطلق"[1].
لقد ذلَّ كل شيءٍ لخالقه - سبحانه- وأسلمَ طوعًا وكرهًا، أما أهل الإيمان فقد استسلموا له وانقادوا لأوامره بظواهرهم وبواطنهم طوعًا، وأما أهل الكفر والجحود والنكران، فقد استسلموا له كرهًا قهرًا وغلبة؛ كما قال – سبحانه -: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [آل عمران: 83].
وكما قال - سبحانه -: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11].
فالكون كله خاضعٌ لعبودية الله الواحد القهار لا ينفك أحد من خلقه عن عبوديته قهرًا وغلبة، والكون بأسره خاشعٌ خاضع لكبريائه وعظمته؛ إذ هو مشغولٌ بخضوعه وذله لربِّه، ولذا ترى الكون كله معظِّمًا له ساجدًا خاشعًا مسبحًا، منزهًا لربه جل في علاه.
ومع ذلك كله ترى جحود الإنسان هذا المخلوق الضعيف، بل هو من أضعف المخلوقات وأفقرها إلى ربها، تراه معرضًا عمن لا غنى له عن فضله ورحمته طرفة عين، ولا أصغر من ذلك، مُعَرِّضًا بذلك نفسه الضعيفة لسخط جبار السماوات والأرض، ومقته وغضبه وعذابه وأليم عقابه.
ومن شواهد غنى الرب عن خلقه وفقرهم التام إليه جل في علاه: قوله سبحانه في الحديث القدسي: «يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي، فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا»[2].
ومع فقر الإنسان ترى الكون من حوله كله قد دانَ لله تسبيحًا وتعظيمًا وإجلالًا، أرضه وسمائه، وحشه وطيره، كل الكائنات تُصلِّي لله وتخضع.
[1] أضواء البيان: (6/ 276).
[2] رواه مسلم (2577) من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه.
______________________________________________________
الكاتب: الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي