ليبيا بحاجة لقائد جديد
ملفات متنوعة
أنهى يوم الخميس الماضي حقبة من تاريخ جماهيرية العقيد (معمر القذافي) لتنتقل ليبيا إلى مستقبلها الذي لا يزال غامضًا، لكن الكثيرين يتوقعون أن يكون أفضل بعد غياب (القذافي) الذي قُتل برصاصات أطلقها عليه ثوار (17 فبراير).
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
أنهى يوم الخميس الماضي حقبة من تاريخ جماهيرية العقيد (معمر القذافي) لتنتقل ليبيا إلى مستقبلها الذي لا يزال غامضًا، لكن الكثيرين يتوقعون أن يكون أفضل بعد غياب (القذافي) الذي قُتل برصاصات أطلقها عليه ثوار (17 فبراير). وتأجل موعد إعلان تحرير كامل التراب الليبي مرة أخرى، بعد أن كان من المقرر أن يعلن يوم الجمعة، ثم تم تأجيله إلى السبت، وقال وزير الإعلام في المجلس الانتقالي إن الإعلان سيكون عصر يوم الأحد في الساعة الرابعة بعد الظهر بتوقيت (غرينتش). وأضاف: "سيكون إعلانًا عامًا، أعتقد أنه سيكون في الميدان الرئيسي في بنغازي من جانب رئيس المجلس الوطني الانتقالي (مصطفى عبد الجليل)".
وتم اختيار بنغازي لإعلان التحرير باعتبارها مهد الثورة بحسب تصريحات المسؤولين في المجلس الانتقالي، وتقول وكالة رويترز إن الاختيار بين بنغازي وطرابلس كمكان لصدور الإعلان كان محل جدل وتكهنات منذ مقتل (القذافي) أمس الخميس، وبعد أن تم القضاء على (القذافي) أعلن الأمين العام لحلف ناتو (أندرس فوغ راسموسن) الجمعة: "أن الحلف يتجه لإنهاء عملياته في ليبيا بعد مقتل العقيد (معمر القذافي) مشيرًا إلى أن الحلفاء اتخذوا قرارًا مبدئيًا بإنهاء العمليات يوم (31 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري)".
وجرى تعقب العقيد الليبي (معمر القذافي) الهارب منذ شهرين وقتله في مسقط رأسه سرت الخميس، وسُئل (راسموسن) عن مصير (سيف الإسلام) نجل القذافي الأبرز؟ فقال: "إن الناتو لا يعرف مكانه". من جهته أشار وزير خارجية فرنسا (آلان جوبيه) الجمعة: (إلى أن بلاده تعتبر أن العمليات العسكرية التي يشنها الناتو في ليبيا قد انتهت عقب مقتل (القذافي) الخميس) ولكنه أشار إلى بعض الإجراءات الانتقالية التي ستتم خلال الأسبوع المقبل. غير أن الرئيس الفرنسي (نيكولا ساركوزي) كان أكثر حذرًا، إذ لم يزد على القول: "سنصل إلى قرار مع حلفائنا، كما سنستمع للمجلس الوطني الانتقالي" قبل أن يضيف: "توشك العملية أن تضع أوزارها".
معضلة دفن العقيد:
أثارت المشاهد الذي نقلتها وكالات الأنباء حول ظروف مقتل (معمر القذافي) جدلاً واسعًا وطالبت الولايات المتحدة الأمريكية بالتحقيق في ظروف مقتله، وبعض المحللين قالوا إن الزيارة المفاجئة التي قامت بها وزيرة الخارجية الأمريكية (هيلاري كلينتون) لربما كان لها صلة بتسريع مقتل (القذافي) في سرت بعد مطاردة طويلة، وذهب البعض بالقول إلى أن العقيد كان له علاقات مشبوهة حول العالم، لذلك كانت بعض الجهات معنية بقتله وعدم إتاحة فرصة للتحقيق معه خوفًا من كشف أسرار قد تسيء للبعض في ليبيا وخارجها.
وبحسب ما نشرته قناة العربية فإنه تم إلقاء القبض على العقيد (القذافي) حيًا وقام بإلقاء سلاحه وتسليم نفسه هو ونجله، ونشرت مشاهد له وهو يمشي على قدميه وبعد ذلك تعرض لإصابتين واحدة في الرأس وأخرى في البطن، وبحسبها فإن بطئ الإجراءات الإسعافية سرعت في موته، وفي نفس السياق فقد طالبت أرملة العقيد الليبي الراحل (معمر القذافي) الأمم المتحدة بالتحقيق في ملابسات موت زوجها بعدما اعتقل حيًا من طرف قوات النظام الجديد في ليبيا.
وقالت (صفية القذافي) لتلفزيون الرأي السوري الموالي لزوجها: "نطالب الأمم المتحدة بالتحقيق في ظروف موت المجاهد (معمر القذافي) وكذلك وفاة ابنه (المعتصم)".
يذكر أن (صفية) قد فرت بصحبة ثلاثة من أبناء (القذافي) وهم: (محمد، وهنيبعل، وعائشة) إلى الجزائر في أغسطس/ آب الماضي، في حين فرّ ابنه (الساعدي) إلى النيجر.
وقتل ثلاثة من أبناء (القذافي) منذ بداية الثورة وهم: (معتصم، وسيف العرب، وخميس) بينما لا يزال مصير ابنه (سيف الإسلام) مجهولًا، وقد ترددت أنباء عن مقتله في حين ذكرت بعض المصادر أنه فر هو أيضًا باتجاه النيجر.
و لم يعلن المجلس الانتقالي الليبي عن موعد ومكان دفن العقيد الليبي، الذي حكم لأكثر من أربعين سنة، فقد صرح وزير الإعلام بالانتقالي (محمود شمام) بأن القرار لم يتخذ بعد بشأن موعد أو موقع دفن العقيد، وقال المتحدث باسم المجلس العسكري لمصراتة (فتحي علي باشا أغا) لوكالة الصحافة الفرنسية إنه: "مازال ينبغي إجراء تحليل للحمض النووي وهو ما سيستغرق يومين".
وقال مراسل قناة الجزيرة إن: "سكانًا من مصراتة كانوا قرروا دفن جثة (القذافي) في البحر، غير أن الشيخ (الصادق الغرياني) الذي يحظى بالاحترام في ليبيا، منع ذلك وطالب بدفنه وفقًا لمقتضيات الشريعة الإسلامية". وطالبت محكمة الجنايات الدولية بعدم دفن الجثة للتأكد من أنها تخص العقيد بغية إغلاق ملف القضية الخاصة (بالقذافي) حيث كان مطلوبًا للمحكمة برفقة نجله (سيف الإسلام) ومدير مخابراته (عبد الله سنوسي).
ونقلت رويترز عن العضو بالمجلس الانتقالي (عبد السلام) عليوة أن (القذافي) الذي عرضت جثته بالمشرحة أمام مواطني مصراتة، سيدفن وفقًا للشريعة الإسلامية خلال 24 ساعة.
ونقلت رويترز عن قائد ميداني آخر تابع للمجلس يدعى (عبد المجيد مليقطة) قوله: "إن مفاوضات تجري حاليًا مع قبيلة القذاذفة التي ينتمي إليها العقيد، وإن المجلس على استعداد لتسليمهم الجثة إذا ما أرادت القبيلة ذلك، وإلا فإن الانتقالي سيقوم بعمليات الدفن بنفسه".
وأظهرت لقطات فيديو (القذافي) وهو يصرخ بصوت عالٍ، وهو مضرج في دمائه بشريط فيديو رديء التصوير: "ارحموني، ارحموني، ألا تعرفون معنى الرحمة؟". ويتواصل الغموض بشأن ملابسات موت (القذافي) وهو ما دفع المفوضية العليا لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة للمطالبة بإجراء تحقيق لكشف تفاصيل اعتقال ومقتل العقيد، وبخصوص مصير (سيف الإسلام) فقد قال ثوار ليبيون: "إنه لا يزال على قيد الحياة وإنه حاول الهروب من ليبيا اليوم الجمعة، بعدما كان أعلن أمس الخميس أنه لقي حتفه".
وبحسب قناة الجزيرة فإن قافلة مكونة من (12عربة) رصدها الثوار وهي تغادر سبها متجهة إلى النيجر، غير أن مطالبتهم بقصفها من قبل طائرات حلف شمال الأطلسي (ناتو) لم تلق استجابة، مشيرًا إلى أن المعلومات لم تحدد من كان ضمن أعضاء القافلة.
مستقبل مخيف:
إن لجوء الناس إلى حمل السلاح لحماية أنفسهم وممتلكاتهم يعطي انطباعًا سلبيًا عن مستقبل ليبيا في المرحلة القادمة، وبالرغم من طبيعة الشعب الليبي المسالم، إلا أن القبلية التي تتعمق في أصول مواطني هذا البلد المتوسطي قد تؤدي إلى صراع على الأرض والثروة، لن تكون نتائجه في مستقبل هذا البلد الذي غرق بالدماء خلال الشهور السابقة، ويحذر الكثيرين من انقسامات مختلفة موجودة بين تيارات فكرية ساهمت في الثورة، من بينهم العلمانيين، وكذلك المجموعات الإسلامية المسلحة، التي كانت تسيطر على الميدان طوال أشهر الثورة.
وفي مقابل الحضور اللافت في الشوارع للثوار من أبناء العاصمة أو من القادمين من مختلف المدن، والمنضوين تحت العديد من الفصائل والهيئات، التي اختارت لها تسميات متنوعة يكاد يغيب عن المشهد العام عناصر الشرطة التابعة للدولة، وبالرغم من أن المسلحين الثائرين في الشوارع لا يشكلون خطرًا على أمن البلاد، لكن التفاصيل الصغيرة بعد انتهاء التحرير قد تكون سببًا لإشعال صدامات بين الجماعات نفسها، وخصوصًا أننا لاحظنا خلافات ظهرت علنًا خلال الشهر الماضي بين الجماعات الإسلامية.
وقال مسؤول في المجلس الوطني الانتقالي الليبي: "إن ما يلاحظ من انتشار للمليشيات وللسلاح يعكس حقيقة أن الكتائب ظهرت قبل الدولة، وأن جميع الأطراف التي شاركت في الثورة تسعى لإيجاد موطئ قدم في مرحلة ما بعد (القذافي) وتعزيز مواقعها استعدادًا لاقتسام السلطة". وعبر أحد سكان طرابلس في حديث نشرته الجزيرة عن مخاوفه من أن يبدأ كل فصيل أو تنظيم مسلح ادعاء المشاركة أكثر من الأطراف الأخرى في الثورة، وبالتالي المطالبة بنصيب أوفر من السلطة وفقًا لحسابات جغرافية أو قبلية أو شخصية على حساب المصلحة الوطنية.
واعترف رئيس اللجنة الأمنية العليا التابعة للمجلس الانتقالي (عبد المجيد سيف النصر) بأن فترة الشهرين التي تلت تحرير طرابلس من قبضة (القذافي) غير كافية لتحقيق الاستقرار.
وقال (سيف النصر): "إن هناك مجموعتان أحدهما شرعية وهي ساهمت بالثورة منذ بدايتها، وأخرى غير شرعية تشكلت عقب تحرير طرابلس ولم تنهي إجراءاتها مع المجلس الانتقالي".
مطلوب قائد جديد:
وفي تعليقها على الأحداث قالت صحيفة (ذي غارديان) البريطانية في مقالها الافتتاحي الرئيس الجمعة تعليقًا على مقتل العقيد (معمر القذافي): "أنه إلى أن يتم العثور على زعيم جديد للبلاد، فان الميلشيات ستحتفظ بأسلحتها، وستقوم بتسليمها على مهل وبحذر وبشروط". وتضيف الصحيفة: "إن القذافي أوفى بعهده وبقي ليقاتل حتى النهاية، وبالنسبة إلى ملايين الليبيين فإن كابوس الـ 42 عامًا قد انتهى" فالرجل الذي تسلط على كل مناحي حياتهم بالسياط، والذي دفع الآلاف إلى المنفى، ومن ثم أرسل كتائب الموت وراءهم، والذي أقام المشانق علنًا، والذي نصب نفسه بصفته الأخ القائد، ملك الملوك، والرائد نحو الفترة الجماهيرية، الذي تعهد بملاحقة معارضيه من شارع إلى شارع، انتهى به الأمر إلى الاختباء داخل عبارة من الكونكريت في سرت، مثل الجرذان والصراصير الذين توعد بملاحقتهم.
ليس هناك أي عبرة أوقع من ذلك للطغاة الباقين، ويمكن أن يكون هذا هو المصير الذي ينتظر (بشار الأسد) في سوريا أو (علي عبد الله صالح) في اليمن، ولا بد لهما أن يعرفا ذلك الآن.
خلف العقيد ليبيا بعد موته ليس فيها دستور أو جيش وطني، أو قيادة عسكرية وطنية، أو حكومة أو لجنة انتخابات، أو محاكم أو أحزاب سياسية، أو أي مؤسسة عاملة، أما البطالة فإنها تصل إلى 40 في المائة في بلد يبلغ معدل الأجر اليومي لمن لديهم عمل دولاران اثنان.
ولا تملأ الفراغ الذي خلفه انهيار نظام (القذافي) فئة واحدة بل فئات كثيرة، فهناك المجلس الانتقالي الوطني، الذي يضم في معظم عضويته رجال (القذافي) الذين التحقوا بالركب في الأشهر الأخيرة، وكتائب الثوار الإسلامية التي شقت طريقها إلى طرابلس.
رئيس المجلس العسكري المحلي في طرابلس (عبد الحكيم بلحاج) الذي تعرض للتعذيب لا يزال يلقى معارضة من منافسين في المجلس الوطني الانتقالي، كما أن مقاتلي مصراتة الذين نقلوا جثة (القذافي) والذين قيل أنهم عانوا من أسوأ نتائج الحملة العسكرية تحدوا سلطة المجلس الانتقالي، وإذا لم تكن قائمة المشاكل هذه كافية فان البلاد تغمرها الأسلحة.
هناك أجزاء واسعة من البلاد التي تبلغ مساحتها أربعة أضعاف مساحة العراق تعارض في كثير من الأحيان المجلس الانتقالي وقيادته، وتنتقد سوء الإدارة وكانت هيئة (أمنستي انترناشونال) محقة في القول: "أنه يجب ألا يحجب مقتل (القذافي) ضحاياه من السعي وراء تحقيق العدالة". وتقول (الغارديان): "حتى الآن لم يظهر أي زعيم وطني يستطيع أن يجمع بين أطراف هذه البلاد الممزقة". فرئيس الوزراء الحالي محمود جبريل الذي أعلن أنه ينوي التخلي عن منصبه، ليس على وجه التأكيد الرجل المناسب، وإلى أن يتم العثور على زعيم جديد فإن الثوار سيحتفظون بأسلحتهم وسيطرتهم على المواقع المحلية.
وأيًا كان من سيرفع رأسه ليقود الفترة الانتقالية التي ستتحمل حصتها من الأزمة، فإن عليه أن يسترضي النظام القبلي الليبي، ومن بين أكبر القبائل الليبية (قبيلة الورفلة) التي بقيت على ولائها (للقذافي) حتى النهاية، وبدءًا من اليوم فإن على ليبيا أن تعيد تشكيل مستقبل يكفل العدالة للناس الذين يعيشون في ليبيا، وعدم الاعتماد على التدخل الأجنبي، وهذه مهمة صعبة في دولة ليس فيها تقاليد ديمقراطية، ولديها الكثير من النفط.