في تفطير الصائم
قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: «مَن فطَّر صائمًا كان له مثل أجره، غيرَ أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئًا».
عن زيد بن خالد - رضي الله عنه - قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: «مَن فطَّر صائمًا كان له مثل أجره، غيرَ أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئًا»[1]؛ رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
الحديث دليل على فضل تفطير الصائم، وأن في ذلك أجرًا عظيمًا، وهو مثل أجر الصائم، وهذا - والله أعلم - لأنه صائم يستحق التعظيم، وإطعامه صدقة، وتعظيم للصوم، وصلة بأهل الطاعات. وهذا أمر اعتاده المسلمون؛ لإدراكهم الثواب الجزيل المرتَّب على ذلك، فإن شهر رمضان شهر يَجود الله فيه على عباده بالرحمة والمغفرة والعتق من النار، والله تعالى يرحم من عباده الرحماءَ.
وتفطير الصائم له طرُقٌ متعدِّدة من إطعام الفقير ما يأكُل، أو دفع مالٍ يَشتري به طعامًا، على أنَّ ذلك غيرُ خاصّ بالفقير.
وللجود في شهر رمضان شأنٌ عظيم، فقد ثبت أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم – كان أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان[2]، وذلك لشرف وقته، ومضاعفة أجره، وإعانة الصائمين والعابدين على طاعتهم، فيستوجب المعين لهم مثل أجورهم.
والجود سَعة العطاء وكثرته، ويدخل فيه الصدقة وجميع أبواب البر والإحسان، ويستفاد من هذا الحديث الحثُّ على الجود في كل وقت، والزيادة في رمضان.
فينبغي للإنسان أن يتأسَّى بنبيِّه - صلى الله عليه وسلم - فيبذل ويتصدَّق؛ ليُواسيَ الفُقراءَ والمُحتاجين، ويتفقَّد الجيران، ويصِل ذوي الأرحام، ويساهم في مشاريع الخير.
ولعلَّ مِمَّا يُحرّك داعي الإنفاق أن يتذكَّر الإنسان بالصوم نِعَمَ الله عليه، والنعمة لا تُعرَف إلا بفقدانها، فيشكر نعمة الله عليه، حيث يسَّر له الحصول على ما يشتهي مِمَّا أباح الله له، ويتذكَّر إخوانه الفقراء الذين لا يتيسَّر لهم ما يحتاجون، فيجود عليهم بالصدقة والإحسان.
والجمعُ بين الصيام وإطعام الطعام أبلغُ في تكفير الخطايا واتِّقاء جهنم، إذا أضيف إلى ذلك قيام الليل، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل - رضي الله عنه -: «ألا أدلُّك على أبواب الخير؟ الصوم جُنَّة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل» ثم تلا: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16]، حتى بلغ {يَعْمَلُونَ}[3].
وقد كان السلف الصالح من هذه الأمة يَحرصون على إطعام الطعام، وتفطير الصائمين، ويقدِّمون ذلك على كثير من العبادات، سواء كان ذلك بإشباع جائع، أو إطعام أخٍ صالح، ولهم أخبار مشهورة، قال بعض السلف: "لأن أدعوَ عشرةً من أصحابي، فأطعمهم طعامًا يشتهونه، أحبُّ إليَّ من أن أعتق عشرة من ولد إسماعيل".
وكان كثير من السلف يؤثِر بفطوره وهو صائم، منهم عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - وأحمد بن حنبل وداود الطَّائيّ ومالك بن دينار - رحِمهُم الله، وكان من السلف من يُطعم إخوانَه الطعامَ وهو صائم، ويَجلِسُ يَخدمهم ويروِّحهم، منهم الحسن البصري، وعبدالله بن المبارك - رحِمهما الله.
قال الإمام الشافعي - رحِمه الله -: "أُحِبُّ للرجل الزيادةَ بالجودِ في شهر رمضان؛ اقتداءً بالرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم، ولحاجة النَّاس فيه إلى مصالِحهم، ولتشاغُل كثيرٍ منهم بالصَّوم والصَّلاة عن مكاسبهم"[4].
ومن طرُق الصَّدقة في رمضان إعدادُ الطعام وتقديمه للأسر الفقيرة، أو الدعوة إليه، ومَن رأى العدولَ عن ذلك إلى ما هو أنفع للفقير مِن دفع النقود أو الملابس أو الأطعمة التي يَنتفع بها الفقير، ويستفيد منها بالتَّدريج، فهذا أولى؛ لأمرين:
الأول: أن مثل هذه الأطعمة المعدَّة لا تسلم من الإسراف، مع ما في إعدادِها من المشقَّة على أهل البيت.
الثاني
اللهم طهِّر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
ــــــــــــــــــــــــــ
[1] أخرجه أحمد (4/ 114)، والترمذي (3/ 533)، وابن ماجه (1746).
[2] أخرجه البخاري (4/ 116)، ومسلم (3307).
[3] رواه أحمد (5/ 231)، والترمذي (7/ 36)، وابن ماجه (2973)، وهو حديث صحيح بطرقه.
[4] "معرفة السنن والآثار للبيهقي" (6/ 382).
أنَّ الحال تغيَّر في زماننا، فلم يعد للطعام وقعٌ كبير في نفوس الفقراء، كما كان في زمن مضى، فيبقى الكثير من هذا الطعام، فيضيع بدون فائدة، وإذا كان المقصود انتفاع المتصدِّق ونفع الفقير، فليحرص على أحسن الطرق التي تحقق ذلك، والله لا يضيع أجر المحسنين.
- التصنيف: