أسلوب التربية بالعادة
حسن الخلق بمعناه الواسع يتحقق من وجهين: - الطبع والفطرة. - التعود والمجاهدة.
حسن الخلق بمعناه الواسع يتحقق من وجهين:
♦ الأول: الطبع والفطرة.
♦ والثاني: التعود والمجاهدة.
ومصداق ذلك: ما رواه ابن ماجة بإسناد صحيح عن مُعَاوِيَةَ بْن أَبِي سُفْيَان رضي الله عنه عَنْرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «الْخَيْرُ عَادَةٌ وَالشَّرُّلَجَاجَةٌ، وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ».
وهذا مثال نبوي يوضح هذا الأسلوب:
قال صلى الله عليه وسلم: «علموا أولادكم الصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر» ، فيبدأ تعليم الطفل للصلاة من خلال ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى ما قبل السبع سنوات، وفيها لا يتوجه الأمر للابن مباشرة ولكن نحببه في الصلاة بإيقاظ حسه لها ودعوته لمحاكاة أبيه وأمه فيها، ثم مرحلة ما بعد السبع ودون العشر، وفيها يستخدم أسلوب التربية بالعادة، حيث يوجه الابن للصلاة بالأوامر الترغيبية ومحاولة الإقناع لمدة ثلاث سنوات متتابعة حتى يكتسب الطفل هذه العادة، ولنحسب الآن كم أمر سيوجه للصبي لتحبيبه في الصلاة وحمله عليها:
تأمره لمدة ثلاث سنوات، في كل سنة360 يومًا تقريبًا في 3 سنوات=1080 يومًا في خمس أوامر؛ عند كل صلاة تقول له: صلِّ =1080 × 5 = 5400 أمر بالصلاة بدون ضرب أو نهر.
ولعلكم تنبهتم بارك الله فيكم، إلى أن عامل الوقت مهم جدًا في اكتساب السلوك، والبداية المبكرة مهمة جدًا لذلك، والمتابعة الجادة والتكرار يولدان عند الطفل حب الفعل، ومجرد التوجيه لا يكفي، بل متابعة تؤدي إلى تراكم القيم والمعاني في نفس المتربي، قال ابن خلدون رحمه الله: الملكات إنما تحصل بتتابع الفعل وتكراره.
فإن لم تفد هذه الأوامر المتكررة، جاءت بعدها المرحلة الثالثة ما بعد العاشرة بعقاب الصبي على تركه للصلاة، ولو وفقنا الله في مرحلة التعليم بالعادة لما احتجنا هذه المرحلة.
ومن الجيد: أن نحرص على التكرار مع التنويع في الأساليب، وكم كرر الله تعالى أوامره في كتابه الكريم بأكثر من خطاب، وكم تكررت القصص في القرآن بأكثر من عرض، وكم كرر النبي صلى الله عليه وسلم معالم مهمة في حياة الناس، قال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ} [الزمر: 23].
ولنحذر ها هنا من تكرار عرض مجرد ليس فيه أي طريقة محببة للإقناع، كذكر الدليل أو الفضل أو ضرب المثل، ونحو ذلك من وسائل الإقناع بحجة أنه صبي لا يفهم ولا يقتنع، فقد روى الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: أخذ الحسن بن علي رضي الله عنه صدقة فجعلها في فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كخ كخ» ليطرحها، ثم قال: «أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة» ؟، فمع صغر سن الطفل الذي يقال له: كخ كخ؛ فهو لا يعقل الكلام في الغالب، ومع هذا نهاه النبي صلى الله عليه وسلم وأقنعه بوجه النهي لما ذكر له علته وسببه.
___________________________________________________
الكاتب: د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري