من أسباب الوقاية من العين والمس والسحر والشيطان: الأذان
قال رسول الله ﷺ: «إذا نُودي بالأذان أدبر الشيطان له ضُراط، حتى لا يسمع الأذان، فإذا قُضي الأذان أقبل...»
- التصنيفات: الذكر والدعاء -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا نُودي بالأذان أدبر الشيطان له ضُراط، حتى لا يسمع الأذان، فإذا قُضي الأذان أقبل، فإذا ثوَّب بها أدبر، فإذا قُضي التثويب أقبل يخطر بين المرء ونفسه، يقول: اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر، حتى يَظَلَّ الرجلُ إن يدري كم صلى، فإذا لم يدر أحدُكم كم صلى، فليسجد سجدتين وهو جالس»؛ (رواه البخاري برقم (1222)، ومسلم (389)) .
وفي روايةٍ لمسلم ـ عقب الرواية السابقة ـ (389) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أذَّن المؤذن أدبر الشيطان، وله حُصاصٌ».
معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا نُودي بالأذان أدبر الشيطان له ضراط، حتى لا يسمع الأذان»:
قال القاضي عياض: في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (2/257): قوله: وله حُصاصٌ: بمعنى قوله في الحديث الآخر: «وله ضُراطٌ» .
وقد قيل: الحُصاص شدةُ العَدْوِ، قالهما أبو عبيد.
وقال عاصم بن أبي النجود: إذا صَرَّ بأذنيه ومصَعَ بذَنَبِه وعدا، فذلك الحُصاص، وهذا يصح حمله على ظاهِرهِ؛ إذ هو جسم مُتغذٍّ يصح منه خروج الريح.
وقيل: يُحتمل أنها عبارة واستعارةٌ عن شدة الخوف والنفار، كما يعتري الحمارَ.
وهروب الشيطان عن النداء لعظيم أمره عِندَه، وذلك ـ والله أعلم ـ لما اشتمل عليه من الدعاء بالتوحيد، وإظهار شعار الإسلام، وإعلان أمره كما فَعَل يوم عرفة، لما رأى من اجتماع عباد الله على إظهار الإيمان، وما ينزل عليهم من الرحمة؛ اهـ.
وقال القاضي المالكي: في "المسالك في شرح موطأ مالك" (2/ 328): قال علماؤُنا: هذا الحديث يحتمل الحقيقة والمجاز جميعًا، أما الحقيقة فليس يستحيل أن يكون للشّيطان حُصَاصٌ ـ وهو الضُّراط ـ لما بيَّنَّاه من قبلُ، وذكرنا أنَّه جِسْمٌ من الأجسام مؤتلف من طعامٍ وشرابٍ.
وفي بعض طُرقِ الحديث: إنَّ الشّيطان حسَّاسٌ أو ـ جَسَّاس ـ أو ـ لحَّاس ـ فلا يمتنَع أنّ يكون له حُصَاصٌ، لا سيّما وهو أذل له في الفرار وأبلغ لدخول الرُّعْبِ في قلبه، حتّى لا يملك نفسه من خوف ذِكْر الله؛ اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر: في "الفتح" (2/ 85): قال عياض: يمكن حمله على ظاهره؛ لأنه جسم متغذ يصح منه خروج الريح.
ويُحتمل أنها عبارة عن شدة نفاره، ويقويه رواية لمسلم: له حُصَاصٌ، مهملات مضموم الأول، فقد فسره الأصمعي وغيرُه بشدة العدو.
قال الطيبي: شبه شغل الشيطان نفسه عن سماع الأذان بالصوت الذي يملأ السمع، ويمنعه عن سماع غيره، ثم سماه ضُراطا تقبيحًا له.
تنبيه: الظاهر أن المراد بالشيطان إبليس وعليه يدل كلام كثير من الشراح، كما سيأتي.
ويُحتمل: أن المُراد جنس الشيطان، وهو كل متمرد من الجن والإنس، لكن المراد هنا شيطان الجن خاصة؛ اهـ.
قلتُ: وقد رُوي عن جمعٍ من السلف: أنهم كانوا يُؤذِّنون، إذا خاف أحدُهم أذى الشيطان في داره أو في البريِّة، ونحو ذلك، والله أعلم.