تونس: هذا جزاء الذين يحاربون الله ورسوله
ملفات متنوعة
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
{وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:120]
أحداث كثيرة تقع نغفل عنها ولا ندرك حقيقتها، تقع ولا علم لنا بها، أو نعلم عنها فقط ما نرى ونسمع، ولكن لا نعطيها قدرًا من الاهتمام ولا قدرًا من التفكير والتدبر، الأحداث الأخيرة التي وقعت في تونس، وانجر عنها هروب الرئيس السابق وعائلته، وقتل من قتل فيها، وحبس من حبس منهم، ثم الأحداث التي تلاحقت تباعًا في مصر واليمن وليبيا وسوريا، هذه الأحداث تدفعنا إلى طرح سؤال غاية في الأهمية، والسؤال هو: لماذا بدأت هذه الأحداث في تونس؟ لماذا لم تبدأ في مصر أو في ليبيا أو في أي بلد آخر سوى تونس؟ لماذا تونس؟
لا أتصور بحال أن تنطلق الشرارة الأولى في بلد غير تونس، ولا يمكن أن تبدأ مثل هذه الأحداث من أي بلد آخر سوى تونس، بعد أن وصلت تونس إلى ما وصلت إليه، فقد تفوق نظامها على كل الأنظمة باتفاق، ونالت حكومتها المرتبة الأولى باستحقاق في محاربة الإسلام والمسلمين بشهادة القاصي والداني، حتى وصلت إلى نقطة اللاعودة وجاء أمر الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « {وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:120]» (رواه البخاري ومسلم).
وإن كان بعض المحللين السياسيين رد سبب ما حدث في تونس إلى انتشار البطالة بين الشباب وانعدام فرص العمل، والتوزيع غير المتكافئ للثروات وضيق أفق الحياة، ورده آخرون إلى القمع السياسي وغياب الحريات والعدالة الاجتماعية، وتفشي الفساد والدكتاتورية وكل ذلك صحيحًا، غير أن السبب الرئيسي لما حدث برأيي هو مبارزة الله بالحرب، والتجرؤ على دين الله، والظلم لعباد الله، وإليكم الدليل واضحًا: إن من أكبر الظلم وأخطره أن يتعدى الحاكم على حق من حقوق الله تعالى، فكيف بمن يقوم بمحاربة دين الله جهرة في البلد الذي يحكمه؟ لا شك أنه يكون ظالمًا لنفسه وللرعية التي تحت يديه حيث حرمهم من عدل الله ودينه وشرعه، وهي الغاية الأولى والهدف من وجود الإنسان في هذه الحياة الدنيا حيث يقول جل شأنه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ . مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ . إِنَّ اللَّـهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:56-85]، بارزوا الله بالمحاربة، ودانت الدولة لغير الله بالربوبية والعبودية، وانتشر كثير من الفساد في الأرض، وأعرضوا عن دعوة التوحيد والصلاح، وساد البلاد الظلم وسيطر الظالمون، وأُكلت أموال الناس بالباطل ، وتعدوا واستطالوا على الضعفاء، ولقد أمهلهم الله سنين فما تابوا وما رجعوا، وأعذر إليهم فما اتعظوا، فكان لزامًا أن يحل عليهم غضب الله، وأن يحصل ما حصل، قال تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّـهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ . مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ۖ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} [إبراهيم:42-43].
أغلقوا مساجد الله ومنعوا الناس من الصلاة فيها في غير أوقات الصلوات المكتوبة، ومنعوا من الاجتماع فيها ومن ذكر الله، قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّـهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا ۚ أُولَـٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة:114]، حرموا المرأة المسلمة من حقها في الستر والحجاب، وسحبت إلى مراكز الأمن والبوليس، ونُزع خمارها لباس عفافها في الشوارع أمام المارة عنوة، وسُبت وشُتمت، ويطلع علينا وزير الشؤون الدينية السابق ليصرح أمام العلن ودون استحياء أن الحجاب نشاز ولباس طائفي دخيل، وكأنه لم يقرأ القرآن الكريم، ولم يطلع على كتب الفقه، قال تعالى: {وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَـٰنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ . فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الشعراء:5-6]، تُوبع المؤمن واستدعي إلى مخافر الأمن ومراكز البوليس، وأهين وضرب وطرد من عمله وافتُريَ عليه بتهم وهمية، وسُجن فقط لأنه صلى الفجر في المسجد مع الجماعة، أو لأنه أعفى لحيته ولم يحلقها، قال الله تعالى: {وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَـٰئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ . إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۚ أُولَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الشورى:41-42]، طرد الدعاة والمصلحون من وظائفهم، وزجّ بهم في السجون والمعتقلات، وهرب وغادر البلاد منهم من غادر -وهم يعدون بالآلاف- وجاع أطفالهم، ومُنع المؤمنون حتى من مساعدتهم، ومن شذّ أُلقي به في غيابات السجون، قال أبو الدرداء -رضي الله عنه-: "إياك ودمعة اليتيم، ودعوة المظلوم، فإنها تسري بالليل والناس نيام".
أُطلقت أيدي الأشرار في البلاد ينشرون الفساد و يدعون إلى الرذيلة، وبدأ البلد الذي افتتحه حسّان بن النّعمان في إمارة عبد الملك، بلد الزيتونة منارة العلم والعلماء في شمال إفريقيا وفي العالم الإسلامي، بلد عقبة والقيروان، الذي انطلقت منه الفتوحات الإسلامية إلى أوروبا، بدأ يغرق في موجة من الانحلال والتغريب والضياع، حتى استطاعوا أن يطمسوا هويته وأن يفسخوا آيات القرآن الكريم وهدي النبي صلى الله عليه وسلم من المواد الدراسية للطلبة في المدارس والمعاهد وفي الجامعات وبدلوها بأقوال ماركس وداروين تأسيًّا وتبعية لعلمانية الغرب الزائفة، فلقد قال تعالى: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء:227]، وسد الأمر إلى غير أهله حتى تجرأت برلمانية خبيثة بمعاداة الله جهرة وطالبت هيئة البرلمان -مجلس التشريع- بإصدار قانون يأمر بتخفيض صوت الأذان في المساجد، ووصفته بأنه مزعج، والأغرب من ذلك أن الذي قام بمناصرتها في ذلك وزير الشؤون الدينية، وكان الأولى به أن ينافح ويدافع عن دين الله، وإذا به يصرح في جلسة تبث مباشرة على القنوات التلفزية الوطنية أن "الأذان تلوث صوتي يضر بجسم الإنسان و بنفسية الإنسان"، قال تعالى: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ۚ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} [الكهف:5].
إن ما فعله النظام السابق وأعوانه بالمسلمين في تونس يشبه إلى حد بعيد ما حصل من الصليبيين مع المسلمين في محاكم التفتيش في غرناطة وفي سائر بلاد الأندلس في القرن التاسع، حتى صار الأخ في تونس يتنكر لأخيه، والصاحب لا يسلم على صاحبه أمام الناس، ويخاف الرجل أن يمشي مع صديقه في الشارع إذا كان من المصلين حتى لا ينسب إليه، رعب وأي رعب عاش فيه الناس سنين، حتى جاء أمر الله، قال تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح:5-6].
أما أذناب هذا النظام وأعوانه الذين لا يزالون في مناصبهم من عذب منهم ومن ظلم ومن انتهك الحرمات، من أكل أموال الناس بالباطل ومن اعتدى، فإنا نقول لهم توبوا إلى ربكم وعودوا إلى رشدكم من قبل أن تندموا؛ لأن شعب تونس شعب مسلم بأصله، سيدافع عن حقه، ولن يرضى بعد الآن أن يسلبوا منه ماله أو شرفه أو دينه أو عرضه، ولو قتل فإن حقه لن يهدر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (رواه الترمذي)، ولن يكون أمن أو آمان في تونس ما لم يحاكم المتسببون في كل ما وقع من انتهاكات وظلم وجرائم سياسية في البلد، ولن يكون استقرار ما لم تطلق الحريات ويعاد تقسيم الثروات، وما لم تعاد الأموال المنهوبة والتي تعد بالمليارات إلى صناديق الدولة وتستعمل في التنمية الاقتصادية وفي تشغيل الشباب العاطل عن العمل والذي يعد بالملايين.
وأظن أن أهم إجراء على الحكومة المؤقتة القيام به هو حل وتفكيك كل فرق الإرشادات -فرق المخابرات والبوليس السياسي- المنتشرة في كل البلاد، فهي المتسببة في كل ما وقع من انتهاكات طيلة أكثر من عقدين من الزمن، كان لها في كل حي أعوان وفي كل شارع قوادين، يراقبون الناس ويكتبون التقارير، ويجمعون قوائم بأسماء كل من كان يصلي في المساجد، وكل من قال رأيه يومًا علنًا أو انتقد ولو بكلمة واحدة النظام السابق وعائلته، أو انتقد سياساتهم وأعمالهم وقمعهم للناس، وكل من أعلن أنه ليس مع الحزب الحاكم، وإن كان بعض هذه الفرق قد أوقف نشاطاته برحيل النظام البائد فإن أغلبها ما زال ينشط في البلد مطلق اليدين، كأن شيئًا لم يتغير. وأما الغرب -أوروبا و أمريكا خاصة- فعليهم أن يراجعوا حساباتهم، وأن يتوقفوا عن محاربة الإسلام والمسلمين، وأن لا يخلطوا بين الإرهاب والإسلام، فليس كل من تكلم بالإسلام إرهابي، ولا كل من دعا إلى الإسلام متطرف، وليعلموا أن حربهم للإسلام هذه لن تجلب لهم إلا الحقد والكراهية والعداوة والبغضاء، آن الأوان للغرب أن يفرق بين الحق والباطل، وأن يعلموا أن ما روّجه النظام التونسي من ضرورة مساعدته ليستأصل الإسلاميين ويقضي على الإرهاب، إنما هي مقولة زائفة وحيلة خبيثة أراد بها أن يغضوا الطرف عن ممارساته، وانتهاكاته لحقوق الإنسان وكرامته في البلاد، وأن التقارير التي كانت المخابرات التونسية تمدهم بها كلها وهمية باطلة لا يصح منها شيء، وإن كان قد نجح في إيهامهم بأن كل الشعب معه وأن البلد في استقرار وأمان؛ لجلب ما يمكن جلبه من مساعدات مالية، ودعم سياسي واقتصادي، فإنا نقول ما قال بعضهم: دولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام ساعة.