رمضان.. بوابة السعادة الأسرية
لابد للزوجين من برنامج لتطهير النفس، وذلك بالصيام الحقيقي، صيام العين والأذن والقلب والروح، ذلك الصوم الذي يفتح لهما صفحة جديدة من العلاقات الزوجية الإنسانية الراقية، حيث ينتقلان من عالم الشهوات إلى عالم الروحانيات
الزوجة والزوج.. ذلك الجسد الواحد والنفس الواحدة، والنبض المشترك، والروح الساكنة في ظل المودة والرحمة، عندما يفوح أريج رمضان ما عساهما أن يفعلا لينهلا من عذب أنهاره، ويطعما من طيب ثماره، وينالا جنة الله ورضوانه.. وفي الوقت ذاته يقاومان فتن الحياة وهمومها، ويطفئان لهيب المشكلات وشررها؛ معًا نحلق في سماء الأزواج في رمضان؛ بحثًا عن الإجابة في تحقيقنا:
حياة الطاعة:
عزيزة البنا «ربة منزل»: أتعاون أنا وزوجي على البر والتقوى في رمضان، ونكون قدوة لأبنائنا، حيث نجتمع في صلاة التراويح في مسجد يتوافر فيه الخشوع والسكينة، فنجد السعادة معًا في بيت الله، كذلك نتعاون بحب في فعل الخيرات وصلة الأرحام، والإنفاق والابتهال والدعاء، وتدبر القرآن، ونستشعر معًا قيمة الصيام والاعتكاف، ونضع برنامجًا لنا وللأهل والجيران.
هبة عبد المنعم «مدرسة تربية فنية»: إنه حقًا شيء رائع، أن يجتمع الزوجان على عمل برنامج رمضاني لهما أولاً، ولغيرهما ثانيًا، وقد حدث ذلك بيننا بالفعل في العام الماضي، حيث كان من أسعد الشهور الرمضانية التي مرت عليَّ، حيث كان لي ولزوجي برنامج عبادي مشترك خاص بنا، وجلسات إيمانية نتضرع فيها إلى الله بالدعاء، وقد دعوت الله بدعاء كان في استجابته حل لمشكلة أسرية بيننا، وعلو لإيماننا، وارتباط قلوبنا، وزيادة ودنا، ولله الحمد والمنة.
مشكلات حتى في رمضان:
هند محمد «ربة منزل»: لا نستطيع أنا وزوجي منع مشكلاتنا في رمضان، نظرًا لاختلافنا في الآراء والطباع، وقد ذهبنا للعمرة لعامين متتاليين، ولكن دون جدوى.
ربيعة علي «ربة منزل»: الضغوط كثيرة عليَّ من زوجي وأهله، وأنا عصبية جدًا ودائمة الانفعال، فكثيرًا ما أسب وأهجر زوجي وأقاطعه خلال رمضان وبعده، فأرجو من الله الهداية.
هكذا يمضي رمضان:
أسماء حمدي «ربة منزل»: نتقرب إلى الله كثيرًا أنا وزوجي في رمضان، ويكون بيننا أعمال مشتركة من الطاعات، ونجتمع أحيانًا لمشاهدة بعض البرامج الدينية المعدة لهذا الشهر، أتمنى - هذا العام - أن أحفظ كتاب الله، وألا يضيع وقتي فيما لا يفيد.
الحاجة نبيلة «هيئة النقل والمواصلات»: نحن نعيش كغيرنا في رمضان، بين العمل والعودة لإعداد الإفطار، ثم الإفطار، ومشاهدة التلفاز، وبالطبع هناك تلاوة القرآن، ونحرص على ختم القرآن في رمضان، لكن لا نصلي التراويح في المسجد؛ لأن زوجي لا يحب ذلك، فأصليها أنا وابنتي في المنزل، ولا يوجد برنامج مشترك بيني وبين زوجي في أي أمور عبادية في رمضان، فمشاهدة التلفاز تلتهم الوقت حتى وقت متأخر.
زوجي قدوة:
دينا كامل «طبيبة»: نحرص في رمضان على تواجدنا معًا كأسرة، وزوجي يمثل لي القدوة دون أن يتحدث، فكلامه قليل وفعله نموذج يحتذى به، ويقتصر عمله معي على التذكير والاطمئنان على حالي مع الله، وصلاتي، وتلاوتي لكتاب الله، ونجد في رمضان سعادة بهذه العبادة المشتركة وسكينة تملأ قلوبنا ولا تجد المشكلات في ظل عبادتنا سبيلاً إلينا في رمضان ولا بعده، فكل منا يسعى لأن يعامل صاحبه بما يرضي الله.
طارق عبد الله «طبيب»: أرى أن لزوجتي الحق في العبادة نفسه التي أتمتع بها في رمضان لذلك فأنا أصلي نصف التراويح في المسجد، ثم أعود لتكمل هي الأربع ركعات الأخريات، وأرعى الأبناء حتى تعود، وهكذا نستشعر السعادة الإيمانية والأسرية.
يقدم لنا د. علي سليمان - أستاذ علم النفس الإرشادي بجامعة القاهرة - نموذجًا تطبيقيًا للتعاون الزوجي المشترك في رمضان، فيقول: رمضان يتميز بروحانية خاصة؛ لأنه شهر مفضل على سائر الشهور، ففيه تقيد الشياطين، وتفتح أبواب الجنة، ويضاعف الأجر، ويصبح الصوم جُنة من كافة أعراض الدنيا، حيث تصوم الجوارح كلها عن الحلال، فكيف بالحرام!!!
ومن ثم فلابد للزوجين من برنامج لتطهير النفس، وذلك بالصيام الحقيقي، صيام العين والأذن والقلب والروح، ذلك الصوم الذي يفتح لهما صفحة جديدة من العلاقات الزوجية الإنسانية الراقية، حيث ينتقلان من عالم الشهوات إلى عالم الروحانيات، الذي كلما اقتربا منه تطهرت نفساهما، فابتعدت المشكلات، وتضاءل حجمها لانشغالهما بما هو أسمى، من إطعام الطعام للفقراء من الأقرباء والمساكين من المسلمين، وصلة الأرحام، وإفطار الصائم على التمر والماء، ورعاية الأيتام، وإدخال السرور على قلوبهم وإشعارهم بأننا آباء لهم مكان آبائهم، وكذلك كبار السن الذين نحاول أنا وزوجتي رسم البسمة على شفاههم، تلك الفرحة التي نراها على وجوههم تنتقل إلينا فتسعدنا، فإذا سعينا في حل مشكلات الآخرين المادية والمعنوية، عولجت مشكلاتنا، ذلك لأننا لا نريد بذلك إلا وجه الله وإرضاءه، فكان حقًا على الله أن يرضينا.
غرس رمضان.. وسعادة الزوجين
وكذلك؛ فإن رمضان يؤسس فينا مبدأ الشورى، كما يوجد لدينا استعدادًا للتسامح والعفو والمغفرة، ورد السيئة بالحسنة، وهو يربي فينا القناعة وعدم الإسراف اللذان يؤديان إلى العديد من المشكلات بين الأزواج، حيث يستدين الكثيرون لرد الدعوات والإنفاق عليها، ويباهون ويتفاخرون بذلك، مع أنه يكفينا في إفطارنا التمر والماء لنتمكن من العبادة والطاعة وعمل الخير الذي يعمق الحب بين الزوجين ويطهر النفس فتزول الهموم والمشكلات.
ولو حدث خلاف بيني وبين زوجتي قلت: إني صائم، فتخجل هي من نفسها وتنتهي كثير من المشكلات دون تطورها، فلابد من أسلوب إنساني للتفاهم، ولابد من سلوك إيجابي وخلق سامٍ لكلا الزوجين يحل كل الخلافات؛ حتى يكون صومنا خالصًا لوجه الله تعالى.
تناسب طردي:
ويضيف د. علي سليمان: إن حياة الطاعة هي حياة السعادة ولن تتحقق السعادة مطلقًا بعيدًا عن الله، والسعادة بين الزوجين والود والسكينة تنعكس آثارها على الآخرين، حيث تفيض سعادة الزوجين على الغير، وكلما أسعد الآخرين طاعة لله انعكست سعادتهم على الأسرة كلها وقَلَّتْ مشكلاتها، فالعلاقة بين عادتهما الزوجية الإيمانية وبين إسعاد الآخرين علاقة طردية.
وكل ذلك ينعكس على أبنائنا، حيث لا نحتاج إلى إسداء الكثير من النصائح، بل يكفي السلوك الإيجابي، بحيث نكون نموذجًا لأبنائنا.
______________________________________________________
اسم الكاتب: نادية عدلي