من آداب الصيام: صيام ستة أيام من شوال بعد صيام شهر رمضان
يُستحب صيام ستة أيام من شهر شوال بعد صيام شهر رمضان، وهذا يعدل صيام الدهر، فقال رسول الله ﷺ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّال، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ».
- التصنيفات: ملفات شهر شوال - فقه النوافل -
يُستحب صيام ستة أيام من شهر شوال بعد صيام شهر رمضان، وهذا يعدل صيام الدهر، فقد أخرج الإمام مسلم من حديث أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ[1]، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ».
♦ وأخرج البزار من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن صَامَ رَمَضَان وَأتبَعَهُ بِستٍّ مِن شَوَّال فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهر»؛ (صحيح الترغيب والترهيب: 1009).
♦ وعند ابن حبان بلفظ: مَن صَامَ رَمَضَان، وَسِتًّا مِن شَوَّال، فَقَد صَامَ السَّنَة؛ (صحيح الترغيب: 1007).
♦ وعند ابن ماجه من حديث ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مَن صَامَ سِتّةَ أَيَّام بَعد الفِطر، كَانَ تَمَام السَّنَة، {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160]؛ (صحيح الجامع: 6328)، وقوله صلى الله عليه وسلم: «كَصوم الدَّهر» أو «تَمَام السَّنَة»؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، فرمضان بعشر أشهر، والستة من شوال بشهرين، وقد جاء هذا مفسرًا في الحديث الذي أخرجه النسائي وابن ماجه وابن خزيمة من حديث ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جَعلَ الله الحَسَنَة بِعَشْر أَمثَالِهَا، فَشَهر بِعَشَرَةِ أشهُرٍ، وَصِيَام سِتّةَ أَيَّام بَعد الشَّهر تَمَامِ السَّنَة»؛ (صحيح الجامع: 3094).
♦ والمقصود بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «فَشَهر بِعَشَرةِ أَشهر»، هو شهر رمضان، كما جاء موضحًا في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة من حديث ثَوْبَانَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ بِشَهْرَيْنِ، فَذَلِكَ صِيَامُ سَنَةٍ».
قال العمراني رحمه الله في البيان: قال أصحابنا: وهذا صحيح في الحساب؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، وصوم شهر رمضان يقوم مقام ثلاثمائة يوم، وهو عشرة أشهر، فإذا صام ستة أيام بعده قامت مقام ستين يومًا، وذلك شهران، وذلك كله عدد أيام السنة؛ (البيان في مذهب الإمام الشافعي للعمراني: 3/ 548).
تنبيهات:
1- استُحب صيام هذه الستة كثير من أهل العلم منهم: الشافعي وأحمد، وهم أسعد بالدليل، بينما ذهب أبو حنيفة وأبو يوسف ومالك إلى كراهة صيامها، لئلا يُعتقد وجوبها إلحاق برمضان، وهذا الكلام بعيد ولا وجه للكراهة؛ لأن هناك نصًّا صحيحًا صريحًا في استحباب صيامها، أضف إلى هذا أن إلحاق الصيام إنما خيف من أوَّل الشهر (كيوم الشك)، أما في آخره فقد فصل بينه وبين غيره بيوم العيد[2] الذي لا يجوز صومه؛ (انظر شرح مسلم للنووي: 3/238).
وقال النووي أيضًا: الأفضل أن تصام الستة متوالية عقب يوم الفطر، فإن فرقها أو أخرها عن أوائل شوال إلى أواخره، حصلت فضيلة المتابعة؛ لأنه يصدق أنه أتبعه ستًّا من شوال، وقال العلماء: وإنما كان ذلك كصيام الدهر؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، فرمضان بعشرة أشهر، والستة بشهرين؛ اهـ (شرح مسلم للنووي: 3 /238).
2- ذهب بعض أهل العلم إلى أن الست من شوال تصام بعد القضاء من رمضان لمن كان عليه قضاء؛ لأن من صام الست قبل القضاء لا يصدق عليه أنه صام رمضان، فلا يحصل على ثوابها الذي بيَّنَه النبي صلى الله عليه وسلم - كما في حديث أبي أيوب رضي الله عنه المتقدم - إلا بعد إكمال رمضان، ولأن من قدَّم صيام الست على القضاء لم يتبعها رمضان، وإنما أتبعها بعض رمضان، ولأن القضاء فرض وصيام الست تطوع، والفرض أولى بالاهتمام والعناية؛ (انظر مجموع فتاوى ابن باز: 15 /392)، (والشرح الممتع لابن عثيمين: 6 /449).
وقال البعض: إن قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي أيوب رضي الله عنه السابق: «ثُمَّ اتبعه سِت مِن شَوَّال»، خرج مخرج الغالب فليس له مفهوم، فيجوز حينئذ صيام الست قبل قضاء رمضان، لا سيما لمن ضاق عليه شوال لو قضى ما عليه، وهذا يحتمله إطلاق حديث ثوبان رضي الله عنه، والله أعلم.
3- فوائد صيام الست من شوال بعد رمضان:
أ - أن صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان يُستكمل بها أجر صيام الدهر كله.
ب - أن صيام شوال وشعبان كصلاة السنن قبل الصلاة المفروضة وبعدها، فيكمل بذلك ما حصل في الفرض من خلل ونقصٍ، فإن الفرائض تُجْبَرُ أن تَكمُلُ بالنوافلِ يوم القيامة، كما ورد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوهٍ متعددة، وأكثر الناس في صيامه للفرض نقصٌ وخللٌ، فيحتاج إلى ما يجبره ويكمله من الأعمال، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول الرجل: «صُمتُ رمضانَ كلَّه أو قمتُه كلَّه»، قال الصحابيُّ: فلا أدري، أكَرِهَ التزكية، أم لابد من رقدةٍ أو غفلة؟
جـ - أن معاودة الصيام بعد صيام رمضان علامة على قبول صوم رمضان، فإن الله إذا تقبل عمل عبدٍ وفقه لعمل صالح بعده، كما قال بعضهم: ثوابُ الحسنة الحسنة بعدها، فمن عمل حسنة، ثم أتبعها بعد بحسنة كان ذلك علامةً على قبولِ الحسنةِ الأولى، كما أن مَن عَمِل حسنةً ثم أتبَعها بسيئةٍ كان ذلك علامة ردَّ الحسنةِ وعدمِ قبولها.
د - أن صيام رمضان يُوجِبُ مغفرةَ ما تقدَّم من الذنوب، وأن الصائمين لرمضان يُوفَّوْن أجورهم في يوم الفطر، وهو يوم الجوائز، فتكونُ معاودةُ الصيام بعد الفطر شُكرًا لهذه النعمة، فلا نعمةَ أعظمُ من مغفرةِ الذنوب، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقومُ حتى تتورَّمَ قدماه، فيقال له: أتفعلُ هذا وقد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبِك وما تأخرَّ؟ فيقول: «أفلا أكونُ عبدًا شكورًا».
وقد أمر الله سبحانه وتعالى عبادَه بشُكرِ نعمةِ صيام رمضان بإظهارِ ذِكره، وغيره ذلك من أنواع شُكرِه، فقال: {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُم تَشكُرُونَ} [البقرة: 185]، فمن جُملةِ شُكرِ العبد لربِّه على توفيقهِ لصيامِ رمضانَ وإعانتِه عليه ومغفرة ذنوبه: أن يصومَ له شُكرًا عَقِبَ ذلك، وقد كان بعضُ السلف إذا وُفِّق لقيام ليلةٍ من الليالي أصبحَ في نهارِه صائمًا، ويجعلُ صيامَه شكرًا للتوفيقِ للقيام.
هـ - أن الأعمال التي كان العبد يتقرَّبُ بها إلى ربِّه في شهرِ رمضان لا تنقطع بانقضاء رمضانَ، بل هي باقيةٌ بعدَ انقضائه ما دام العبدُ حيًّا، وذلك أن كثيرًا من الناس يفرح بانقضاء شهر رمضان لاستثقال الصيام وملله وطوله عليه، ومن كان كذلك فلا يكاد يعود إلى صيام سريعًا، فالعائد إلى الصيام بعد فِطرِه يوم الفطرِ يدل عَودُه على رغبتِه في الصيام، وأنه لم يُمِلَّه ولم يستثقله، ولا تَكَرَّهَ به.
وقد كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يقضي ما فاته من أوراده في رمضان في شوال، فترك في عام اعتكاف العشر الأواخر من رمضان، ثم قضاه في شوال، فاعتكف العشر الأول منه.
[1] قال الإمام الرملي- رحمه الله-: وخص شوال بذلك؛ لمشقة الصيام مع تشوف النفس إلى الأكل وصبرها على طول الصوم؛ (غاية البيان شرح زبد ابن رسلان للرملي ص158).
[2] وقال اللخمي رحمه الله: وإذا ثبت الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلا معنى للكراهة بأنه زيادة على الفرض، فإنه إنما يصومهن تطوعًا، لا بنية الفرض، وقد فصل بينه وبين الفرض بإفطار يوم العيد، والله أعلم؛ (مختصر خلافيات البيهقي للخمي: 3/ 102).
____________________________________________________
الكاتب: الشيخ ندا أبو أحمد