أسباب الغيبة

منذ 2023-07-08

فَإِذَا رَأَيْتَ إِنْسَانًا مُبْتَلًى بِسَبِّ الغَوَافِلِ وَأَكْل لُحُومِهم يُريد بذلكَ رِفعةَ نَفْسِهِ وَخَفْض الغَيْرِ فَقل له: اتَّقِ الله هذا لا يَرفَعُكَ، وَلا يزيلُ مَا فِيكَ مِن النقائصِ، اقْتَصِرْ على تَأمُّلِ عُيوبكَ فَهُو أَوْلَى بِكَ يا مَغْرُور.

وَأَسْبَابُ الغِيبَةِ أَحَدَ عَشَرَ:

1- تَشَفِّي الغَيْظِ بِذِكْرِ مَسَاوِي الْمَوْقُوعِ في عِرْضِهِ بِالغِيبَةِ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا.

 

2- مُوَافَقَةُ الأَقْرَانِ وَالزُّمَلاءِ وَمُسَاعَدَتُهُمْ، وَيَرَى ذَلِكَ فِي حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ، وَأَنَّهُ لَوْ أَنْكَر عليهم اسْتَثْقَلُوه فيُسَاعِدُهم على ذلك.

 

3- أَنْ يَسْتَشْعِرَ من إِنْسَانٍ أَنَّهُ سَيَقْصِدُهُ وَيُطَوِّلُ لِسَانَهُ عَلَيْهِ، أَوْ يَقْبِّحَ حَالَهُ عِنْدَ مُحْتَشِمٍ، فَيُبَادِرَهُ فَيَطْعنُ فِيهِ لِيُسْقِطَ شَهَادَتَهُ، أَوْ يَبْتَدِئ بِذكر ما فيه صَادِقًا عَلَيْهِ لِيَكْذِبَ عَلَيْهِ بَعْدَهُ، فَيُروِّج كذِبَهُ بِالصِّدْقِ الأول، نَسأل الله العافية.

 

وَلْيَحْذَرِ الإنْسَانُ من ذِي الوَجْهَين الذي يَأْتِي هَؤُلاء بوجْه وهَؤُلاء بوجه قال بعضهم:

يَسْعَى عَلَيْكَ كَمَا يَسْعَى إِلَيْكَ فَلا  **  تَأْمَنْ غَوَائِلَ ذِي وَجْهَينِ كَذَّابِ 

 

4- أَنْ يُنْسَبَ إِلَيْهِ شَيْءٌ فَيَذْكُرَ أَنَّ الذِي فَعَلَهُ فُلانٌ، وَيَتَبَرَّأَ مِنْهُ، مَعَ أَنَّ التَّبَرُّؤَ يَحْصَلُ بِدُونِ أَنْ يَذْكُرَ الغَيْرَ بِشَخْصِهِ.

 

5- أَنْ يَنْطَوِي عَلَى عَدَاوَةِ شَخْصٍ وَيَحْسِدَهُ فَيَرْمِيهِ بِمَساوِئ وَمَعايِبَ يَنْسِبُهَا إِلَيْهِ؛ لِيَصْرِفَ وُجُوهَ النَّاسِ عَنْهُ وَيُسْقِطَ مَهَابَتَهُ وَمَكَانَتَهُ من النُّفُوسِ، وَيَقْصِدُ بِذَلِكَ إِثْبَاتَ فَضْلِ نَفْسِهِ، وَلَكِنَّ العَاقِلَ اللَّبِيبَ يَعْرِفُ أَنَّهُ مَا أَضَر عَلَى الأَعْدَاءِ وَلا أَشَد من التَّمَسُّكِ بِالأَخْلاقِ الفَاضِلَةِ وَالاعْتِرَافِ بالفَضْلِ لأَهْلِهِ كَمَا قِيلَ:

وَمَا عَبَّرَ الإِنْسَانُ عَنْ فَضْلِ نَفْسِــــهِ  **  بِمِثْل اعْتِقَادِ الفَضْلِ فِي كُلِّ فَاضِلِ 

وَلَيْسَ من الإنْصَافِ أَنْ يَدْفَعَ الفَتَى  **  يَدَ النَّقْصِ عَنْهُ بِانْتِقَاصِ الأَفَاضِـلِ 

 

آخر:

أَرَى كُلَّ إنْسَانٍ يَرَى عَيْبَ غَيْـره  **  وَيَعْمَى عَنْ العَيب الذي هو فيه 

وما خَيْرُ مَنْ تَخْفَى عَلَيْهِ عُيُوبُهُ  **  وَيَبْدُو لَهُ العَيْبُ الذي بَأَخِيـــــهِ 

وَكَيْفَ أَرَى عَيْبًا وَعَيْبِي ظَاهِـــرٌ  **  وَمَا يَعْرِفُ السَّوْءاتِ غَيْرُ سَفِيهِ 

 

فَإِذَا رَأَيْتَ إِنْسَانًا مُبْتَلًى بِسَبِّ الغَوَافِلِ وَأَكْل لُحُومِهم يُريد بذلكَ رِفعةَ نَفْسِهِ وَخَفْض الغَيْرِ كَأنْ يَقُولَ: فلانٌ جَاهِلٌ، أَوْ فَهْمُهُ ضَعِيف، أو لا يُحْسِنُ التعليمَ، أو عِبَارَتُه رَكِيكَةٌ، أَوْ لا يُحْسِنُ الْخِطَابَةَ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا تَتَدَرَّجُ بِهِ إِلى إظْهَارِ فَضْلٍ لِنَفْسِهِ بِسَلامتِهِ من تِلْكَ العُيوبِ وَالنَّقَائِصِ، فَقل له: اتَّقِ الله هذا لا يَرفَعُكَ، وَلا يزيلُ مَا فِيكَ مِن النقائصِ، اقْتَصِرْ على تَأمُّلِ عُيوبكَ فَهُو أَوْلَى بِكَ يا مَغْرُور.


6- أَنْ يَقْدَحَ عِنْدَ من يُحِبُّ الشَّخْصَ حَسَدًا لإكَرَامِهِمْ وَمَحَبَّتِهِمْ لَهُ.

 

7- أَنْ يَقْصِدَ اللَّعِبَ وَالهَزَلَ وَالْمُزَاحَ وَالْمُطَايَبَة وَيُضْحِكَ النَّاسِ.

 

8- السُّخْرِيَةُ وَالاسْتِهْزَاءُ بِالشَّخْصِ اسْتِحْقَارًا لَهُ، وَهُوَ يَجْرِي فِي الْحُضُورِ وَالغَيْبَةِ، وَمَنْشَؤُهُ التَّكَبُّرُ وَاسْتِصْغَارُ الْمُسْتَهْزَأ بِهِ وَازْدِرَاؤُهُ، وَهَذَا غَالبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ نَزلَتْ هِمَّتُهُ وَرَكَّتْ حالتُه وَصَارَ يُضْحِكُ النَّاس.

 

شِعْرًا:

إِنْ صُمْتَ عَنْ مَأْكَلِ العادي وَمَشْرَبِهِ  **  فَلا تُحَاوِلْ عَلَى الأعْرضِ إِفْطَارَا 

 

 

9- أَنْ يَتَعَجَّبَ من فِعْلِ الغَائِبِ لِلْمُنْكَرِ، وَهَذَا من الدِّينِ لَكِنْ أَدَّى إِلى الغَيبَةِ بِذِكْرِ اسْمِهِ فَصَارَ مُغْتَابًا من حَيْثُ لا يَدْرِي.

 

10- أَنْ يَغْتَمَّ لِسَبَب مَا يُبْتَلَى بِهِ فَيَقُولُ: مِسْكِينٌ فُلانٌ قَدْ غَمَّنِي أَمْرُهُ وَمَا ابْتُلِي بِهِ مِن الْمَعْصِيَةِ، وَغَمُّهُ وَرَحْمَتُهُ خَيْرٌ، لَكِنْ سَاقَهُ إِلى شَرٍّ وَهُوَ الغِيبَةُ من حَيْثُ لا يَدْرِي أَنَّهُ صَاغَهَا بِصِيغَةِ التَّرَحُّمِ وَالتَّوَجُّعِ.

 

11- إظْهَارُ الغَضَبِ للهِ عَلَى مُنْكَرٍ قَارَفَه إِنْسَانٌ، فَيَذْكُرُ الإنْسَانَ بِاسْمِهِ، وَكَانَ الوَاجِبُ أَنْ يُظْهِرَ غَضَبَهُ عَلَى فَاعِلِهِ وَلا يُظْهِرَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ، بَلْ يَسْتُرُ اسْمَهُ، وَهَذِهِ الثَّلاثَةُ رُبَّمَا تَخْفَى عَلَى العُلَمَاءِ وَطَلَبَةِ العِلْمِ فَضْلًا عَنْ العَوَامِّ، وَلِذَلِكَ تَسْمَعُ مِنْهُمْ كَثِيرًا مَا يَقُولُونَ: فُلانُ وَنِعْمَ لَوْلا أَنَّهُ يَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا يُعَامِلُ بالرِّبَا مَثَلًا.

 

وَكَانَ الوَاجِبُ نُصْحُه بَدَلَ الغِيبَةِ، وَلَكِنْ يَا أَخِي بَشِّرْ الموقوع في عِرْضِهِ بِغيبَةٍ أَوْ قَذْفٍ أَوْ سَبٍّ أَوْ نَمٍّ، أَوْ نَحْو ذلك، بأنَّهُ سَيَفرحُ وَيَسْترُ حِينَ مَا يَأخُذُ حَسَنَاتٍ مَا تَعِبَ بِهَا فِي لَيْل ولا نَهَارٍ صَيْفٍ وَلا شِتَاءٍ، وَهَلْ أَحْلَى وَأَلَذ من حَسَنَاتٍ تَأَتِيكَ مَا تَعِبْتَ بِهَا.

 

شِعْرًا:

يُشَارِكُكَ الْمُغْتَابُ فِي حَسَنَاتِــــــــــــهِ  **  وَيُعْطِيكَ أَجْرَى صَوْمِهِ وَصَلاتِهِ 

وَيَحْمِلُ وِزْرًا عَنْكَ ظَنَّ بِحَمْلِـــــــــــــهِ  **  عَنْ النُّجْبِ من أَبْنَائِهِ وَبَنَاتِـــــهِ 

فَكَافِيهِ بِالْحُسْنَى وَقُلْ رَبِّ جَـــــــــازِهِ  **  بِخَيْرٍ وَكَفِّرْ عَنْهُ من سَيَّئَاتِــــــهِ 

فَيَا أَيُّهَا الْمُغْتَابُ زِدْنِي فَإِنْ بَقِــــــــــي  **  ثَوَابُ صَلاةٍ أَوْ زَكَاةٍ فَهَاتِـــــــهِ 

فَغَيْرُ شَقِيٍّ من يَبِيتُ عَـــــــــــــــــدُوُّهُ  **  يُعَامِلُ عَنْهُ اللهَ فِي غَفَلاتِــــــهِ 

فَلا تَعْجَبُوا من جَاهِلٍ ضَرَّ نَفْسَـــــــــهُ  **  بإمْعَانِهِ فِي نَفْعِ بَعْضِ عُدَاتِــــهِ 

وَأَعْجَبُ مِنْهُ عاَقِلٌ بَاتَ سَاخِطًــــــــــا  **  عَلَى رَجُلٍ يُهْدِي لَهُ حَسَنَاتِـــــهِ 

وَيَحْمِلُ من أَوْزَارِهِ وَذُنُوبِــــــــــــــــــهِ  **  وَيَهْلَكُ فِي تَخْلِيصِهِ وَنَجَاتِــــهِ 

فَمَنْ يَحْتَمِلْ يَسْتَوْجِبِ الأجْرَ وَالثَّنَـــا  **  وَيُحْمَدُ في الدُّنْيَا وَبَعْدَ وَفَاتِـــهِ 

وَمَنْ يَنْتَصِفْ يَنْفَخْ ضِرًا مَا قَدْ انْطَفَى  **  وَيَجْمَعُ أَسْبَابَ الْمَسَاوِي لِذَاتِــهِ 

فَلا صَالِحٌ يُجْزَى بِهِ بَعْدَ مَوْتِــــــــــــهِ  **  وَلا حَسَنٌ يُثْنَى بِهِ فِي حَيَاتِــــهِ 

يَظَلَّ أَخُو الإِنْسَانِ يَأْكُلُ لَحْمَـــــــــــهُ  **  كَمَا فِي كِتَابِ اللهِ حَالَ مَمَاتِــــهِ 

وَلا يَسْتَحِيي مِمَّنْ يَرَاهُ وَيَدَّعِــــــــي  **  بَأنَّ صِفَاتِ الكَلبِ دُونَ صِفَاتِــــهِ 

وَقَدْ أَكَلا من لَحْمِ مَيْتٍ كِلاهُمَـــــــــا  **  وَلَكَنْ دَعَا الكَلْبَ اضْطِرَارُ اقْتِيَاتِهِ 

تَسَاوَيْتُمَا أَكْلا فَأشْقَاكُمَا بِــــــــــــــهِ  **  غَدَا مَنْ عَلَيْهِ الْخَوْفُ من تَبَعُاتِـــهِ 

وَمَا لِكَلامٍ مَرَّ كَالرِّيحِ مَوْقِـــــــــــــعٌ  **  فَيَبْقَى عَلَى الإِنْسَانِ بَعْضُ سِمَاتِـهِ 

_______________________________________________________
الكاتب:الشيخ عبدالعزيز السلمان

  • 1
  • 0
  • 389

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً