الإصلاح السياسي على الطريقة الصوفية !!

منذ 2011-10-14

في عام 1994م أنشأ الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون مركز "نيسكون" لتحليل التحديات السياسية التي تواجهها الولايات المتحدة الأمريكية في الخارج، وكان من أهم أولويات هذا المركز القيام بإعداد بحوث خاصة بالعالم الإسلامي، وكان أبرزها كيفية التعرف على الدور الذي يمكن أن يؤديه التصوف في خدمة السياسة الخارجية الأمريكية، وعقد المركز في مارس عام 2004م ندوة صدر بعدها تقرير بعنوان "فهم الصوفية واستشراف أثرها في السياسة الأمريكية"، وكان من المشاركين في تلك الندوة رشيد قباني أحد المنتمين للطريقة النقشبندية.

وفي مصر التي يعلم الجميع دور الأزهر في تثبيت دعائم الحكم فيها، اختار الرئيس السابق أنور السادات لنفسه لقب "الرئيس المؤمن" وكان حريصا على الظهور بمظهر الإنسان المتدين الذي يحافظ على الصلاة ويجمع حوله عدد من علماء الأزهر ويمسك دائما مسبحة في يده، ويشارك في احتفالات المولد النبوي، يقول في ذلك الكاتب علي بكساوي أصبحت كل الأنظمة الحاكمة تضع عينها على القيادات الشعبية الإسلامية لتوجيه الناس من خلالها، وفي عهد محمد علي باشا صدر قرار يقضي بتعيين مشرف على جميع الطرق الصوفية والزوايا والمساجد التي بها أضرحة يكون له الحق في وضع مناهج التعليم التي تعطى فيها، وذلك كله في محاولة لتقويض سلطة شيخ الأزهر وعلمائه، وقد تطورت نظمه وتشريعاته وجاء الاستعمار البريطاني ليبدأ اللورد كرومر المندوب السامي البريطاني في تقاريره السنوية بوصف الصوفيين بـ "المسلمين العقلاء" وأنشأ لهم المجلس الأعلى للطرق الصوفية في مصر وأصبحت الطرق الصوفية هي الممثلين للمسلمين في الدولة.

وفي عهد جمال عبد الناصر شن الزعيم القومي العربي حملة ضد جماعة الإخوان المسلمين وقتل فيها الكثيرين ووضع عشرات الآلاف في السجون، ووقفت مشيخة الطرق الصوفية مع عبد الناصر في صراعه ضد الإخوان المسلمين، وفي ديسمبر 1967م سار أكبر موكب صوفي رسمي في مصر تأييدا لعبد الناصر في أعقاب هزيمة 5 يونيو 1967م .

وفي عهد الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك استفادت الصوفية في مصر كثيرا؛ فقد صدر قانون لتنظيم الطرق الصوفية في 1976م ينص على اختصاص المجلس الأعلى للطرق الصوفية بإصدار تصاريح إقامة الموالد ومجالس الذكر وسير المواكب والاحتفالات في المواسم والأعياد الدينية، وتحرص الدولة على حضور مثل هذه الاحتفالات والترويج لها في وسائل الإعلام المحلية.

وفي أغسطس 2010م قالت صحيفة المصريون: "إن 16 من مشايخ الصوفية عقدوا اجتماعا مع سكرتير السفارة الأمريكية بالقاهرة، واتفقوا وعلى رأسهم الشيخ علاء أبو العزائم خلال الاجتماع الذي عقد بمقر الطريقة العزمية بمنطقة السيدة زينب بحضور ممثل لجهاز مباحث أمن الدولة مع ممثل السفارة الأمريكية على أن تستضيف الإدارة الأمريكية مشايخ الصوفية على نفقتها الخاصة، لتنظيم العديد من الفعاليات والأنشطة، والقيام بزيارات إلى الولايات المتحدة لنشر الصوفية بين المسلمين الأمريكيين.

وقال الشيخ محمد عبد المجيد الشرنوبي: "إن ممثل الإدارة الأمريكية طالب باستمرار اللقاءات والتنسيق بين الجانبين، معتبرًا أن نموذج الإسلام الصوفي يمثل الإسلام المقبول والمرحب به في الولايات المتحدة لكونه إسلاما وسطيا ومعتدلا".

وقد أوصت لجنة الكونغرس الخاصة بالحريات الدينية بأن تقوم الدول العربية بتشجيع الحركات الصوفية تأكيدا لما توصلت إليه مؤسسة راند البحثية الأمريكية RAND Corporation أحد أهم المؤسسات الفكرية الأمريكية.

ويسعى الغرب والإدارة الأمريكية من خلال ذلك إلى مصالحة التصوف الإسلامي ودعمه من أجل عدة أهداف أولها يبدأ توسعي الشرق الموجود بين التيارات الإسلامية في العالم، وثانيا إحلال الصوفية كبديل عن الإسلام السياسي وإقصاء الدين عن الحياة العامة نهائيا وتهميش.

ويقول تقرير مؤسسة راند الذي صدر عام 2007م: "إن احتواء المد الإسلامي لا بد أن يكون بواسطة إدارة صراع فكري ضد التيار الإسلامي يقوم به فريق من داخل المجتمع المسلم يتمثل في العلمانيين والحداثيين والتيار التقليدي المعتدل‏ الذي يصلي في الأضرحة ويميل إلى التصوف".

وفي شهر نوفمبر عام 2007م قالت صحيفة اللواء الأردنية: إن السفير الأمريكي ريتشارد دوني حرص على حضور الاحتفالية الكبرى لمولد "السيد البدوي" بمدينة طنطا للعام الثالث على التوالي وسط مشايخ الطرق الصوفية يكشف بجلاء حجم الاهتمام الكبير الذي توليه أمريكا في دعم التيار الصوفي في مصر والمنطقة العربية من منطلق أن الإسلام الصوفي هو الإسلام المعتدل الذي يتماشى مع مشروعها في المنطقة ولخلق كتلة سياسية من الصوفيين تكون بديلاً لكتلة الإخوان تحت قبة البرلمان المصري.

مؤتمر "التصوف منهج أصيل للإصلاح":
قبل أسبوع كان يعقد في العاصمة المصرية القاهرة وفي قاعة المؤتمرات الكبرى بالأزهر مؤتمر تحت عنوان "التصوف منهج أصيل للإصلاح" بحضور رموز الحركات الصوفية في العالم العربي والإسلامي، واستمر المؤتمر من 26 شوال وحتى 28 شوال، وفي ذلك يطرح تساءل مفاده أن الخطاب الإصلاحي الذي يطرح من قبل مشايخ التصوف في العالم العربي في وقت تعيش فيه الأمة حالة ثورة تضعها على طريقها الصحيح وتهمش الدور الغربي في التأثير عليها وتجعل "إسرائيل" تفكر في مستقبلها الغامض بسبب التحولات الحالية، وكذلك رعاية الأزهر لهذا المؤتمر واحتضانه، لماذا يعقد الآن وفي مصر بالتحديد؟

مصر التي هي كنانة الله في أرضه، والتي تتمركز في مقدمة الأمة تعيش مرحلة صراع سياسي يكاد يكون مفصلي ينقلها من دور غيب فيه شعبها وصٌدر قرارها من قبل الإدارة الأمريكية وقيادة سياسية لم تنظر سوى لمصالح الغرب، يأتي هذا المؤتمر بتنظيم "أكاديمية الإمام الرائد للدراسات التصوف وعلوم التراث" وهي تابعة للعشيرة المحمدية وهي طريقة صوفية شيخها هو محمد زكي إبراهيم؛ ليشير إلى مرحلة قد يكون مشايخ التصوف جزء من الصراع السياسي على السلطة فيها ليس بشخوصهم ولا بأحزاب قد يرتدون لباسها وإنما بأفكارهم وبدعم غربي وأمريكي وخصوصا بعد أن بدأت الثورات في إضعاف التدخل الأمريكي ونقل الشرق الأوسط إلى مرحلة جديدة ستؤثر سلبا على مصالح الغرب في المنطقة.

وبحسب تقرير المؤتمر فقد شارك فيه أكثر من 300 عالم من 35 دولة عربية وأجنبية، وحمل مضامين وطروحات "إصلاحية" كما وصفها الحاضرين، ومن أبرز أهداف المؤتمر كان ضرورة الإصلاح في المرحلة الراهنة من تاريخ الأمة، وطرح أهمية الخيار الصوفي في ضوء الخيارات المتاحة للإصلاح، كما حدد أن من أهداف المؤتمر إصلاح التصوف كي يمكنه القيام بدوره في الإصلاح، و "إعادة طرح العلاقات الدولية على أسس روحية وقيم أخلاقية".

والغريب في الأمر أن المؤتمر أخذ زخما إعلاميا واسعا بالإضافة إلى أنه الأول من نوعه للتيار الصوفي في إطار العمل الدولي، وكذلك توجيه دعوات إلى معظم القوى السياسية الفاعلة في الحراك المجتمعي الإسلامي وغيرها.

ونقلت بعض التصريحات عن الحضور من بينهم محمد عصام الدين الذي قال: "إن التصوف ليس مذهبا وأن الصوفية ليست فرقة بل هي عقيدة المسلم في مشارق الأرض ومغاربها"، وكذلك الدكتور حسن الشافعي أمين عام المؤتمر ومستشار شيخ الأزهر الذي صرح بأن: "وظيفة التصوف العمارة وبناء الحضارة والدفاع عن مقدسات الأمة".

أما وزير الأوقاف المصري محمد عبد الفضيل القوصي فقد طالب بتجديد الخطاب الصوفي المعاصر وتغير مصطلحاته وتحويل السلوك الصوفي إلى سلوك عملي وتوحيد الخطاب الصوفي إلى العالم الغربي مؤكدا على أن الطرق الصوفية.

وجاءت دعوة السيد عبد الهادي القصبي شيخ مشايخ الطرق الصوفية إلى كل التيارات الوطنية والإسلامية إلى التوحد والتوافق من أجل مصلحة البلاد والتصدي إلى محاولة التعدي على إرادات الشعوب في سوريا واليمن لتطرح دعوة لها بُعد سياسي يمكن أن يمهد لخطوات قادمة في مستقبل النزاع السياسي في مصر.

وذكر أبرز دعاة الصوفية الشيخ علي الجفري أن إقامة هذا المؤتمر في مصر يحقق النهضة للأمة، مضيفا أن الحكام الذين سفكوا دماء الشعوب في اليمن وسوريا فعلوا ذلك لغياب التزكية عنهم.

من جانبه قال الدكتور عبد الرحمن البر عضو مكتب الإرشاد في جماعة الإخوان المسلمين: "يجب على الصوفيين الانتقال من الكلام النظري إلى الواقع العملي والتنفيذي وعدم اختزال العبادة في الذكر".

وكان من أبرز الحضور في المؤتمر الشيخ حسن الشافعي نيابة عن شيخ الأزهر، والدكتور علي جمعة مفتي مصر، ووزير الأوقاف د. محمد عبد الفضيل القوصي، وشيخ مشايخ الطرق الصوفية السيد عبد الهادي القصبي، ومفتي مصر السابق د.نصر فريد واصل، وعصام البشير وزير الأوقاف السابق في السودان، وعبد الله بن بيه "اتحاد علماء المسلمين من موريتانيا"، ومن اللافت في هذه المؤتمر الذي من المفترض أن يكون لبحث مستقبل الواقع الذي يعيشه العالم الإسلامي في ظل المرحلة السياسية الحالية هو توجيه دعوة للبابا شنودة لحضور المؤتمر وحضره عنه الأنبا مرقص، وكذلك توجيه دعوة لعصام شرف رئيس الوزراء المصري ولكافة الأحزاب السياسية العلمانية في مصر.

وكان من أهم محاور المؤتمر التي طرحت الحاجة إلى الإصلاح وتشخيص أحوال المجتمعات العربية سياسيا واقتصاديا وفكريا، ومناهج الإصلاح الممكنة وأهمية الخيار الصوفي، والتصوف كمنهج للإصلاح، والتصوف والإصلاح "الاقتصادي - السياسي - الاجتماعي".

وقدمت كذلك مجموعة من الأبحاث بعناوين مختلفة، وكلها كان يبحث في آليات إصلاح التصوف، وتأثير التصوف في المجتمعات الأوروبية، وكذلك تأثيره على الأسرة والفرد.

وفي ختام المؤتمر طالب الحضور بضرورة الاعتراف بدولة فلسطين، بالرغم من أن فلسطين التي يريد القائمين على المؤتمر الحصول على اعتراف دولي بها قد سرق 78% من أرضها.

وكذلك من نتائج المؤتمر تأسيس أول إتحاد صوفي عالمي يضم الطرق والهيئات والمؤسسات والمنظمات بهدف توحيد الصف، وتعديل القانون رقم 118 لسنه 1976م الخاص بالطرق الصوفية في مصر ليتضمن قصر ولاية شيخ مشايخ الطرق الصوفية لتصبح لفترة واحدة أو إثنين على الأكثر، وضمان استقلال المشيخة الصوفية عن الدولة، كما أشاد بيان المؤتمر بالدور الفاعل للمشيخة العامة للطرق الصوفية وثمن خطاب رئيس المشيخة معتبرين ذلك ركيزة أساسية لنهضة إصلاحية.

ودعا القائمين على المؤتمر إلى إنشاء قناة فضائية تهتم بقضايا الأخلاق والقيم الروحية ونبذ العنف والتطرف والغلو، وبين البيان الصحفي الذي صدر عن المؤتمر ضرورة عقد المؤتمر بصورة دورية سنويا.

ومن خلال التأمل في أهداف المؤتمر وطبيعة الحضور ونوعية الرسالة التي يمكن أن تفهم منه، فإننا نجد أن الصوفية وكيفية نقلها للواقع السياسي في الشرق الأوسط هي الغاية الوحيدة لهذا المؤتمر؛ لأن الحضور الحكومي المصري بهذا الشكل يفسر على أنه دور رعاية لهذا المؤتمر الهدف منه تشجيع المشايخ الصوفية على المشاركة في النزاع السياسي الموجود بعد خلع مبارك، وكذلك فإنها فرصة جيدة بالنسبة للإدارة الأمريكية؛ لأن العاطفة الدينية لدى الشعب المصري سيكون أمامها عدة خيارات في الانتخابات القادمة بدلا من خيار واحد تعتبره الولايات المتحدة لا يتماشى مع طموحاتها في المنطقة العربية وهم الإخوان المسلمين والسلفيين، لذلك فإن الحكومة المصرية والأزهر يحاولان إيجاد خيار جديد للشعب المصري من خلاله تقل فرص الإخوان والسلفيين من الفوز في الانتخابات القادمة، وكذلك يوفر غطاء إعلامي كبير لمشايخ الصوفية للقيام بدورهم الذي يريده أصحاب القرار لكي تصبح السلطة بيد "الإسلاميين العقلاء" في نظر الغرب.

المصدر: مجلة البيان
  • 4
  • 1
  • 13,672

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً