إلى من يتثاقلون عن صلاة الفجر
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «بَشِّرِ المَشَّائِينَ في الظُّلَمِ إِلى المَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَومَ القِيَامَةِ» (رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ).
أَمَّا بَعدُ، فَأُوصِيكُم وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الأنفال: 29].
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، مِنَ المَوَاقِفِ اليَومِيَّةِ المُحزِنَةِ في هَذَا الزَّمَانِ، وَالَّتي تُكَدِّرُ الخَاطِرَ بَل وَتُنذِرُ بِالخَطَرِ، مَا نَرَاهُ في مَسَاجِدِنَا في صَلاةِ الفَجرِ خَاصَّةً، مِن نَقصٍ شَدِيدٍ في المُصَلِّينَ، وَقِلَّةٍ وَاضِحَةٍ في أَعدَادِ الرَّاكِعِينَ السَّاجِدِينَ، وَغِيَابِ أَصِحَّاءَ قَادِرِينَ آمِنِينَ، غَيرِ مَحبُوسِينَ وَلا مَعذُورِينَ.
وَكَم يُصِيبُ المُؤمِنَ المُحِبَّ لإِخوَانِهِ مِن حُزنٍ عَلَيهِم وَأَسَفٍ، وَخَوفٍ مِمَّا يَنتَظِرُهُم وَيَنتَظِرُ المُجتَمَعَ لَو بَقِيَتِ الحَالُ عَلَى مَا هِيَ عَلَيهِ. أَينَ صُفُوفٌ تُرَى في سَائِرِ الصَّلَوَاتِ؟! وَأَينَ رِجَالٌ نَعهَدُهُم في بَقِيَّةِ الأَوقَاتِ؟! أَلَيسَ اللهُ -تعالى- هُوَ الحَيَّ القُيُّومَ الَّذِي لا تَأخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَومٌ؟! فَكَيفَ لا تَستَحيِي مِنهُ جُمُوعٌ تَنَامُ عَن أَحَبِّ الأَعمَالِ إِلَيهِ، ثم هِيَ بَعدَ سَاعَةٍ أَو أَقَلَّ أَو أَكثَرَ، تَضِيقُ بِهَا الشَّوَارِعُ وَتَكتَظُّ بِهَا الطُّرُقُ، وَتَمتَلِئُ الدُّنيَا بها ضَجِيجًا وَهِيَ مُنطَلِقَةٌ في دُنيَاهَا مُتَسَابِقَةٌ إِلى أَعمَالِهَا، تَطلُبُ مِنَ اللهِ الرِّزقَ وَتَرجُوهُ أَن يُوَسِّعَ لَهَا العَطَاءَ؟!
كَانَ التَّثَاقُلُ عَن صَلاةِ الفَجرِ وَالتَّسَاهُلُ في أَدَائِهَا مَعَ الجَمَاعَةِ، يُعرَفُ قَدِيمًا مِن قِلَّةٍ مِنَ الشَّبَابِ، فَصَارَ في زَمَانِنَا يُوجَدُ مِمَّن تَجَاوَزُوا الثَّلاثِينَ، بَل مِن كُهُولٍ تَجَاوَزُوا الأَربَعِينَ وَالخَمسِينَ، فَيَا لَهُ مِن تَرَاجُعٍ مَا أَشنَعَهُ! وَيَا لَهَا مِنِ انتِكَاسَةٍ مَا أَسوَأَهَا!
فَمَا أَقبَحَ التَّفرِيطَ في زَمَنِ الصِّبَا *** فَكَيفَ بِهِ وَالشَّيبُ لِلرَّأسِ شَاعِلُ
أَجَل - أَيُّهَا المُؤمِنُونَ - مَا أَقبَحَ التَّفرِيطَ مِمَّن شَابَ رَأسُهُ وَذَهَبَت سَنَوَاتُ عُمُرِهِ، وَكَانَ الأَجدَرُ بِهِ أَن يَكُونَ قَدِ اكتَمَلَ عَقلُهُ وَزَكَا رَأيُهُ، وَعَرَفَ مَا يَنفَعُهُ وَيَرفَعُهُ مِمَّا يُهبِطُهُ وَيُسقِطُهُ، وَأَن يَكُونَ قَد رَقَّ قَلبُهُ كَمَا رَقَّ عَظمُهُ، فَإِذَا بِهِ مَا زَالَ يَتَلَفَّتُ يَمنَةً وَيَسرَةً، غَافِلاً عَن طَرِيقِ نَجَاتِهِ في قَبرِهِ، مُفَرِّطًا في أَهَمِّ أَسبَابِ فَوزِهِ يَومَ حَشرِهِ.
صَلاةٌ مَفرُوضَةٌ وَجَمَاعَةٌ وَاجِبَةٌ، وَقُرآنٌ مَشهُودٌ وَشَرَفٌ عَظِيمٌ، وَمَلائِكَةٌ تَهبِطُ وَأُخرَى تَصعَدُ، وَوَعدٌ لِلمُؤمِنِينَ صَادِقٌ، وَوَعِيدٌ لِلمُنَافِقِينَ جَازِمٌ، وَالنَّائِمُ نَائِمٌ وَالمَحرُومُ مَحرُومٌ، فَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ، وَإِلى اللهِ المُشتَكَى وَعَلَيهِ التُّكلانُ، وَمِنهُ وَحدَهُ التَّوفِيقُ وَالإِعَانَةُ. قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «خَمسُ صَلَوَاتٍ افتَرَضَهُنَّ اللهُ تعالى مَن أَحسَنَ وُضُوءَهُنَّ وَصَلاَّهُنَّ لِوَقتِهِنَّ، وَأتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ، كَانَ لَهُ عَلَى اللهِ عَهدٌ أَن يَغفِرَ لَهُ، وَمَن لم يَفعَلْ فَلَيسَ لَهُ عَلَى اللهِ عَهدٌ، إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ» (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ). وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: «مَن صَلَّى البَردَينِ دَخَلَ الجَنَّةَ» (رَوَاهُ البُخارِيُّ وَمُسلِمٌ). وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «مَن صَلَّى الصُّبحَ فَهُوَ في ذِمَّةِ اللهِ، فَلا يَطلُبَنَّكُمُ اللهُ مِن ذِمَّتِهِ بِشَيءٍ؛ فَإِنَّهُ مَن يَطلُبْهُ مِن ذِمَّتِهِ بِشَيءٍ يُدرِكْهُ ثم يَكُبَّهُ عَلَى وَجهِهِ في نَارِ جَهَنَّمَ» (رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ).
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُم مَلائِكَةٌ بِاللَّيلِ وَمَلائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجتَمِعُونَ في صَلاةِ الفَجرِ وَصَلاةِ العَصرِ، ثم يَعرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُم فَيَسأَلُهُم رَبُّهُم وَهُوَ أَعلَمُ بِهِم: كَيفَ تَرَكتُم عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكنَاهُم وَهُم يُصَلُّونَ، وَأَتينَاهُم وَهُم يُصَلُّونَ» (رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ وَغَيرُهُمَا).
وقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «مَن صَلَّى العِشَاءَ في جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصفَ اللَّيلِ، وَمَن صَلَّى الصُّبحَ في جَمَاعَةِ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيلَ كُلَّهُ» (رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ). وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَثقَلَ صَلاةٍ عَلَى المُنَافِقِينَ صَلاةُ العِشَاءِ وَصَلاةُ الفَجرِ، وَلَو يَعلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوهُمَا وَلَو حَبوًا، وَلَقَد هَمَمتُ أَن آمُرَ بِالصَّلاةِ فَتُقَامَ، ثم آمُرَ رَجُلاً فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثم أَنطَلِقَ مَعِيَ بِرِجَالٍ مَعَهُم حِزَمٌ مِن حَطَبٍ إِلى قَومٍ لا يَشهَدُونَ الصَّلاةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيهِم بُيُوتَهُم بِالنَّارِ» (رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ).
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «بَشِّرِ المَشَّائِينَ في الظُّلَمِ إِلى المَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَومَ القِيَامَةِ» (رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ). وَفي حَدِيثِ رُؤيَا النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الَّذِي رَوَاهُ البُخَارِيُّ عَن سُمَرَةَ بنِ جُندُبٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يَكثُرُ أَن يَقُولَ لأَصحَابِهِ: «هَل رَأَى أَحَدٌ مِنكُم مِن رُؤيَا» ؟ فَيُقَصُّ عَلَيهِ مَا شَاءَ اللهُ أَن يُقَصَّ، وَإِنَّهُ قَالَ لَنَا ذَاتَ غَدَاةٍ: «إِنَّهُ أَتَاني اللَّيلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهُمَا ابتَعَثَاني، وَإِنَّهُمَا قَالا ليَ انطَلِقْ، وَإِنِّي انطَلَقتُ مَعَهُمَا، وَإِنَّا أَتَينَا عَلَى رَجُلٍ مُضطَجِعٍ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيهِ بِصَخرَةٍ، وَإِذَا هُوَ يَهوِي بِالصَّخرَةِ لِرَأسِهِ فَيَثلَغُ رَأسَهُ، فَيَتَدَهدَهُ الحَجَرُ فَيَأخُذُهُ، فَلا يَرجِعُ إِلَيهِ حَتى يَصِحَّ رَأسُهُ كَمَا كَانَ، ثم يَعُودُ عَلَيهِ فَيَفعَلُ بِهِ مِثلَ مَا فَعَلَ المَرَّةَ الأُولى، قَالَ: قُلتُ لَهُمَا سُبحَانَ اللهِ! مَا هَذَا؟! قَالا ليَ: انطَلِقْ... وَذَكَرَ الحَدِيثَ إِلى أَن قَالَ: قُلتُ لَهُمَا: فَإِنِّي رَأَيتُ مُنذُ اللَّيلَةِ عَجَبًا، فَمَا هَذَا الَّذِي رَأَيتُ؟ قَالَ: قَالا لي إِنَّا سَنُخبِرُكَ، أَمَّا الرَّجُلُ الأَوَّلُ الَّذِي أَتَيتَ عَلَيهِ يُثلَغُ رَأسُهُ بِالحَجَرِ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأخُذُ القُرآنَ فَيَرفُضُهُ، وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاةِ المَكتُوبَةِ...».
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، مَاذَا بَقِيَ بَعدَ هَذِهِ النُّصُوصِ العَظِيمَةِ، الَّتي صَحَّ بها النَّقلُ عَمَّن لا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى؟! لم يَبقَ وَاللهِ إِلاَّ مُؤمِنٌ قَد مَلأَ اليَقِينُ قَلبَهُ، فَهُوَ بَينَ خَوفٍ مِمَّا وُعِدَ بِهِ تَارِكُو صَلاةِ الفَجرِ مِنَ العَذَابِ الطَّوِيلِ في القَبرِ وَالشَّقَاءِ المُستَمِرِّ بَعدَ الحَشرِ، وَرَجَاءٍ لِمَا عِندَ اللهِ مِنَ النَّعِيمِ المُقِيمِ في الجِنَانِ، وَالفَوزِ بِرُؤيَتِهِ وَالرِّضَا مِنهُ وَالرِّضوَانِ، وَإِلاَّ فَمُنَافِقُ لا يَزدَادُ إِلاَّ ضِيقًا وَحَرَجًا، فَيَبقَى عَلَى حَالِهِ مَخذُولاً مُبعَدًا، تَمُرُّ بِهِ الأَيَّامُ وَعُمرُهُ في نَقصٍ وَذَنبُهُ في زِيَادَةٍ، وَتَتَوَالى عَلَيهِ اللَّيالي وَهُوَ لا يُبَالي، ثم لا يَشعُرُ إِلاَّ وَقَد قُصِفَ عُمُرُهُ وَانتَهَى أَمرُهُ، وَقَدِمَ عَلَى رَبِّهِ وَقَد أَحَاطَت بِهِ خَطَايَاهُ وَأُسِرَ بِذَنبِهِ، عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: كُنَّا إِذَا فَقَدنَا الرَّجُلَ في الفَجرِ وَالعِشَاءِ أَسَأنَا بِهِ الظَّنَّ رَوَاهُ البَزَّارُ وَالطَّبَرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – وَمَن كَانَ مُحَافِظًا عَلَى صَلاةِ الفَجرِ مَعَ الجَمَاعَةِ، فَلْيَحمَدِ اللهَ عَلَى مَا خَصَّهُ بِهِ مِن هَذِهِ النِّعمَةِ الَّتي هِيَ أَكبَرُ النِّعَمِ، وَمَن كَانَ هَاجِرًا لِلمَسجِدِ، أَو يَحضُرُ يَومًا وَيَغِيبُ أَيَّامًا، فَلْيُسَارِعْ بِالتَّوبَةِ الصَّادِقَةِ وَالتَّرَاجُعِ عَن هَذَا الذَّنبِ العَظِيمِ، قَبلَ أَن يَفجَأَهُ هَاذِمُ اللَّذَّاتِ وَهُوَ عَلَى ذَنبِهِ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا * وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} [الإسراء: 78 - 80].
أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى – حَقَّ التَّقوَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُم أَنفُسَهُم أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ} [الحشر: 18].
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، بَقِيَ مِن أَحَادِيثِ صَلاةِ الفَجرِ حَدِيثٌ عَظِيمٌ عَظِيمٌ، لا يَحِلُّ لامرِئٍ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ أَن يَسمَعَهُ مُوقِنًا بِهِ، ثم يَهنَأَ بِنَومٍ أَو يَثقُلَ رَأسُهُ عَلَى وِسَادَةٍ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «رَكعَتَا الفَجرِ خَيرٌ مِنَ الدُّنيَا وَمَا فِيهَا» (رَوَاهُ مُسلِمٌ).
هَل تَرَونَ هَذِهِ الدُّنيَا بِمَا فِيهَا مِن قُصُورٍ وَدُورٍ وَمَرَاكِبَ وَأَنهَارٍ وَأَشجَارٍ وَأَموَالٍ؟! إِنَّ سُنَّةَ الفَجرِ خَيرٌ مِنهَا كُلِّهَا، فَكَيفَ بِالفَرِيضَةِ؟! أَلا فَلْيَعلَمْ كُلُّ نَائِمٍ عَن صلاةِ الفَجرِ أَو مُتَكَاسِلٍ عَن أَدَائِهَا في المَسجِدِ بَعدَ هَذَا، أَنَّهُ قَد آثَرَ الدُّنيَا عَلَى الأُخرَى، وَقَدَّمَ مَا تُحِبُّهُ نَفسُهُ وَتَشتَهِيهِ عَلَى أَمرِ اللهِ وَمَا يُرضِيهِ، وَهَذَا وَاللهِ مَرَضٌ خَطِيرٌ، يُوجِبُ عَلَى مَن ضَعُفَت نَفسُهُ فَتَعَرَّضَ لَهُ، أَن يَهتَمَّ بِعِلاجِ قَلبِهِ مِنهُ أَشَدَّ مِنِ اهتِمَامِهِ بِعِلاجِ جَسَدِهِ لَو أُصِيبَ بِمَرَضٍ خَطِيرٍ، فَإِنَّ كُلَّ مَرَضٍ وَلَو أَدَّى إِلى المَوتِ، فَهُوَ أَهوَنُ مِن مَرَضٍ نِهَايَتُهُ ضِيقُ القَبرِ وَالعَذَابُ في الآخِرَةِ.
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ، وَاحذَرُوا الذُّنُوبَ وَالمَعَاصِيَ فَإِنَّهَا هِيَ أَعظَمُ القَوَاطِعِ وَالمَوَانِعِ، وَتَذَكَّرُوا يَومًا يُوضَعُ فِيهِ المَرءُ في قَبرِهِ وَحِيدًا فَرِيدًا، فَلا يُنِيرُ ظُلمتَهُ وَلا يُزِيلُ وَحشَتَهُ، إِلاَّ صَالِحُ عَمَلِهِ، وَخَيرُهُ وَأَفضَلُهُ الصَّلاةُ، قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «استَقِيمُوا وَلَن تُحصُوا وَاعلَمُوا أَنَّ خَيرَ أَعمَالِكُمُ الصَّلاةُ، وَلَن يَحَافِظَ عَلَى الوُضُوءِ إِلاَّ مُؤمِنٌ» (رَوَاهُ الحَاكِمُ وَابنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيَّ) ، وَعِندَ مُسلِمٍ أَنَّهُ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – قَالَ: «وَالصَّلاةُ نُورٌ».
__________________________________________
الكاتب: الشيخ عبدالله بن محمد البصري
- التصنيف: