الدعاء سنن وآداب

منذ 2024-10-06

فالدعاء يرُدُّ القضاء، ويرفع البلاء، ويصرف غضب الله عز وجل، كما جاء في الأحاديث، فعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال رسول الله ﷺ: «من لم يَسألِ اللهَ يَغضبْ عليه»

الدعاء سنن وآداب

يقول تعالـى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].

 

إضافة العبـاد إليـه والرد المباشر عليهم منه، لم يقل: فقل لهم إني قريب، إنما تولى بذاته العليَّة الجوابَ على عباده بمجرد السؤال. قريـب، ولم يقل: أسمع الدعاء، إنما عجَّلَ إجابة الدعاء فقال: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} .. إنها آية عجيبة، تسكب فـي قلب المؤمن النداوةَ الحلوة، والود المؤنس، والرضا المطمئن، والثقة واليقين، ويعيش معها المؤمن في جناب رضيٍّ، وقربى ندية، وملاذ أمين، وقرار مكين".

 

نزلت هذه الآية بين آيات الصيام؛ حيث إن الدعاء يكون أقرب إلى الإجابة للمسلم الصائم، فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنه قـال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «للصائم عند إفطاره دعوةٌ مستجابة» [1].

 

وفي حديث آخر لعبدالله بن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن للصائم عند فطره دعوةً لا تُرَدُّ».

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا تُرَدُّ دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم، يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة، وتُفتح لها أبواب السماء، ويقول: بعزَّتي لأَنصُرَنَّك ولو بعد حين»[2].

 

وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله لَيستحي أن يبسُطَ العبد إليه يديه يسأله فيها خيرًا، فيرُدهما خائبتين»[3].

 

والدعاء سلاح نافذ المفعول؛ بل هو أخطر سلاح على الأرض، ومظهر عظيم من مظاهر العبودية، ودليل على صدق الإيمان بقدرة الله القاهر القادر مالك الملك مدبِّر الأمر، الذي يقول للشيء: كن، فيكون، والذي له جنود السموات والأرض.

 

وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أهمَّه أمر اجتهد في الدعاء، كما روى ذلك أبو هريرة رضي الله عنه، حيث قال: "إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أهمه الأمر، رفع رأسه إلى السماء، وإذا اجتهد في الدعاء قال: «يا حي يا قيوم»"[4].

 

وفي حديث أنس بن مالك قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كرَبَه أمرٌ قال: «يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث»[5].

 

فالدعاء يرُدُّ القضاء، ويرفع البلاء، ويصرف غضب الله عز وجل، كما جاء في الأحاديث، فعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يَسألِ اللهَ يَغضبْ عليه»[6].

 

وفي حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يُغنِي حذَرٌ مِن قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لَينزلُ فيلقاه الدعاء فيَعتلِجانِ إلى يوم القيامة»[7].

 

فالدعاء مع البلاء له ثلاثة أحوال:

الأول: أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه.

الثاني: أن يكون أضعف من البلاء، فيصاب به العبد، ولكنه قد يخفِّفه.

الثالث: أن يتصارعا ويمنع كلُّ واحد منهما صاحبَه، كما تقدم بالحديث.

 

وتكون إجابة الدعاء على ثلاثة أحوال:

الأول: أن يعجِّل الله بالإجابة.

الثاني: أن يدَّخرها الله ليوم القيامة.

الثالث: أن يدفع أو يخفِّف بلاءً نازلًا.

 

وللدعاء آداب، ومنها:

الخشوع والتذلُّل لله أثناء الدعاء، وخفض الصوت، والاعتراف بالذنب، وحسن الرجاء في الله، والبعد عن التكلف الزائد والتطويل الممل، والبدء بحمد الله والثناء عليه، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وعدم استعجال الإجابة، وتجنُّب الحرام.

 

وذكر ابن أبي الدنيا في كتاب المجابين في الدعاء عن الحسن، قال: "كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار يكنى أبا معلق، وكان تاجرًا يتجر بمال له ولغيره ويضرب في الآفاق، وكان ناسكًا ورعًا، فخرج مرة فلقيه لصٌّ مقنَّع في السلاح، فقال له: ضع ما معك فإني قاتلُك، قال: ما تريد من دمي؟ فشأنك المال، قال: أما المال فلي، ولست أريد إلا دمك، قال: أما إذا أبيتَ فذَرْني أصلِّي أربع ركعات، قال: صلِّ ما بدا لك، فتوضأ ثم صلى أربع ركعات، فكان من دعائه في آخر سجدة أن قال: "يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا فعالًا لما تريد، أسألك بعزِّك الذي لا يرام، وبملكك الذي لا يضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك، أن تقيني شرَّ هذا اللص، يا مغيثُ أَغِثْني (ثلاث مرات)"، فإذا هو بفارس أقبَلَ بيده حربة قد وضعها بين أذني فرسه، فلما أبصر به اللص أقبل نحوه فطعنه فقتله، ثم أقبل عليه فقال: قم، فقال: من أنت بأبي وأمي؟ فقد أغاثني اللهُ بك اليوم، فقال: أنا ملَكٌ من أهل السماء الرابعة، دعوتَ بدعائك الأول، فسُمعتْ لأبواب السماء قعقعة، ثم دعوتَ بدعائك الثاني فسُمعتْ لأهل السماء ضجة، ثم دعوتَ بدعائك الثالث فقيل: دعاء مكروب، فسألتُ الله أن يُوَلِّيَني قتْلَه"، قال الحسن: فمن توضأ وصلَّى أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء، استُجيب له، مكروبًا كان أو غير مكروب.

 

وفي الصحيحين من حديث ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: «لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم»[8].

 

(هذا الحديث يكشف لنا عن سلاح من أخطر الأسلحة إن لم يكن أخطرها على الأرض، وهو لا يُباع بثمن؛ بل هو معروض مجانًا لمن أراد أخذه واستعماله في أي وقت شاء، ولكنه يكون أكثر فتكًا إذا كان بيد مظلوم، ألا وهو سلاح الدعاء).

 

وصدق القائل:

لا تَظلِمَنَّ إذا ما كنتَ مقتدرًا  **  فالظلمُ ترجع عقباه إلى الندمِ 

تنامُ عيناك والمظلومُ منتبـهٌ  **  يدعو عليك وعينُ اللهِ لم تَنَمِ 

 

أيها الظالمون: تذكَّروا أن الله عز وجل لن يضيع صيحات المقهورين، ودعاء المظلومين، مهما علا الظالمون، وطغى الجبارون.

 

ويحذِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: «اتقوا دعوة المظلوم؛ فإنه ليس دونها حجاب»[9].

 

فالعامل الذي لا يتسلم راتبه لعدة شهور مظلوم، والزوجة التي تُحرَم من أبسط حقوقها مظلومة، والابن الذي يلاقي فرقًا في المعاملة من الوالدين مظلوم، والموظف الكفء الذي لا يرقى ويرقى غيرُه بالواسطة مظلوم، ومظلومون آخرون يمتلئ بهم المجتمع.

 

ولله در الشافعي:

أتَهزَأُ بالدعاء وتَزدريــــــــهِ  **  وما يُدريك ما صنَعَ الدعاءُ 

سهامُ الليلِ لا تُخطِي ولكنْ  **  لها أمدٌ وللأمدِ انقضـــــــاءُ 

فيُمسِكُها إذا ما شاء ربِّـــي  **  ويُرسِلُها إذا نفذ القضـــــاءُ 

 

واجب عملي:

حدِّد بعض الدعوات  طَوالَ الشهر، واجعل منها دعوة لإخوانك المكروبين والمستضعفين في كل مكان.

 


 

[1] رواه البيهقي (3907).

[2] أحمد (8001)، والترمذي (3740)، وابن ماجه (1805).

[3] رواه أحمد (23329)، وابن ماجه (3949)، والترمذي (3699).

[4] رواه الترمذي (3569).

[5] رواه الترمذي (3665).

[6] رواه الترمذي (3504).

[7] رواه أحمد (2166).

[8] الجواب الكافي لابن القيم.

[9] رواه أحمد (12294).

___________________________________________________________
الكاتب: عصام محمد فهيم جمعة

  • 10
  • 1
  • 2,042
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    من آيات تعذيب الله لأمم الكفر بيننا قد أبقى الله تعالى بحكمته من بقايا ملكهم ما فيه معتبر لأولى الألباب، فتلك بيوتهم خاوية وقد غدت أثرًا بعد عين وأطلالا لا حياة فيها ولا حراك، كما قال تعالى: { أَوَلَمۡ یَهۡدِ لَهُمۡ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ یَمۡشُونَ فِی مَسَـٰكِنِهِمۡۚ إِنَّ فِی ذَ ٰ⁠لِكَ لَـَٔایَـٰتٍۚ أَفَلَا یَسۡمَعُونَ }، قال ابن كثير: "أي: وهؤلاء المكذبون يمشون في مساكن أولئك المكذبين، فلا يرون فيها أحدًا ممن كان يسكنها ويعمرها، ذهبوا منها، ( كأن لم يغنوا فيها ) كما قال: ( فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا).. ولهذا قال هاهنا: ( إن في ذلك لآيات ) أي: إن في ذهاب أولئك القوم ودمارهم وما حلّ بهم.. لآيات وعبر ومواعظ ودلائل متظاهرة". [ إفتتاحية النبأ - بين الهداية والعلم - العدد: 441 ]
  • عبد الرحمن أبو فهد

      منذ
    سلف معطلي الجهاد لقد طرق المنافقون قديما باب المصالح والمفاسد، واتخذوه مدخلا لتبرير إعراضهم عن أحكام الشريعة الربانية، ولمّا كان هذا الصنف في كل زمان نزلت فيهم الآيات لتفضحهم إلى يوم القيامة، قال سبحانه: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ۝٦١ فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا}، فهم يحلفون بالله أنهم أرادوا المصلحة حين صدوا عن حكم الله تعالى ورسوله! وهم في ذلك كاذبون قطعا، وإلا لو صدقوا أنفسهم لصرحوا أنهم لا يريدون العمل بمقتضى الوحيين، وأنهم يرون ما هم عليه من الآراء والأهواء أنسب وأصلح، إلا أنهم وجدوا "الإحسان والتوفيق" لافتةَ مصلحةٍ يحاولون تقديمها مبررا للإعراض عن حكم الله. ولقد أنكر الله تعالى على من أراد الهروب وقت الشدة يوم الخندق، وحاول تبرير هروبه بالمصلحة والمفسدة، فقال تعالى: {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ ۖ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا}، فقدموا هذا المبرر المفضوح الذي يتلخص في أن مقامهم في بيوتهم لحمايتها أصلح من مقامهم مع رسول الله ﷺ في الميدان أمام أهل الكفر، فأنزل الله هذه الآية تنبيها على خطورة هذه الاجتهادات بين يدي الشرع. افتتاحية النبأ "وهو خير لكم" ٤٤٦

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً