{فاستبقوا الخيرات}
المسارعة إلى الخيرات والمسابقة إليها من أبرز صفات المؤمنين، فقد وصف الله آل زكريا في موجز الثناء؛ بقوله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90].
- التصنيفات: - آفاق الشريعة -
عباد الله:
قال تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148]، وقال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133].
في الآية الأولى الأمر بالمسابقة إلى الخيرات بمعنى المسارعة إليها، والخيرات الأعمال الصالحة، وفي الثانية الأمر بالمسارعة إلى الجنة، وهو أمر بالمسارعة إلى الأعمال الصالحة كذلك؛ لأنها الموصلة إلى الجنة.
والمسارعة إلى الخيرات والمسابقة إليها من أبرز صفات المؤمنين، فقد وصف الله آل زكريا في موجز الثناء؛ بقوله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90].
ووصف المؤمنين الموحدين أهل الخشية والإخبات إليه بالمسارعة في الخيرات؛ فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 57 - 61].
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر الناس مسابقة إلى الخيرات؛ قال أبو سروعة رضي الله عنه: ((صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة العصرَ، فسلَّم ثم قام مسرعًا فتخطَّى رقاب الناس إلى بعض حُجَرِ نسائه، ففزِع الناس من سرعته فخرج عليهم، فرأى أنهم عجِبوا من سرعته، فقال: «ذكرت شيئًا من تبرٍ عندنا، فكرِهت أن يحبسني فأمرت بقسمته» [1].
والمسارعة بالأعمال الصالحة الموصلة إلى الجنة تكون بأمور:
أ- أداء الفرائض على وقتها:
الصلاة: عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال: ((سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: «الصلاة على وقتها»، قلت: ثم أي؟ قال: «ثم بر الوالدين»، قلت: ثم أي؟ قال: «ثم الجهاد في سبيل الله»[2].
الزكاة: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141].
الحج: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «تعجَّلوا بالحج؛ فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له»[3].
{إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: 17، 18].
ج- أداء حقوق الناس.
د- نوافل العبادات:
1. التبكير إلى الصلوات في المساجد.
2. التبكير إلى الجمعة.
3. المسارعة إلى الصدقة؛ فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((يا رسول الله، أي الصدقة أعظم أجرًا؟ قال: «أن تتصدق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر، وتأمُلُ الغِنى، ولا تُمْهِل حتى إذا بلغت الحلقوم، قلتَ: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان»[4].
لماذا المسارعة؟
الجواب:
أ- المسارعة إلى الخيرات دليل الإيمان بالله وتعظيم شأنه، والتصديق واليقين بوعده؛ فعن أبي ذر رضي الله عنه، ((أن ناسًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، ذهب أهل الدثور بالأجور؛ يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم، قال: «أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟ إن بكل تسبيحة صدقةً، وكل تكبيرة صدقةً، وكل تحميدة صدقةً، وكل تهليلة صدقةً، وأمر بمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بَضْعِ أحدكم صدقة»[5].
ب- حذرًا من تبدل الأحوال، وعروض الموانع من تلك الأعمال، واغتنام الفرص السانحة قبل أن تضيع: «اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك»[6].
ج- حدوث الفتن الشاغلة عن الأعمال الصالحة: «بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم؛ يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعَرَضٍ من الدنيا قليل»[7].
[1] رواه البخاري 1/ 291 برقم 813.
[2] رواه البخاري 1/ 197 برقم 504، مسلم 1/ 89 برقم 85.
[3] رواه أحمد 1/ 313 برقم 2869.
[4] رواه مسلم 1/ 110 برقم 118.
[5] رواه البخاري 2/ 515 برقم 1353، مسلم 2/ 716 برقم 1032.
[6] رواه الحاكم 4/ 341 برقم 7846 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
[7] رواه مسلم 1/ 110 برقم 118.
_________________________________________________________
الكاتب: الشيخ أحمد بن حسن المعلِّم