الوفاء خلق الكرام
إن الوفاء من الأخلاق الكريمة، والخلال الحميدة، وهوصفة من صفات النفوس الشريفة، يعظم في العيون، وتصدق فيه خطرات الظنون.
إذا قُلْت في شيء نعـم فأتمه...... فإن نعم دين على الحر ِّ واجبُ
وإلا فقل:لا،تسترحْ وتُرِحْ بهـا...... لِئلاَّ تقـول النـاسُ إنك كـــــاذبُ
إن الوفاء من الأخلاق الكريمة، والخلال الحميدة، وهوصفة من صفات النفوس الشريفة، يعظم في العيون، وتصدق فيه خطرات الظنون. وقد قيل: إن الوعد وجه، والإنجاز محاسنه، والوعد سحابة، والإنجاز مطره.
إن رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم يقول: «.. ولا دين لمن لا عهد له» (رواه أحمد).
نعم لن يترقى المسلم في مراتب الإيمان إلا إذا كان وفيًّا. يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1] ويقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:2، 3].
إن الوفاء من أعظم الصفات الإنسانية، فمن فُقِد فيه الوفاء فقد انسلخ من إنسانيته.
والناس مضطرون إلى التعاون، ولا يتم تعاونهم إلا بمراعاة العهد والوفاء به، ولولا ذلك لتنافرت القلوب وارتفع التعايش.
وقد عُظم حال السَّمَوْأل فيما التزم به من الوفاء بدروع امرئ القيس، مما يدل على أن الوفاء قيمة عظيمة قدَّرها عرب الجاهلية، وقد أقرَّهم الإسلام على ذلك، والعجيب أن ذلك في الناس قليل وبسبب قلته فيهم قال الله تعالى: {وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ} [الأعراف:102]. كما ضُرب به المثل في العزة فقالت العرب: هو أعز من الوفاء.
أنواع الوفاء:
إن للوفاء أنواعًا عديدة، فباعتبار الموفَى به هناك: الوفاء بالوعد، الوفاء بالعهد، الوفاء بالعقْد.
وباعتبار الموفَى له هناك: الوفاء لله، الوفاء لرسوله صلى الله عليه وسلم، والوفاء للناس.. وسنخص بالذكر هنا الوفاء مع الناس.
إن الحديث عن الوفاء مع الناس حديث ذو شجون؛ فكم من الناس وعَدَ ثم أخلف، و عاهد ثم غدر.
إن رسول الله - سيد الأوفياء -صلى الله عليه وسلم، كان وفيًّا حتى مع الكفار، فحين رجع من الطائف حزينًا مهمومًا بسبب إعراض أهلها عن دعوته، وما ألحقوه به من أذىً، لم يشأ أن يدخل مكة كما غادرها، إنما فضل أن يدخل في جوار بعض رجالها، فقبل المطعم بن عدي أن يدخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة في جواره، فجمع قبيلته ولبسوا دروعهم وأخذوا سلاحهم وأعلن المطعم أن محمدًا في جواره، ودخل النبي صلى الله عليه وسلم الحر م وطاف بالكعبة، وصلى ركعتين، ثم هاجر وكون دولة في المدينة، وهزم المشركين في بدر ووقع في الأسر عدد لا بأس به من المشركين؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «لو كان المطعم بن عدي حيًّا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له». (رواه البخاري).
فانظر إلى الوفاء حتى مع المشركين..
وهل تعرف أبا البحتري بن هشام؟ إنه أحد الرجال القلائل من المشركين الذين سعوا في نقض صحيفة المقاطعة الظالمة، فعرف له الرسول جميله وحفظه له، فلما كان يوم بدر قال صلى الله عليه وسلم: ومن لقي أبا البحتري بن هشام فلا يقتله. فهل تتذكر مَنْ أحسنوا إليك في حياتك؟
هل تتذكر إحسان والديك؟
هل تتذكر إحسان معلمك؟
إن الوفيَّ يحفظ الجميل ولا ينساه ولو بعد عشرات السنين.
ثم أسألك أيها الحبيب: هل صفحت وعفوت عمن أساء إليك الآن لأنه قد أحسن إليك فيما مضى؟
أسوق إليك قصة رجل مشرك أتى لمفاوضة الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الحديبية، إنه عروة بن مسعود الثقفي، الذي أسلم فيما بعد - رضي الله عنه - ، لقد قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إني لأرى وجوهًا وأرى أوباشًا من الناس خلقًا أن يفروا ويدَعوك، فقال له أبو بكر: امصص بظر اللات، نحن نفر عنه وندعه؟!! فقال عروة: من ذا؟ قالوا: أبو بكر، قال عروة: أما والذي نفسي بيده لولا يدٌ كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك.
هل قرأت هذه القصة أو سمعتها من قبل؟ وهل استوقفك هذا الوفاء من رجل مشرك؟ وهل تأملت وبحثت عن السبب الذي منعه من الرد على الصدِّيق - رضي الله عنه - ؟ ثم أخي الحبيب هل تفي إذا وعدت؟
إذا قلتَ نعم، فأبشر بقول نبيك صلى الله عليه وسلم: «اضمنوا لي ستًا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدُّوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكُفُّوا أيديكم». (رواه أحمد، والحاكم، وقال: حديث صحيح ولم يخرجاه،ووافقه الذهبي، وقال: فيه إرسال).
وإن كانت الأخرى فهيا من الآن طهر نفسك من هذا الآفة، فإنها من النفاق العملي، وحاشاك أن تكون كذلك، وضع نصب عينيك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان» (رواه البخاري).
ثم هل تفي إذا عاهدت؟ إن الوفاء بالعهود من أعظم أخلاق أهل الإيمان.
هل تعرف مدينة حمص؟ هل تعلم كيف دخل أهلها في دين الإسلام؟ لقد فتح المسلمون كثيرًا من بلاد الشام، ودعوا أهل حمص - وكانوا نصارى - إلى الإسلام، فأبوا وقبلوا الجزية، وفي مقابل دفعهم الجزية يلتزم المسلمون حمايتهم والدفاع عنهم، ولكن الرومان أعادوا ترتيب صفوفهم لحرب المسلمين فطُلب من الجيش الإسلامي الذي كان في حمص أن يخرج منها للانضمام إلى بقية الجيش في غيرها من بلاد الشام، لقد قام المسلمون برد الأموال التي سبق لهم قبضها من النصارى، فتعجب أهل حمص وسألوا المسلمين: لماذا رددتم لنا أموال الجزية؟ فأجابهم المسلمون بأنهم غير قادرين على حمايتهم، وهم إنما أخذوا هذه الأموال بشرط حماية هؤلاء النصارى، وطالما أنهم لا يستطيعون الوفاء بالشرط فيجب أن يردوا الأموال.
هنا استشعر أهل حمص عظمة هذا الدين، وكمال وسمو أخلاق أهله، فدخلوا في دين الله، وبقيت قوات المسلمين معهم تدفع عن أهل حمص أذى الرومان.
أرأيت ماذا يفعل الوفاء؟!!
إن الحديث عن الوفاء يطول، ولكني خشيت أن أُمِلَّك.. جعلنا الله وإياك من الكرام الأوفياء.
وميعاد الكريم عليه ديْنٌ......فلا تزد الكريم على السلامِ
يُذَكِّرُه سَـلامُك ما عليــه......و يغنيك السلامُ عن الكلامِ
- التصنيف: