نظرية المؤامرة.. أم عقدة الخواجة؟
لفكرة الرئيسية لهذا المقال هي: الرد على من يتخذ من المؤامرة على أمتنا حجة لترك العمل، وبرأيي الشخصي: "أن هؤلاء مصابون بعقدة الخواجة لا أكثر ولا أقل" نعم المؤامرة موجودة بشكل أو بآخر وهذا طبيعي جدًا، ولكن غير الطبيعي هنا أن نستسلم لها ونبكي على اللبن المسكوب..
عندما كان الإنجليز يتوسعون عن طريق ضم مستعمرات جديدة، كانوا يتبعون سياسة واحدة لا محيص عنها ألا وهي: غرس عقدة الرجل الأبيض في نفس الشعب المحتل، تلك العقدة التي يراد منها إخضاع الشعوب والقضاء على كل أمل في المقاومة، فعدد الجنود لم يكن أبدًا كافيًا للسيطرة على المساحة الشاسعة من الأراضي التي قاموا باحتلالها، ولكن الهزيمة النفسية كان لها وقع السحر في نفوس الشعوب المقهورة، وللأسف مازلنا إلى اليوم نعاني من تلك العقدة، فمازال البعض يعتقد أن مجرد لون البشرة المختلف بالإضافة إلى لكنة أجنبية يعني بالتأكيد نوعًا من التفوق..!
• إن لم تكن تصدقني يمكنك أن تلاحظ ذلك من لغة الحوار، ولكنة الحديث المستخدمة عند بعض مدعي الثقافة والوجاهة الاجتماعية، وهم في حقيقتهم لا يعانون إلا من نوع من الهزيمة النفسية، هل يمكنك أن تفسر لي اجتماعًا بين عرب لا يتكلمون فيه إلا باللغة الانجليزية؟!
• أو تراه واضحًا بارزًا في شعور بالدونية عند بعض أنصاف المثقفين، حيث يلجأون للتقليد كببغاوات عجماء لم يفضلها الله بالعقل كبني آدم الذين كرمهم الله، انظر إلى صيحات الملابس كمثال على ذلك: صاحبت مرة رجلًا أمريكيًا اعتنق الإسلام قريبًا، فوجدته ينصح فتى من جزيرة العرب يلبس ملابس أقرب إلى الكوميديا بسبب افتتانه بالراب الأمريكي.
• أو تراه على استحياء في رغبة عارمة في الهروب من واقع المجتمع إلى أحضان المجتمعات الأجنبية، بدون دواعي حقيقية أو شرعية لذلك، ألم يسبق لك أن تسمع عربي درس في أمريكا مثلًا يحدثك بلكنة متكلفة أن أمريكا هي بلده الأول..!
• بل وحتى في تبرير هزائم الأمة وتأخرها تجد البعض يحدثك عن إمكانياتهم الجبارة التي لا يمكن قهرها، أو عن مراكز دراساتهم الاستراتيجية التي لا تضع نقطة تفلت منها ولا سبيل أبدًا للتغلب عليهم، ولو كان حقيقة يدرس الواقع بأسلوب محنك ليتمكن من التعامل معه، فليس في ذلك بأس بل هو عادة من أولئك الذين ينهزموا قبل أن تبدأ المعركة.
• ومن ذلك أيضًا: الإفراط في نظرية المؤامرة، حتى أن بعضهم يعطي الكيان الصهيوني والولايات المتحدة حجمًا أكبر من قدرهما بكثير جدًا، بل ويخشى أمريكا كخشية الله أو أشد خشية! كل ذلك من آثار الهزيمة النفسية.
إن راجعت ما حولك، لا تكاد تجد أحد يفلت من ذلك بشكل أو بآخر إلا القليل جدًا، حتى من أبناء الصحوة الإسلامية حتى أنك تتعجب، هل نحن فعلًا أمة توقن بأن الله هو وحده المدبر لهذا الكون، وأننا جميعا خاضعون تحت قدرته؟! وللرد على هؤلاء المغرمين بنظرية المؤامرة، الذين يرضون بأدوار محددة ولا يطمعون أن يصبحوا قادة للعالم أقول لهم:
• أولا: المؤامرة موجودة بنص القرآن، قال تعالى: {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ . فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} [إبراهيم: 46، 47].
• ثانيا: ليس معنى وجود المؤامرة أن نتخذها حجة لنا لننام عن واجبنا، فقد تآمر اليهود والمشركون والمنافقون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولنا في سيرته أسوة حسنة في التعامل معهم وبناء أمة الإسلام رغم كيد الكائدين، كما أنه ليس معنى وجود المؤامرة أن كل ما يحدث هو بسببها كما يظن بعض البسطاء، ففي النهاية الكون كله بيد الله يصرفه كيف يشاء.
• ثالث النقاط وأهمها: أن الكون كله بيد الله سبحانه وتعالى يدبره كيف يشاء، وما الولايات المتحدة وغيرها إلا عبيد لله، لا يقدرون على أن يضرونا بشيء لم يكتبه الله علينا، وليس محاولة خصوم الإسلام حربه وإعاقته بشيء جديد، بل هي سنة من سنن الله أن يمتحن عباده المؤمنين: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: 31].
• رابعًا: لأولئك الذين تصيبهم (الأمريكوفوبيا) أي الرعب من أمريكا، نقول لهم أن الولايات المتحدة الآن تمر بمرحلة من الضعف بعد الحروب الخاسرة التي خاضتها وأضعفتها عسكريًا واقتصاديًا وأيديولوجيًا، وتلك فرصة مثالية للبدء في مشروع نهضوي في أمة الإسلام منتهزة فرصة اقتراب السقوط المدوي للكاوبوي.
نعم يا أمتي: انفضي عنك الخوف، فقد دقت ساعة العمل، ولاحت بشائر النصر.
اللهم انصر دينك وأعز جندك، وارزقنا إيمانًا صادقًا وقلبًا صابرًا.
- التصنيف: