كلنا إيجابيون بالفكرة
- التصنيفات: الشعر والأدب -
رغم عشقي لاستثمار الزمن كأفضل ما يمكن، ومن ثمَّ فكل راتبي ومدَّخراتي، وإرث عيالي، وثروة أهلي، أنفقتها في المواصَلات الخاصة، مع ذلك أحب المواصلات العامة لسببين:
أ) المكان الوحيد الذي أخلو فيه بنفسي (رغم ما يتخيَّله الفرد من ضجيج تلك المقاعد).
ب) قراءة أكبر قدر من المصحف، والذي أنا فاشلة فيه فشلاً يستحقُّ شنقي.
كلَّما ركبت المواصلات العامة أخبرتُ المحصِّل: نزِّلني في المحطَّة الفلانية، كثيرًا ما يَحدث معي أن أصل الكلاكلة وأنا محطتي الصافية، المهم أن هنالك فئة من مساعدي السائقين (يُعرَفون عندنا بالكماسرة) على أخلاقٍ بحق، يتعاطف بنبل شديد مع طلبي، أحد هؤلاء حين نبَّهني لمحطَّتي لاحظتُ السكِّين الضخم في حزام البنطال، وبسرعة خاطبته: يحق لك أن تحمي نفسك، لكن السكين ساعة الغضب قد يكون سببًا في أن ترتكب جريمة بحق غيرك، وبدلاً مِن ذلك يمكنك استخدام عصا أو نعل أو ما شابه من الأشياء التي هي أخف من السكين، ولن تُلحق ضررًا كبيرًا بغيرك، ابتسم وأرجع لي مبلغي.
همسة: (الكماسرة) في زمن ليس بالبعيد كنتُ أحتقِر هذه الفئة؛ أعني الذين يعملون مساعدين في السيارات العامة من الدراسات المرموقة، وكان عندي نظرة سطحية عن تلازم الجدِّ والجهد مع من يدرسون طب الخرطوم وما شابه، من أين أتيتُ بهذه الفكرة؟ لا أدري! لكن الآن صرت أحترمهم أكثر من رجال الأعمال، أتدرون لماذا؟ لأنَّ هذه الشريحة من البشر لا شيء يُجبرهم على هذه الوظيفة بكل مُعاناتها النفسية قبل البدنية غير السعي وراء الكسب الحلال، أنا عن نفسي لو شتَمني أحدُهم معيِّرًا لي بمهنتي الوضيعة لرأى ما لا يُعجبه ولا يعجبني.
تحية إجلال لأصحاب المِهَن الهامشية الحلال.
♦ ♦ ♦
كلنا إيجابيون بالفكرة:
اضطرني الرقم الوطني لدخول المحكمة، وكالعادة على عجلة من أمري، قال لي الموظَّف: لا توجد استمارات فارغة، وهو لا يدري أنني استأجرتُ سيارةً خاصة، وهي تنتظرني بالخارج، كما أن مفاتيح مكتب المدرسة التي أعمل مديرةً فيها توجد معي، وهذا يستوجب عليَّ الرجوع باكرًا، أخذت نُسخة من الاستمارة، وذهبتُ بالسيارة نفسِها، وصوَّرت كمية كبيرة من الاستمارات، رفَع الموظَّف حاجبَيه مندهشًا، وقال: تكفيكِ واحدة، أجبته: تضامنًا مع الحكومة، أو بالأصح تضامنًا مع كل من سيضيع يومه بسبب استِمارة تصويرُها بـ: خمسمائة قرش.
♦ ♦ ♦
إيجابيون بالفكرة:
كتبتُ تعميمًا لمُعلِّماتي مفادُه منْع التجمُّعات النسوية، والوقت للعمل وزمن الحصة الدراسية مع الطالبات للشرح لا لشيء غيره، ووقت الإفطار كافٍ جدًّا للنصيب الاجتماعي، وكل مَن تُخالف لن أجادلها، لكن سيترتَّب خصم مالي لمخالفة الإدارة، ومع الإصرار ستعلَم أنه أول مسمار في نعش استقالتها البطيئة، مَن وافقَني أهلاً وسهلاً، وحيَّاه ربي وبيَّاه، وعلى العين والرأس، من خالفني بإصرار وبعد الحوار يعاند فلنتفارق باحترام، الشجار لغة السفهاء فقط.
سألنَني: لم يا أم غسان؟ لم لا تسمَحين باجتماعاتنا؟! أجبتهنَّ بمنتهى الصدق: والله أريد حمايتكنَّ من إمضاء الوقت في الغِيبة والنميمة والوقوع في أعراض الآخرين، فابتسمْنَ جميعهنَّ واللهِ!
_____________________________________________________________
الكاتب: أم غسان أماني محمد