فيديو قطة الشيخ مهساس وقوة الهواتف الذكية
ستظل قصة الشيخ الجزائري والقطة اللطيفة حديث الناس فترة من الزمن حتى تأتي قصة أخرى مشابهة تؤكد أن المحتوى الجيد يفرض نفسه على الرأي العام العالمي
شاهد مئات الملايين في قارات العالم فيديو الشيخ الجزائري وليد مهساس وهو يتعامل بلطف ورفق مع قطة صعدت على كتفه أثناء صلاة التروايح، وجاء المشهد العفوي ليدخل السرور على النفوس التي أرهقتها القيم المادية والأنانية والأزمات والحروب فأصبحت متعطشة إلى مشهد يعيد الإنسان إلى إنسانيته، ويذكر البشرية بالرحمة المفقودة.
الفيديو لم يكن يحتاج إلى شرح، فقد شاهده جمهور كبير من كل أنحاء العالم، مسلمون وغير مسلمين، فوسائل الإعلام في الغرب والشرق بثت الفيديو على نطاق واسع، وضجت وسائل التواصل الاجتماعي بالمشهد في حالة احتفاء نادر قلما نراها في حدث سياسي أو اجتماعي على النحو الذي شاهدناه.
الذي أثار الإعجاب العالمي أن الشيخ مهساس الذي يرتل القرآن برواية ورش ظل يواصل القراءة بكل اطمئنان وثبات، فلم يرتبك وظل يربت بحنان على ظهر القطة حتى استقرت في أمان على كتفه، والأعجب أن القطة بادلت الحنان بحركات توحي بالفرح والسعادة، وبدت وكأنها طبعت قبلة على خد الإمام قبل أن تتركه ليركع ويتم صلاته.
حتى الآيات التي تليت في الفيديو تبدو وكأنها تليت خصيصا ليسمعها كل أولئك الذي يحاربون الإسلام هذه الأيام وينفقون المليارات لمحاربة الإيمان بالله، وقد عكست تعليقات المسلمين على مواقع التواصل هذا المعنى، فالشيخ مهساس كان يتلو آيات من سورة الأنعام بدأت بقوله تعالى {{فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} } وانتهت بقوله تعالى {{إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ، قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ۖ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِين}} .
من جمال المشهد فإن من رأى الفيديو لا يكتفي بالمشاهدة مرة واحدة بل يشاهده أكثر من مرة، فحركة القطة الذكية شدت انتباه المشاهدين من كل الأعمار، وقد دفع الإعجاب كثيرين إلى تفسيرات وتأويلات شتى.
جرعة من السعادة:
الشيخ وليد مهساس إمام مسجد أبو بكر بولاية البرج شرق العاصمة الجزائرية، له مصحف مرتل على يوتيوب ومنشور على الكثير من الصفحات الإسلامية، وقد اعتاد بثّ صلاة التراويح وخطب الجمعة والدروس في صفحته على الفيسبوك.
رغم شهرته التي بلغت الآفاق بين ليلة وضحاها، فضل الشيخ مهساس الصمت وعدم الاستجابة لوسائل الإعلام التي حاولت الاتصال به، وبكل تواضع خرج في تسجيل على صفحته قال فيه “إن المشهد عفوي وأريد أن يظل عفويا” أي أنه لا يحب الظهور والأضواء، مما زاده احتراما ومكانة فضلًا عن كونه حافظًا وقارئًا ومعلمًا للقرآن الكريم.
كان انتشار فيديو الشيخ مهساس والقطة بهذه السرعة مفاجئًا للكثيرين، وقد حاول بعض الكارهين للدين التقليل من حجم التأثير ولكن جهودهم تبخرت أمام موجة السعادة والانبهار ولم يعرهم أحد اهتماما، ومن ناحية أخرى انشغل كثيرون بالبحث عن السر في شهرة هذا الحدث بهذه الطريقة المدوية وتسخير طيف عالمي واسع من المنابر للدعاية له رغم عمق ووضوح الرسالة التي يقدمها.
بالتأكيد يأتي التوفيق الرباني لمشهد بسيط كهذا ليبدد جهود سنوات من شياطين الإنس والجن لتشويه صورة المسلم المتدين، وظهور القطة كان مجرد سبب لتقديم الشيخ الملتحي الذي يتشبه بهيئة الرسول صلى الله عليه وسلم بصورة إيجابية في وقت تركز فيه المسلسلات وأفلام السينما على تشويهه وشيطنته.
قوة الهواتف الجوالة ومواقع التواصل:
من أهم ما كشف عنه ذيوع فيديو القطة والشيخ الجزائري وهو في حالة خشوع مع القرآن أن القوة الجديدة التي تمثلها الهواتف الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي فوق التصور، فهي التطور الأكثر تأثيرا في العالم اليوم، فالموبايل أصبح جزءًا من حياة الإنسان لا يستطيع الاستغناء عنه في يقظته ونومه، فهو وسيلة التواصل مع الأهل والأصدقاء والمجتمع المحلي والعالم الخارجي، وهو أداته في العمل والثقافة وممارسة الهواية، كما أنه وسيلته اللصيقة للحصول على المعرفة والمعلومات.
لقد انتهت سيطرة الحكومات والاحتكارات العالمية على العقول، وبسبب القفزات الهائلة في الإنترنت والهواتف والأجهزة اللوحية حدث انفجار معرفي زاد من وعي الشعوب وحررها من وسائل التوجيه التقليدية، وهذا التطور التقني يؤدي دورا حيويا في السنوات الأخيرة ليهدم الكثير من السياسات والتصورات النمطية ويعيد تشكيل العالم.
يبلغ عدد من يملكون هواتف ذكية 5.44 مليارات شخص في بداية عام 2023 أي بنسبة 68% من سكان العالم الذين يبلغون 8.1 مليارات نسمة، ويبلغ عدد من يستخدمون الإنترنت 5.16 مليارات أي بنسبة 64.4%، ويبلغ عدد من يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي نحو 4.76 مليارات (المصدر: Datareportal).
يستخدم كل من يمتلك الهاتف الذكي واحدا أو أكثر من مواقع التواصل التي أصبحت جزءا من ترتيبات الحياة اليومية، فعدد مستخدمي الفيسبوك يبلغ 2.958 مليار أي حوالي 37% من سكان العالم، ويبلغ مستخدمو يوتيوب 2.514 مليار، والواتس 2 مليار، وإنستغرام 2 مليار، وويب شات 1.09 مليار، وتيك توك 1.051 مليار، وماسنجر الفيس 931 مليونا، وتليغرام 700 مليون، وسناب شات 635 مليونا، وتويتر 556 مليونا.
وتشير الدراسات إلى أن المعدل اليومي لاستخدام الهاتف هو 5 ساعات يوميا، فإذا كان متوسط نوم الإنسان 8 ساعات يوميا فهذا يعني أن 30% من حياتنا في اليقظة نعيشها مع الهاتف للاتصال بالأصدقاء، ومتابعة الأخبار والأحداث الجارية ومشاهدة الفيديوهات، ولم يعد المستخدمون متلقين فقط وإنما يشاركون في نشر المحتوى بالإعجاب والمشاركة والتعليق.
لقد أصبح الموبايل قوة حقيقية لا يستهان بها، ولهذا تدور المنافسة الجادة على من يكسب الجمهور بنشر الحقائق وتبني القضايا التي تحظى بالاهتمام، ولكن تظل الحقيقة والمعلومات الصحيحة هي التي يبحث عنها الجمهور، ولهذا تسقط كل المنابر التي تنشر الأكاذيب ويهجرها الناس.
ستظل قصة الشيخ الجزائري والقطة اللطيفة حديث الناس فترة من الزمن حتى تأتي قصة أخرى مشابهة تؤكد أن المحتوى الجيد يفرض نفسه على الرأي العام العالمي الذي يتعطش إلى ما يعيده إلى إنسانيته ويذكره بالجانب المضيء في الكون الذي كاد يختفي بسبب العدوانية والأنانية والمادية التي أفسدت علينا حياتنا.
المصدر : الجزيرة مباشر
صحفي وكاتب مصري، شغل موقع مساعد رئيس تحرير جريدة الشعب، ورئيس تحرير الشعب الالكترونية.
- التصنيف: