عـلـم الخشـوع

منذ 2023-04-01

ومن تعظيم أمر الصلاة أن يتخذ المرء ( مسجداً صغيراً في بيته ) كأن يخصص مكاناً هادئا ليصلي فيه بعيداً عن الملهيات فيختلي بربه عز وجل لتكون الصلاة صلاة خاشعة..

عن أبي الدرداء قال: (( كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَخَصَ بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ قَالَ «هَذَا أَوَانُ يُخْتَلَسُ الْعِـلْـمُ مِنْ النَّاسِ حَتَّى لَا يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ»، فَقَالَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يُخْتَلَسُ مِنَّا وَقَدْ قَرَأْنَا الْقُرْآنَ فَوَاللَّهِ لَنَقْرَأَنَّهُ وَلَنُقْرِئَنَّهُ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا فَقَالَ «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا زِيَادُ إِنْ كُنْتُ لَأَعُدُّكَ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ هَذِهِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ عِنْدَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَمَاذَا يُغْنِي عَنْهُمْ».

قال: جبير فلقيت عبادة بن الصامت قلت: ألا تسمع إلى ما يقول أخوك أبو الدرداء، فأخبرته بالذي قاله أبو الدرداء قال: "صدق أبو الدرداء إن شئت لأحدثنك بأول علم يرفع من الناس، الخـشـوع يوشك أن تدخل مسجد جماعة فلا ترى فيه رجلا خـاشـعا " سنن الترمذي - قال الشيخ الألباني: صحيح. 

قال الإمام ابن رجب الحنبلي – رحمه الله -: (.. وإنما قال عبادة هذا لأن العلم قسمان: 

أحدهما / ما كان ثمرته في قلب الإنسان وهو العلم بالله تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله المقتضي لخشيته ومهابته وإجلاله والخضوع له ومحبته ورجائه ودعائه والتوكل عليه ونحو ذلك فهذا هو العلم النافع، كما قال ابن مسعود: إن أقواما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع. 
وقال الحسن: العلم علمان: علم على اللسان فذاك حجة الله على ابن آدم كما في الحديث «القرآن حجة لك أو عليك»، وعلم في القلب فذاك العلم النافع.

والقسم الثاني / العلم الذي على اللسان وهو حجة لك أو عليك، فأول ما يرفع من العلم، العلم النافع وهو الباطن الذي يخالط القلوب ويصلحها، ويبقي علم اللسان حجة فيتهاون الناس به ولا يعملون بمقتضاه لا حملته ولا غيرهم، ثم يذهب هذا العلم بذهاب حملته فلا يبقي إلا القرآن في المصاحف وليس ثم من يعلم معانيه ولا حدوده ولا أحكامه ثم يسري به في آخر الزمان فلا يبقي في المصاحف ولا في القلوب منه شيء بالكلية وبعد ذلك تقوم الساعة... ) جامع العلوم والحكم.  

فتأمل كيف ركز الصحابة على القضايا النوعية لا الكمية، فالخشوع أمر نوعي لا كمي، جوهري لا شكلي !

إن أول خطوة في مواجهة الفتن، وأول درجة في السلم هي بتحقيق معنى " عـلم الخشـوع " 
وأهم مجالات علم الخشوع، وأول لقاحات التحصين من الفتن ( الخشـوع في الصـلاة ).

فلنجعل من الصلاة وتصحيح خشوعها (مقياسا لنا في ذلك)
ولا يقصد بالخشوع سكون الأطراف؛ إنما خشوع القلب، وصفاء العقل، وسكينة النفس

فمن لم يلتذ بصلاته فالظن أنه لم يخشع فيها وإذا كانت صلاة المرء لا تنهه عن الفحش والمنكر، وسائر المناهي الشرعية فهي ليست بصلاة خاشعة.

والعجب كل العجب لمن يصلي وهاتفه بجانبه يصدح، وابنه أمامه يعبث، وبعد ذلك يشتكي من الكآبة، ومشكلات الدنيا ولو خشع لعرف لـذة تمسـح عن نفسه كآبات الدنيا كلها.

ومن تعظيم أمر الصلاة أن يتخذ المرء ( مسجداً صغيراً في بيته ) كأن يخصص مكاناً هادئا ليصلي فيه بعيداً عن الملهيات فيختلي بربه عز وجل لتكون الصلاة صلاة خاشعة، ويعينك الله على الخشوع فيها فكما أن الإنسان تقع منه ذنوب في الخلوات فإن الله عز وجل يحب الحسنات في الخلوات كذلك...

خالد بن منصور الدريس

أستاذ مشارك قسم الحديث في قسم الدراسات الإسلامية في جامعة الملك سعود بالرياض. ومدير موقع تعليم التفكير من منظور إسلامي

  • 4
  • 0
  • 1,459

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً