في السحر ثلاث عبادات
أولًا: أَكْلَة السحر - ثانيًا: الاستغفار - ثالثًا: الدعاء.
- التصنيفات: - آفاق الشريعة -
أيها المسلم الكريم، السَّحَر هو آخر الليل، وهو وقت مبارك، وفيه فضائل عظيمة حثت عليها الشريعة الإسلامية، ولأهميته كان النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام رضي الله عنهم ، والصالحون من هذه الأمة يستغلونه بعبادة الله عز وجل، ومن هذه العبادات العظيمة في وقت السحر وخاصة في رمضان:
أولًا: أَكْلَة السحر: السَّحُور هو طعامُ السَّحَرِ وشرابُه، وسمي سَحُورًا؛ لأنه يُؤْكَلُ في وقت السَّحَر، وهو آخـر الليل[1]، قَالَ رَسُـولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :«تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً» [2]، وقـوله صلى الله عليه وسلم : «فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَكْلَةُ السَّحَرِ» [3]، والعلة من جعل أَكْلَة السحر بركة؛ لأنه يقوي الصائم على عبادة الصيام، ويسهلها عليه.
قال الإمام النووي (رحمه الله): "فِيهِ الْحَثُّ عَلَى السَّحُورِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَأَمَّا الْبَرَكَةُ الَّتِي فِيهِ فَظَاهِرَةٌ لِأَنَّهُ يُقَوِّي عَلَى الصِّيَامِ وَيُنَشِّطُ لَهُ وَتَحْصُلُ بِسَبَبِهِ الرَّغْبَةُ فِي الِازْدِيَادِ مِنَ الصِّيَامِ لِخِفَّةِ الْمَشَقَّةِ فِيهِ عَلَى الْمُتَسَحِّرِ فَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمُعْتَمَدُ فِي مَعْنَاهُ"[4].
فأَكْلَة السحر عبادة، وإحياء لسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، ومخالفة لأهل الكتاب، وتقوية لبدن الصائم على عبادة الصيام.
ثانيًا الاستغفار: إن وقت السَّحَر من أوقات نُزُل المولى عز وجل، وفتحه أبواب الرحمة والجود والعطاء على وجه أكبر وأعظم، ولذلك قال تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 16]، قال ابن كثير (رحمه الله) في تفسيره لهذه الآية: "دل على فضيلة الاستغفار وقت الأسحار، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ يَعْقُوبَ عليه السلام، لَمَّا قَالَ لِبَنِيهِ {قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يوسف: 98]، أَنَّهُ أَخَّرَهُمْ إِلَى وَقْتِ السَّحَرِ"[5].
فهذه إشارة من نبي لله يعقوب عليه السلام أن يوجه اهتمام أبنائه إلى هذه الساعة العظيمة مقابل ذنبهم العظيم، وقال نافع عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه : (أَنَّهُ كَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ صَلَاةً )، ثُمَّ يَقُولُ: ( يَا نَافِعُ أَسْحَرْنَا؟) - أي هل دخل وقت السحر - فَيَقُولُ: لَا، (فَيُعَاوِدُ الصَّلَاةَ)، ثُمَّ يَقُولُ: ( يَا نَافِعُ أَسْحَرْنَا؟) فَأَقُولُ: نَعَمْ ( فَيَقْعُدُ فَيَسْتَغْفِرُ وَيَدْعُو حَتَّى يُصْبِحَ)[6].
قال سفيان الثوري (رحمه الله): "إنَّ لله ريحًا يقال لها: الصبَّحية تهب وقت الأسحار تحمل الأذكار والاستغفار إلى الملك الجبَّار"[7].
ثالثًا: الدعاء: فربنا جل جلاله يتجلى على عباده وقت السَّحَر بالغفران، وإجابة الدعاء، فلا يُرَدُ فيه سائل، ولا يُخَيَّبُ فيه آمل، وقد سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله، أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟ قال صلى الله عليه وسلم : «جَوْفَ اللَّيْلِ الآخِرِ، وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ المَكْتُوبَاتِ»[8].
فيا أخي الحبيب، اغتنم وقت السحر؛ حيث الناس نيام يغطون في سبات عميق ونوم ثقيل، فقف أنت أمام الله، تذلَّل، وتضرَّع، واسأله الرحمة والغفران، والقبول وحسن المآل، فهو غفَّار الذنوب، ستار العيوب، جابر العثرات، لا يرد سائله سبحانه.
نسأل الله تعالى لنا ولكم الحفظ، والسلامة، والعافية من كل داء، وحسن الختام، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] ينظر: لسان العرب لابن منظور: (4/ 351).
[2] صحيح البخاري، كتاب الصوم- باب بركة السحور من غير إيجاب: (3/ 37)، (1923)، وصحيح مسلم، كتاب الصيام- بَابُ فَضْلِ السُّحُورِ وَتَأْكِيدِ اسْتِحْبَابِهِ، وَاسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِهِ وَتَعْجِيلِ الْفِطْرِ:(2/ 770)، برقم (1095).
[3] صحيح مسلم، كتاب الصيام- بَابُ فَضْلِ السُّحُورِ وَتَأْكِيدِ اسْتِحْبَابِهِ...: (2/ 770)، برقم (1096).
[4] شرح النووي على صحيح مسلم (7/ 206).
[5] ينظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير: (2/23).
[6] المعجم الكبير للطبراني: (12/ 260) برقم (13043).
[7] الكشف والبيان عن تفسير القرآن للثعلبي: (3/ 31).
[8] سنن الترمذي، أَبْوَابُ الدَّعَوَاتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (5/ 526)، برقم (3499)، قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.