ثواب الإفطار
روي في الحديث الشريف: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر»، فقال: «إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإنه بركة، فمن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور».
- التصنيفات: فقه الصيام - ملفات شهر رمضان -
روي في الأثر أحب عبادي إلي أعجلهم فطرًا، ويقول الرسول في حديث شريف: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر».
ولذلك فإن أنسًا قال: ما رأيت رسول الله -صلَّى الله عليه وسَلَّم- قط صلى صلاة المغرب حتى يفطر ولو على شربة من ماء.
ويقول أنس بن مالك أيضًا: كان رسول الله -صلَّى الله عليه وسَلَّم- يفطر على رطبات قبل أن يصلى، فإن لم تكن فعلى تمرات، فإن لم تكن حَسَا حَسَواتٍ من الماء.
فأول الأفعـال المستحبة في الإفطار بعد الصوم هي: التعجيل به ولو بشربة ماء، وإن كان يستحب الإفطار على شيء حلو كما فعل الرسول وأمرنا أن نفعل، واستحب أن يكون ذلك الشيء الحلو هو التمر، فقال: «إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإنه بركة، فمن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور».
وأحب التمر عن الرسول العجوة.
أما لماذا التمر بالذات؟ فعلاوة على أنه الطعام المفضل في المدينة وعند أهل البادية، فإن التمر مفيد لتنبيه المعدة للطعام، ومفيد لتقوية العيون، كما يقول طبيب العيون د. نجيب عبد السلام: إن الحلوى للصائم تفيد العيون، وبخاصة العيون المريضة.
ومع التمر يحسن شرب الماء؛ لأن الكبد يحصل لها بالصوم نوع من اليبس، فإذا رطبت بالماء كمل انتفاعها بالغذاء بعده، ولهذا كان الأولى للظمآن الجائع أن يبدأ قبل الأكل بشرب قليل من الماء، وللتمر والماء تأثير مفيد أيضًا للقلب، ويفضل أن يَفصِل بين الطعام وبين أكل التمر وشرب الماء بضعُ دقائق لصلاة المغرب كما كان الرسول - صلَّى الله عليه وسَلَّم - يفعل، وذلك لفائدته الصحية حتى ينتفع الصائم بما يتناوله بعد ذلك من طعام كما يقول الدكتور أنور المفتى: إن الأمعاء تمتص الماء المحلى بالسكر في أقل من خمس دقائق فيرتوي الجسم وتزول أعراض نقص السكر والماء فيه، في حين إن الصائم الذي يملأ معدته مباشرة بالطعام والشراب يحتاج إلى ثلاث أو أربع ساعات حتى تمتص أمعاؤه ما يكون في إفطاره من سكر (أي مادة سكرية من تمر أو ما يتيسر من غيره)، وعلى هذا يبقى عنده أعراض ذلك النقص، ويكون حتى بعد أن يشبع كمن لا يزال يواصل صومه.
فاتباع سنة الرسول في إفطاره يجعل الإفطار صحيًّا يستفيد منه الجسم، وبعد أن ينتهي المسلم من صيامه يقول ما روي في الأثر: اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت، وبك آمنت، وعليك توكلت، ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر، يا واسع الفضل اغفر لي، الحمد لله الذي أعانني فصمت ورزقني فأفطرت.
ومعلوم أن الإفطار لا يكون إلا على الحلال كسبًا وشرعًا، فيحرم مثلا أن يفطر أحد على مسكر كخمر.
ويحث الرسول على المسارعة في الكرم، وإن كان مستحبًّا في كل وقت، إلا أنه أكثر استحبابًا في رمضان، كما كان الرسول جوادًا، وهو رمضان أجود من الريح المرسلة.
* يقول -صلَّى الله عليه وسَلَّم-: «مَنْ فطَّر صائمًا؛ فله أجره، من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء».
* ويروى عنه: «مَنْ أشبع صائمًا؛ سقاه الله من حوضي شربةً لا يظمأ منها حتى يدخل الجنة».
* ويروى عنه «مَنْ فطَّر صائمًا على طعام أو شرابٍ من حلال؛ صلَّت عليه الملائكة في ساعات شهر رمضان، وصلَّى عليه جبريل ليلة القدر»؛ رواه الطبراني.
وعن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلَّى الله عليه وسَلَّم- جاء إلى سعد بن عبادة -رضي الله عنه-، فجاء بخبز وزيت فأكل، ثم قال النبي -صلَّى الله عليه وسَلَّم-: «أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلَّت عليكم الملائكة»؛ (رواه أبو داود).
بل حتى الصائم في غير رمضان لو أكل عنده غير الصائم فله أجره.
روي عن أم عمارة الأنصارية رضي الله عنها أن النبي -صلَّى الله عليه وسَلَّم- دخل عليها فقدمت إليه طعامًا، فقال: ((كلي))، فقالت: إنى صائمة، فقال رسول الله -صلَّى الله عليه وسَلَّم-: «إن الصائم تصلِّي عليه الملائكة إذا أُكِل - بضم الألف - عنده حتى يفرغوا»؛ (رواه الترمذي).
ويبدو أن أهل الغنى واليسار في العصر الإسلامي الطولوني قد عرفوا ثواب من فطر صائمًا، لدرجة أنهم كانوا يبعثون بخدمهم لجمع الناس من الشوارع ليتناولوا عندهم طعام الإفطار، ومن يرفض أو يعتذر يضرب ويحمل بالقوة.
وقد تعددت وسائل الإعلام عن موعد الإفطار في مختلف دول العالم الإسلامي، إما بإضاءة أنوار المآذن، أو بالأذان نفسه، وأخيرًا عرف المدفع الذي انتشر وشاع.
وكان إطلاق مدفع الإفطار في رمضان لأول مرة منذ أكثر من خمسة قرون في عهد المماليك.
فعند غروب شمس أول يوم من رمضان سنة (865 هجرية) أراد السلطان المملوكي (خشقدم) أن يجرب مدفعًا جديدًا وصل إليه، وقد صادف إطلاق المدفع وقت المغرب بالضبط، فكان سرور الناس عظيمًا، وقد ظنوا أن السلطان تعمد إطلاق المدفع لتنبيه الصائمين أن موعد الإفطار قد حان، فخرجت جموع أهالي القاهرة إلى بيت القاضي (الذي كان مقرًّا للحكم آنذاك)، لشكر السلطان على ذلك، مع أنه لم يقصده، فقد جاء مصادفة، ولكنه لما رأى مدى سرور الناس قرر المضي في إطلاق المدفع كل يوم إيذانًا بالإفطار، كما زاد على ذلك مدفع السحور والإمساك، وأصبحت عادة إطلاق مدفع الإفطار مستمرة إلى يومنا هذا، وتطورت لتشمل مختلف المناسبات الدينية والقومية والأعياد.
____________________________________________________________
الكاتب: محمود كامل