السنة الهجرية الجديدة
فها نحن نودع سنة هجرية ونستقبل سنة هجرية جديدة وقد ترك معظم المسلمين التأريخ بها فنسوها ونسوا بدايتها ونهايتها فتركوا معايدة بعضهم بعضًا بها وصارت المعايدة بين المسلمين - إلا من رحم الله - بالسنة الميلادية...
- التصنيفات: الواقع المعاصر - - آفاق الشريعة -
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
أخواني المسلمين/ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
فها نحن نودع سنة هجرية ونستقبل سنة هجرية جديدة وقد ترك معظم المسلمين التأريخ بها فنسوها ونسوا بدايتها ونهايتها فتركوا معايدة بعضهم بعضًا بها وصارت المعايدة بين المسلمين - إلا من رحم الله - بالسنة الميلادية، بل لقد هزل الأمر حتى وصل ببعض المسلمين إلى أن يتبادلوا التهاني بالتهنئة المزدوجة: عيد الميلاد ورأس السنة! وذلك بالبريد الإلكتروني وبطاقات المعايدة وغير ذلك...
إن الكثير من المسلمين قد نشؤوا في بلاد لا تستخدم حكوماتها التقويم الهجري، ولم يعد هناك سوى قلة قليلة من الدول التي ما زالت تستخدم التقويم الهجري رسميّاً وما زال شعبها يستخدمه ويحفظ أسماء أشهر السنة الهجرية وترتيبها، أما بقية الدول الإسلامية فهي لا تستخدم سوى التقويم الميلادي، أو بالأحرى (الغريغوري) الذي بدأ العمل به في العام 1582 الموافق (990 هجرية) بأمر من البابا غريغوري الثالث عشر، الذي كان قد أصدر قرارًا بحذف عشرة أيام من السنة وأن يكون اليوم الذي يلي يوم 4 أكتوبر 1582 هو يوم 15 أكتوبر 1582!
وقد عورض ذلك بشدة من الجماهير، ولم يعترف بهذا التقويم سوى بضع دول كاثوليكية تتبع البابا هي: إيطاليا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال، واعترضت على ذلك بقية الدول والشعوب، ثم اعتمدت هذا التقويم دول بروتستانتينية في العام 1700 وكان قد أصبح الفارق في التقويم أحد عشر يومًا، ثم أخيرًا اعتمدت بريطانيا والمستعمرات الأميركية هذا التقويم في العام 1752، ويوم الأربعاء 2 سبتمبر (أيلول) 1752 تبعه مباشرة يوم الخميس 14 سبتمبر (أيلول) 1752 فأحدث ذلك شغبًا واسع الانتشار وصاحت الجماهير: (أعيدوا لنا الأحد عشر يومًا!).
والتقويم الغريغوري معدَّل عن التقويم القيصري الذي أصبح عدد أشهر السنة فيه اثني عشر شهرًا بإضافة شهري يناير وفبراير، بعد أن كانت السنة عشرة أشهر تبدأ بشهر مارس (إله الحرب عند الرومان)! ومعنى الأشهر الأربعة: سبتمبر، أكتوبر، نوفمبر، ديسمبر؛ هو على التوالي: السابع، الثامن، التاسع، العاشر. ولكن ترتيب هذه الأشهر في السنة الميلادية المعروفة اليوم هو على التوالي: التاسع، العاشر، الحادي عشر، الثاني عشر، وهذا خطأ جسيم مستمر ما لم يقوموا بتعديل ترتيب الأشهر بحيث يصبح الشهر السابع هو سبتمبر كمعناه وهكذا الأشهر الثلاثة الأخرى، أو يقوموا بتغيير أسمائها.
وعمومًا فإن المسلمين ليسوا بحاجة إلى هذا التقويم فلديهم التقويم الهجري المعتمد على الأشهر القمرية الذي سيستمر اللجوء إليه إلى آخر الزمان، وذلك لتحديد بداية شهر رمضان، ويوم عيد الفطر، وبداية شهر ذي الحجة، ويوم عرفة ويوم عيد الأضحى، وغير ذلك من المناسبات الدينية الإسلامية.
لم يعد معظم المسلمين يعرف من السنة الهجرية إلا شهر رمضان لوجود الصيام فيه، وربما بعضهم لا يعرف أنه اسم لأحد أشهر السنة الهجرية، والبعض الآخر قد يعرف أيضًا شهرًا آخر هو ذو الحجة لوجود الحج فيه... لكن معظم المسلمين لا يحسن أن يذكر أسماء أشهر السنة الهجرية كما يعدد أسماء أشهر السنة الميلادية ويحفظ ترتيبها عن ظهر قلب! قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: «لتتبعن سنن من قبلكم شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لسلكتموه» قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: «فمن»[1] .
والمقصود بالسنن: المناهج والعادات، وشبرًا بشبر: كناية عن شدة الموافقة لهم في عاداتهم، وما أروع هذا التشبيه الذي صدق معجزة لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فنحن نشاهد أجيالاً من أمة المسلمين تقلد اليهود والنصارى في كثير من الأمور حتى وإن كان بعضها مخالفاً لتعاليم الإسلام...!.
إن للصينيين تقويماً خاصّاً بهم يؤرخون به ويحترمونه وكذلك لليابانيين بل ولليهود تقويم خاص بهم يؤرخون به ويقدسونه...
أما المسلمون فلديهم التقويم الهجري الذي سمي نسبة إلى هجرة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم من مكة إلى المدينة، وهذا التقويم يذكرهم بهذه المناسبة التي هاجر فيها النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ولم يكن معه إلا صاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى المدينة وكان المسلمون قلة، ثم انتشر الإسلام في أرجاء الأرض حتى تعدى عدد المسلمين الألف مليون مسلم..
فها هي أكثر من ألف وأربع مئة سنة قد مضت على هجرة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ... وستبدأ السنة الجديدة بشهر المحرم الذي فيه يوم عاشوراء في العاشر منه، وهو اليوم الذي كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يصومه وأمر بصيامه.
أهنئ جميع المسلمين بالسنة الهجرية الجديدة (1428) وأدعو الله تبارك وتعالى أن تكون سنة مباركة على المسلمين، وأن يمن عليهم بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام.
اللهم اجعل هذا العام الهجري الجديد عام عزة ونصرة للإسلام والمسلمين. اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك. اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك وطاعة رسولك محمد صلَّى الله عليه وسلَّم.
اللهم وفقنا لما تحب وترضى ويسر لنا اتباع سنة نبيك صلَّى الله عليه وسلَّم فنطيعه فيما أمر وننتهي عما نهى عنه وزجر. اللهم أحينا ما دامت الحياة خيراً لنا وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا. وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا. وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا. واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير. واجعل الموت راحة لنا من كل شر.
اللهم إنَّا نسألك حسن الخاتمة.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم تسليمًا.
[1] أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل
[2] صحيح سنن ابن ماجه، رقم: 1413.
_______________________________________________________
الكاتب: عدنان الطرشة