العيد ومأساة الفقير
يأتي العيد على طائفة من الناس؛ ثقلاً وهماً، وعبئاً وغماً!!
- التصنيفات: الزهد والرقائق - مجتمع وإصلاح -
يأتي العيد على طائفة من الناس؛ ثقلاً وهماً، وعبئاً وغماً!!
نعم.
ينظر إلى الأسواق مزدحمة، والمعارض ممتلئة، والطرقات مكتظة بالمارّين ومعهم فلذات أكبادهم، قد ارتسمت الفرحة على محيّاهم، فرحين مستبشرين بملابسهم الجديدة الذي جعلت لهم من العيد أعيادا!
ينظر إليهم، وقلبه يحترق، وفؤاده يمتزق، ثم يسارق النظر إلى أكباده الحيّة؛ فتنهمر دموعه سحّاّء على خديه، فتكون غُنية عن الكلام واكتفاء!!
(وعن البحر اجتزاءٌ بالوشل)!
يتعلقون بأبيهم: بابا بابا... اشترِ لنا ملابس جديدة مثل بني فلان؟! هكذا بكل براءة، وليست – والله - جراءة.
آهٍ، ما أقساه من موقف وأنكاه!! (رب اغنه).
تُرى، ماذا يقول لهم؟! لا يفهمون إلا ملابس جديدة، عليها خيطها مدلاة به بطاقة تشير إلى القياس!! لكنهم يرون أنها تشير أنها جديدة!! فيظهرونه للداتهم؛ ليقولوا لهم: هذه ملابس العيد!!
إنهم أطفال، لا يجيدون لغة المال!! لا يعلمون أن الملابس دونها قطع أعناق، وإسالة مياه!!
يطوي الأب عنقه كاشحاً عنهم، لا يلوي على شيء، إلا التفكير في أمر أزغابه!
تنظر إليه زوجه المسكينة، بنظراتٍ حرّى، وقلبٍ مكلوم، ودموعٍ سحّة!!
تجيد لغة الكلام، ولكنها تعرف حال زوجها الكادح، الذي بالكاد يؤويهم ويبطنهم! فلا تريد أن تزيده همّا فوق همومه.
فترجع هي الأخرى، ناكصة على عقبيها، كسيرة الخاطر، حسيرة الفؤاد، مهيضة الجناح!! لكن عاطفة الأمومة، ينتهشها انتهاشاً، ويضربها بسياطٍ من نار!!! فتنظر كرةً أخرى إلى حبيبها. قائلة:
• أبو فلان؟
• نعم.
• هل تستطيع أن تقترض؟
• أتمنى، ولكن من سيقرضني؟ لكني سوف أحاول!!
يذهب إلى جاره العزيز..
• السلام عليكم.
• عليكم السلام.
• تقبل الله منا ومنكم.
• ومنكم.
• كيف حالكم وأولادكم؟
• الحمد لله على كل حال!
يسمع هذه الكلمة، فيعلم أنها إشارة من جاره المثقف، إلى عَطَلِه، وأنه في ضيقة وإعواز، فينصرف دون إحراز!
يدخل بيته، والأطفال منتظرين مستبشرين، قائلين: بابا اشتريت... وقبل أن يكملوا كلمتهم المتكسرة، تتعثر أقدامهم حين يرون يد والدهم فارغة!!
كيف له أن يفهمهم، أنه لا يملك نقوداً؟
كيف يستطيع تصبيرهم؟!
بأي لغةٍ يخاطبهم؟
تنظر الأم إلى يديها، لتجترّ مافيها؛ لتبيعه!!
لكنها خالية، فالسوار قد بيع في أزمة حادة (وما أكثر أزماتهم)!
تتلمس عنقها فليس فيه قلادة، وترى أن المثل العربي الشهير، (يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق) ليس صحيحاً!! فعن أي قلادة يتحدثون؟! إنها لا تعرفها قط في حياتها!!
تنحني إلى أصابعها، فلا - والله- لا تجد خاتماً أو فَصّاً!!
تتحسس أذنيها، فلا تحس قرطاً أو حتى خيطاً!!
فهي خلو إلا من دينها وعفافها وحيائها (وما أجلاه وأبهاه وأهناه).
ثم تنظر إلى أولادها، فتقول لهم: سنشتري لكم - إن شاء الله -!
فيهدؤون ويسكنون ويسكتون ويطمئنون، ولكنه دواءٌ مسكن، له وقت وينتهي مفعوله!
لا أدري ماذا فعلوا مع صبيانهم وصبياتهم، لكني رأيتهم: يحمدون ويشكرون ويثنون على الله أكمل الثناء، بل ويستعذبون حياتهم!!
رب كن لهم، واكسهم، وآوهم، وأطعمهم، وتول أمرهم، فأنت وحدك الكافي.
____________________________________________________
الكاتب: وليد بن عبده الوصابي