من عوائق الهداية
البدع أعظمُ ذنبًا عند الله من كبائر الذنوب، فصاحب الكبيرة يعلم بحُرمتها، ويجد للمعصية ندمًا في قلبهِ، ولا زال إيمانهُ يحدوهُ حتى يقلع عن هذه الذنوب والمعاصي، أمَّا صاحب البدعة، فهو يرى مشروعية هذه البدعة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6]، فمن عوائق الهداية إلى الصراط المستقيم البدع، عبادةٌ يتقرَّب بها العابد لله - جَلَّ وَعَلَا - بما لم يشرعهُ، فأي ضلال وخسران لمَنْ جانب القرآن حبل الله المتين، ونورهُ المبين، مَنْ تمسك بهِ رفعهُ الله، ومَنْ ابتغى الهدى من غيرهِ أضلهُ الله، ومَنْ تركهُ من جبارٍ قصمهُ الله.
ما من عبادةٍ نتقرَّب بها إلى الله - جَلَّ وَعَلَا - إلا ويشترط فيها شرط الإخلاص لله وحدهُ لا شريك، {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162-163].
الشرط الثاني: هو متابعة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يعني لا بد أنْ يكون هذا العمل الصالح اَلذِي أخصلنا فيهِ لله، لا بد أنْ يكون موافقًا للنبي -صلى الله عليه وسلم- في عبادتهِ.
فمَنْ وافق ما جاء بهِ النبيّ - عَلَيْهِ اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فهو عملٌ مقبول، ومَنْ خالف سُنة النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو مبتدع وعملهُ مردود؛ كما قال - صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هذا مَا لَيْسَ مِنْهُ، فَهُو رَدٌّ»[1]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ عمل عملًا ليس عليهِ أمرنا، فهو رَدٌّ» [2].
هذا الحديث أصلٌ في رد كل المحدثات والبدع والأوضاع المخالفة للشرع، وإذا أردنا أنْ نحرر مسألة البدعة ونعرفها باختصار مفيد، فهي إحداثٌ في الدينِ بما لم يثبت في كتاب الله ولا سُنَّة رسول الله صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعلى هذا: فالبدع أعظمُ ذنبًا عند الله من كبائر الذنوب، فصاحب الكبيرة يعلم بحُرمتها، ويجد للمعصية ندمًا في قلبهِ، ولا زال إيمانهُ يحدوهُ حتى يقلع عن هذه الذنوب والمعاصي، أمَّا صاحب البدعة، فهو يرى مشروعية هذه البدعة، وأنها من الأعمال الصالحة اَلتِي يهتدي بها إلى صراط الله المستقيم، فلا يجد لها ندمًا في قلبهِ، بل يدعو الله - جَلَّ وَعَلَا - في ليلهِ ونهارهِ أنْ يميته الله على هذا العمل الصالح اَلذِي رآهُ أنهُ صالح وهو ليس كذلك، ولرُبما مات من أجلها ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فمَنْ كان كذلك كيف يُهدَى إلى صراط الله المستقيم؟
مَنْ ينظر إلى واقع المسلمين اليوم يرَ بدعًا لا يرضاها الله ولا رسولهُ، ولا يُقرها مسلمٌ عاقل يؤمن بالله واليوم الآخر، لقد روَّجوا تلك البدع في أوساط الناس، حتى قامت وكأنها سُنن، {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} [فاطر:8].
قال ابن مسعود: "اتبعوا ولا تبتدعوا، فقد كُفيتم"، وهذا عبدالله بن عمر يقول: "كل بدعةٍ ضلالة، وإنْ رآها الناس حسنة".
قال الإمام مالك رَحِمَهُ اَللَّهُ: (مَنْ ابتدع في الإسلام بدعة رآها حسنةً، فقد زعم أنَّ محمدًا قد خان الرسالة)؛ لأنَّ الله - جَلَّ وَعَلَا - يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:3].
اللهم وفِّقنا للتمسك بسُنة نبيك -صلى الله عليه وسلم- وجنِّبنا البدع والفتن ما ظهر منها وما بطن، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.
[1] صحيح.
[2] صحيح.
___________________________________________
الكاتب: محمد بن سند الزهراني
- التصنيف: