عمل الشيطان
قال الله جل جلاله: {وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النور: 21].
قال الله جل جلاله: {وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النور: 21].
قال ابْن عَبَّاسٍ: {خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} : عَمَله.
ماذا أراد ابن عباس بعمل الشيطان؟
ظل هذا السؤال عالقًا في ذهني، وكان تفسير من قال: إن خطوات الشيطان هي نزغاته أوضح لي وأقرب إلى فهمي، حتى تأملت قول الحق تعالى عن موسى لما قتل القبطي: {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [القصص: 15]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم-في الصحيح-: «لو تفتح عمل الشيطان».
قال النووي: أي: يلقي في القلب معارضة القدر، ويوسوس به الشيطان، هذا كلام القاضي؛ (شرح النووي على مسلم 16/ 216، وفتح الباري 13/ 228).
وباستخدام محركات البحث، وافقني قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90].
وَبهذا يتبيَّن أن تفسير ابن عباس لخطوات الشيطان بعمل الشيطان أضبط من تفسير غيره؛ لأنه من تفسير القرآن بالقرآن وبالسنة، وهو أعلى أنواع التفسير.
وعمل الشيطان في الخاطر والقلب والجوارح موجب للاستعداد وأخذ الحيطة والحذر؛ قال سبحانه: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 6]، وفسَّر السعدي حضور الشياطين في الآية: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} [المؤمنون: 97، 98] فسرها بمباشرتهم ومسهم، فقال في بيان ذلك: أعوذ بك من الشر الذي يصيبني بسبب مباشرتهم وهمزهم ومسهم، ومن الشر الذي بسبب حضورهم ووسوستهم.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ (2033) عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه حتى يحضر عِنْدَ طَعَامِهِ، فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمُ اللُّقْمَةُ فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى ثُمَّ لْيَأْكُلْهَا وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، فَإِذَا فَرَغَ فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ البركة».
توسَّع متأخِّرو المفسرين في بسط العبارة، فقالوا في معنى خطوات الشيطان: لا تتبعوا تزيين الشيطان ووساوسه ومسالكه ومذاهبه وطرائقه التي يدعوكم إليها ويأمركم بها.
الملجأ في الخلاص من خطوات الشيطان:
قال سبحانه: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 83]، فإذا لجأ العبد إلى ربه واعتصم به واجتهد في ذلك، لطف به ربُّه ووفَّقَه، وعصمه من الشيطان الرجيم.
ومن الوسائل العملية: ما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «قُلْ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] وَالمُعَوِّذَتَيْنِ، حِينَ تُمْسِي وَتُصْبِحُ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ»؛ (رواه أبو داود (5082) والترمذي (3575) وصحَّحَه).
ولما استنصح أبو بكر رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم فيما يقول إذا أصبح وإذا أمسى، علَّمه النبي صلى الله عليه وسلم دعاءً مشتملًا على التعوُّذ بالله من شرِّ الشيطان وشركه؛ (رواه الترمذي (3529).
قال السعدي في تتمة الآية التي جاء فيها ذكر خطوات الشيطان: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} [النور: 21]، قال: أي: ما تطهر من اتباع خطوات الشيطان؛ لأن الشيطان يسعى هو وجنده في الدعوة إليها وتحسينها، والنفس ميالة إلى السوء، أمَّارة به، والنقص مستولٍ على العبد من جميع جهاته، والإيمان غير قوي، فلو خلي وهذه الدواعي، ما زكى أحد بالتطهُّر من الذنوب والسيئات والنماء بفعل الحسنات، فإن الزكاء يتضمن الطهارة والنماء، ولكن فضله ورحمته أوجبا أن يتزكَّى منكم مَنْ تزكَّى.
وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم آتِ نفسي تقواها، وزكِّها أنت خير من زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها»؛ ا ه.
يُنظَر: تفسير السمرقندي (2/ 504)، وتفسير القرطبي (12 / 206)، وتفسير ابن كثير، ت: سلامة (6/ 30)، وتفسير السعدي (ص564).
الخطوة تليها خطوة والمعصية تجُرُّ أختها:
روى طاوس عن رجل فيما خلا من الزمان، وكان عاقلًا لبيبًا، أنه قال: (إذا اطلَعْتُم على فجرة رجل فاحذروه فإن لها أخوات).
يُنظَر: جامع معمر بن راشد الملحق بمصنف عبدالرزاق (20990)، باب المعدن الصالح.
- التصنيف: