عرفات بين البركات والرحمات
أيها الإخوة الكرام: إذا كنا هذه الأيام نعيش أعظم أيام الدنيا وهم العشر الأول من ذي الحجة فنحن على موعد مع أعظم تلك الأيام وهو يوم عرفة اليوم التاسع من ذي الحجة..
أيها الإخوة الكرام: إذا كنا هذه الأيام نعيش أعظم أيام الدنيا وهم العشر الأول من ذي الحجة فنحن على موعد مع أعظم تلك الأيام وهو يوم عرفة اليوم التاسع من ذي الحجة..
جعلت أقلب الفكر في أعظم الأيام على مدار العام فلم أجد أفضل من يوم عرفة فهو بين أفضل الأيام هو (الأبرز) وهو ( الأكرم) وهو الأعظم)
وهذه بعض الأدلة:
يوم عرفة: هو أحد أفضل أيام الدنيا قال النبي عليه الصلاة والسلام «أَفْضَلُ أَيَّام الدُّنْيَا أَيَّامُ الْعَشْرِ»
ثم إن الله تعالى أقسم ب ( يوم عرفة) في القرآن الكريم وقد بلغنا أن الله تعالى لا يقسم إلا بعظيم قد عظمه الله عز وجل قال الله تعالى { ﴿ وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ ﴾ ﴿ وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ ﴾ ﴿ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ﴾ ﴿ قُتِلَ أَصْحَٰبُ ٱلْأُخْدُودِ ﴾}
من بين ما ورد في تفسير هذه الآيات أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر (اليوم الموعود) بيوم القيامة، وفسر (الشاهد) بيوم الجمعة، وفسر ( المشهود) بيوم عرفة..
ثم إن يوم عرفة هو اليوم الذي أكمل فيه الدين، وأتم فيه النعمة على المسلمين..
أيها الإخوة الكرام: ألم تروا إلى قول الله تعالى :الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) هذه الآية في أغلب أقوال أهل العلم أنها آخر آية نزلت من القرآن الكريم على قلب النبي محمد عليه الصلاة والسلام..
- عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه،أَنَّ رَجُلًا، مِنَ اليَهُودِ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ.. (وعمر بن الخطاب رضى الله عنه هو أول من لقب ب(أمير المؤمنين) لقبه بها ( عدي بن حاتم الطائي) رضي الله عنه..)
رَجُل مِنَ اليَهُودِ قَالَ في يوم من الأيام ل (عمر) يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا، لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ اليَهُودِ نَزَلَتْ،لاَتَّخَذْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ عِيدًا فقَالَ عمر رضي الله عنه: أَيُّ آيَةٍ؟
قَالَ: اليهودي { (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)} ،فقَالَ عُمَرُ: «قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ، وَالمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ ، وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ»
ألم تروا أيها المؤمنون إلى قول الله تعالى {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِىٓ آدم } الآية من سورة الأعراف.. هذه الآية ماذا تقول؟
هذه الآية تقول: إن الله تعالى في مبدأ الخلق استخرج ذرية آدم عليه السلام، استخرجهم من ظهره وأحياهم، ثم نَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ سبحانه وتعالى ك(الذَّرّ) وجعل لهم عقلا وإدراكا ، ثمَّ كَلَّمَهُمْ فقالَ:{ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ)؟ فأجابوه (قَالُوا بَلَى شَهِدْنَآ } أي أنت ربنا، ورد في صحيح الجامع عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن أخذ العهد والميثاق بين الله تعالى وبين آدم وذريته وإقرارهم بوحدانيته سبحانه وتعالى كان في يوم عرفة..
قد علمنا أن كل ليلة من ليالي رمضان محلا للعتق من النار قال النبي عليه الصلاة والسلام عن رمضان (... ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة)
لم يعرف العتق من النار طريقه إلى العباد إلا في( الليالي) المباركة، لتبقى فضيلة ومكرمة وفريدة ليوم عرفة أنه اليوم الأوحد الذي جعله الله تعالى محلا لعتق الرقاب من النار ومن عذاب النار ( نهارا) قال النبي عليه الصلاة والسلام (مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ)؟ .
وعلى الرغم من أني لا أفاضل بين ليلة القدر، وبين يوم عرفة في الفضل إلا أني أقول ليلة القدر ليلة مجهولة بين ليالي الوتر من العشر الأواخر من رمضان، أما يوم عرفة فيوم معلوم هو التاسع من ذي الحجة وهو ثابت لا يتغير ولا يتبدل..
وعلى الرغم من أني أيضا لا أفاضل بين ليلة القدر وبين يوم عرفة إلا أني أعود فأقول ليلة القدر هى ليلة القدر لأنه تتنزل الملائكة والروح فيها، أما يوم عرفة فيتنزل فيه ( قيوم السموات والأرض) سبحانه وتعالى..
وما من ليلة من الليالي إلا ويتنزل فيها الكريم سبحانه وتعالى وقت ( السحر) تنزلا يليق بجماله وكماله فيقول هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من كذا؟ هل من كذا؟ حتى يطلع الفجر..
إلا في يوم عرفة!! فإنه في ليلته يتنزل سبحانه وتعالى كما يتنزل كل ليلة فيقول هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من كذا؟ هل من كذا؟ حتى يطلع الفجر، ثم يتنزل سبحانه في يوم عرفة نهارا فيدنو سبحانه وتعالى فينظر إلى عباده فيُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ ويَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟).
ورد في أحاديث بلغت حد الكثرة عن النبي عليه الصلاة والسلام أن لله عز وجل في عموم الأيام الكريمة وفي عموم الليالي الشريفة نفحات وبركات ورحمات يصيب الله تعالى بها عباده...
غير أنه لم يبلغنا، ولم نعلم أن الشيطان بكى أو تحسر أو تأثر من نزول رحمة من الرحمات أو نفحة من النفحات، كما يبكي الشيطان وكما يتأثر ويتحسر من نزول الرحمات في يوم عرفة، فالشيطان في يوم عرفة أغيظ ما يكون، أدحر ما يكون، أصغر ما يكون، أحقر ما يكون..
قال النبي عليه الصلاة والسلام «( مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلَا أَدْحَرُ وَلَا أَحْقَرُ وَلَا أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنْ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ إِلَّا مَا أُرِيَ يَوْمَ بَدْرٍ قِيلَ وَمَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ أَمَا إِنَّهُ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ الْمَلَائِكَةَ)» . والمعنى أن الشيطان رأى جبريل عليه السلام في خمسة آلاف من الملائكة يحثهم ويرغبهم في نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلّم وفي قتال المشركين..
يومها كان الشيطان أغيظ وأصغر وأدحر وأحقر وأذل وأخنس وأخوف من أي وقت آخر ولعل هذا هو المشار إليه في قول الله تعالى {﴿ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَٰنُ أَعْمَٰلَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّى جَارٌ لَّكُمْ ۖ فَلَمَّا تَرَآءَتِ ٱلْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّى بَرِىٓءٌ مِّنكُمْ إِنِّىٓ أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّىٓ أَخَافُ ٱللَّهَ ۚ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ ﴾ }
أيها الإخوة الكرام:
هذا هو يوم عرفة، وهذه بعض فضائله فترقبوه، والتمسوه، وصوموه، وخذوه ولا تضيعوه، فإن المحروم من حرم الخير في مثل هذه الأيام..
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يبلغنا يوم عرفة وأن يجعلنا من عتقاء يوم عرفة، وأن يجعلنا من الفائزين المقبولين إنه ولي ذلك وهو على كل شيء قدير.
الخطبة الثانية
بقى لنا في ختام الحديث عن بعض فضائل يوم عرفة، بقى لنا أن نقول: وماذا علينا فعله؟
رجاء أن يرحمنا ربنا برحمته.. ماذا علينا أن نفعل؟
رجاء أن يعتق الله تعالى رقابنا من النار.. ماذا نصنع؟
رجاء أن ينظر الله تعالى علينا بعين إحسانه وإنعامه في يوم عرفة.. ماذا نقول؟
والجواب باختصار..
أولا رطب لسانك في هذا اليوم العظيم فلا تكل ولا تمل من كثرة ذكر الله سبحانه وتعالى ( سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ولا إله إلا الله) ولا تكل ولا تمل من كثرة الدعاء في يوم عرفة لنفسك ووالديك،وزوجك، ومالك، وعيالك، قال النبي عليه الصلاة والسلام «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ»
وقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «( أَفْضَلُ الدُّعَاءِ يَوْمَ عَرَفَةَ) » يَعْنِي أَكْثَرَ الذِّكْرِ بَرَكَةً، وَأَعْظَمَ الذكر ثَوَابًا، وَأَقْرَبَهُ إجَابَةً، ما وقع في يوم عرفة..
ومن السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن يكبر المسلمون تكبيرا مقيدا بعد كل صلاة مكتوبة من فجر يوم عرفة وإلى عصر اليوم الثالث من أيام التشريق فخلال هذه الفترة وبعد كل صلاة نقول جميعا ( الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد)
ومن أبواب الخير في يوم عرفة: صيام يوم عرفة..
« قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ فَهَذَا صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ وصِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ)»
أيها الإخوة الكرام:
إن الله تعالى يعاملنا بفضله، ويغمرنا بكرمه، ويرضى منا بالقليل من العمل ويؤتينا أجورنا أضعافا مضاعفة ( أحسانا وإنعاما) منه سبحانه وتعالى..
لكن على المؤمن أن يتحرك وأن يسعى وأن يعرض نفسه لرحمات الله ونفحاته، وأن يجتهد والله تعالى يقول: {﴿ وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُوا۟ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾}
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرحمنا برحمته، وأن يشرح صدورنا لطاعته، وأن يتقبلنا جميعا في الصالحين...
- التصنيف: