من صفات عباد الرحمن: الابتعاد عن الزنا
إن الزنا معصيةٌ كبرى، وفاحشة عُظمى، محرمةٌ بالقرآن الكريم، وبسنة نبيه الكريم، وستبقى حرامًا إلى يوم القيامة
- التصنيفات: النهي عن البدع والمنكرات - - آفاق الشريعة -
من صفات عباد الرحمن الابتعادُ عن الزنا، قال الله جل وعلا: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} [الفرقان: 68]، وقد ذكر تعالى هذه المعاصيَ الثلاث؛ لأنها من أكبر الكبائر: فالشرك فيه فساد الأديان، والقتل فيه فساد الأبدان، والزنا فيه فساد الأعراض[1].
وإننا نعيش في زمن انتشرت فيه الفواحش، وكثُر أصحابُها ودُعاتها، وأسبابها ووسائلُها، وبلغ التهاونُ بالوقوع في الزنا درجةً كبيرةً، وماتت الغَيْرَةُ على الأعراض لدى كثير من الناس، حتى صرنا نسمع بمن يقع في الزنا ويَعتبر ذلك أمرًا عاديًّا؛ لأنه حريةٌ شخصيةٌ، ونسمع بمن يصور أفعاله المُحرَّمة وينشرها ويتباهى بها دون حياء، وهذا بسبب ضعف في الدين، وسوء التربية، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ويَصْدق على زماننا هذا قولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَّ (والمعنى أنهم يستحلون الزنا) وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمعَازِفَ..»[2].
عباد الله، إن الزنا معصيةٌ كبرى، وفاحشة عُظمى، محرمةٌ بالقرآن الكريم، وبسنة نبيه الكريم، وستبقى حرامًا إلى يوم القيامة، وكلُّ من يقع فيها مذنبٌ آثم، وسيُعذَّب عذابًا شديدًا إن لم يتب إلى الله؛ قال الله تعالى: {وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ} [الفرقان: 68 - 70].
وقد سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثرِ ما يَدخل الناسُ به النارَ، فقال: «الْأَجْوَفَانِ: الْفَمُ وَالْفَرْجُ»[3]، وعن سهل بن سعد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ»[4]، فالنبي صلى الله عليه وسلم ضمِن دخولَ الجنة لمن حفظ لسانه من الكذب والغيبة والنميمة ونحوِها، وحَفظ فرجه من الفواحش.
وإن الناظر إلى قَصص الصالحين في هذا الباب، ليرى العجب العُجاب، كيف كان الواحدُ منهم يحفظ فرجه خوفًا من الله الشديد العقاب، وإن قَصصهم لَتَحمِل المؤمن على الاقتداء بهم، والسيرِ على طريقهم، في الترفُّع عن الحرام وحِفْظِ فروجهم.
سيدنا يوسف -على نبينا وعليه الصلاة والسلام- افتُتِنت امرأةُ عزيزِ مصرَ بجماله، وقوته وشبابه، وكانت صاحبةَ منصب ومال وجمال، وهُيِّئت جميع الأسباب، وغلّقت الأبواب، لكنه لم يستجب لها خوفًا من الله تعالى، واختار دخول السجن بدل معصية الله؛ حيث قالت له كما قال الله تعالى: {وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [يوسف: 32، 33]، وقد ذَكر الله تعالى هذه القصة لتكون أسوةً حُسنى، ومَثلًا يُقتدى، يَتمسَّك به الشباب للنجاة من ذُلِّ الشهوات، وشؤم الفواحش والمنكرات.
أحدُ العلماء لما قرأ هذه القصة قال: "هنا تظهر العبادة الحقيقة لله لا في صلاة ركعتين"؛ لأن من الشباب من يستطيع أن يصبر ويصلي ركعتين ويتصدَّق ويصوم قد يصبر ويتمالكُ نفسه أمام الرشوة والمال الحرام، قد يصبر ويتَحكَّم في نفسه أمام مائدة يُشرب فيها الخمر، ولكنه من الصعب أن يصمُد أمام فتنة النساء، ولا يصمد أمامها إلا من وفَّقَه الله وثبَّتَه، وتولى أمره وحفظه؛ ولذلك استحقَّ هذه البشارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ...ومنهم: رَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَال فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ..»[5].
وهذا الصحابي الجليل مَرْثَدُ بْنُ أبي مَرْثَدٍ رضي الله عنه من المهاجرين من مكة إلى المدينة، وكان عظيمًا قويًّا شديدًا، كلَّفه النبي صلى الله عليه وسلم بمهمة سرية، حيث كان يدخل مكة ليلًا، ويبحث عن البيوت التي فيها أسرى المسلمين، ويقوم بتهريبهم إلى المدينة، وبينما هو في عمله؛ إذ التقى ليلةً بامرأةٍ مشركة بَغِيٍّ يقال لها عَناق، وكان يزني بها في أيام الجاهلية، وتعلق بها تعلقًا شديدًا، فقالت له: يا مَرْثَدُ، تعال وبِتْ عندنا الليلة، فقال لها: لا يا عَناق، إن الله قد حرم الزنا، وهددته إن لم يُلَبِّ طلبها أن تفضحه، لكنه أعاد جوابه مرة أخرى، فصرخت عندئذٍ: يا أهل مكة، هذا الذي يُهرِّب أَسْراكم، فسارع رضي الله عنه إلى الهروب[6]، فانظروا -رحمكم الله- إلى هذا الصحابي كيف حفظ فرجه؟! رغم حبِّه الشديد لهذه المرأة، ورغم تهديدها له، لكنه متمسكٌ بأن المؤمن لا يزني؛ لأن الله حرَّم الزنا.
أيها المؤمنون، لا يستوي الإنسانُ الشريف الطاهر، مع الخبيث الفاجر، كما لا تستوي الظُّلمات والنُّور، فأهل الخبث يقعون في الزنا؛ لأن ذلك يناسب حالهم، وأهل الطُّهر لا يصرفون شهواتهم إلا فيما أحَلَّ الله لهم، قال الله تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} [النور: 26]،
فيا عباد الله، يقول الله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32]، فقوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} يشمل النهيَ عن كل مقدماتِ الزنا ودواعيه، وأسبابِه المؤدية إليه[7].
فمن أسبابه التي يجب تجنُّبها؛ إطلاق البصر في الكاسيات العاريات المائلات المميلات؛لأن إطلاق البصرِ من أوسع الأبواب التي يدخل منها إبليس ليُفسد على الإنسان دينه وإيمانه؛ ولذلك ينبغي على المؤمن غضُّ بصره، لكي يستريح من شر عظيم، والمؤمنة كذلك واجب عليها غض بصرها، والله تعالى يقول: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 30، 31].
ومن أسبابه التي يجب تجنبها: التبرج، فالمسلمة التي تخرج مُظهرةً جمالَها وحسنَها، تسبب في فتنة غيرها، وهي بنفسها من مقدمات الزنا، وهي وأمثالها في خطر عظيم، إن لم يَتُبْنَ إلى الله تعالى، حيث قال عنهن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا»[8].
فالواجب على المسلمة أن تتقي الله في نفسها، وتتقيَ الله في أبناء مجتمعها، بألَّا تخرج إلا ساترة لجسدها، وواجب على أولياء أمور البنات والنساء؛ إلزامُهن بالتعاليم الإسلامية؛ لأنهم سيسألون عنهن يوم القيامة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ...وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»[9]، فاللهُمَّ أصلح أحوالنا، وأصلح نساءَنا وبناتنا يا رب العالمين.
هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على النبي الأمين، فقد أمركم بذلك مولانا الكريم {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.
[1] تفسير السعدي: 1 /587.
[2] صحيح البخاري.
[3] مسند الإمام أحمد.
[4] صحيح البخاري.
[5] صحيح البخاري.
[6] سنن الترمذي، وينظر تفسير ابن كثير.
[7] ينظر: تفسير السعدي 1 /457.
[8] الموطأ.
[9] صحيح البخاري.