خلقت لتنجح
اكتسابِ العاداتِ أو أن شئت فقل المهارات، أمرٌ في متناول الجميع؛ جاء في الحديث عن النبيﷺ: «إِنَّما العلمُ بِالتَّعَلُّمِ، وإِنَّما الحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، ومَنْ يَتَحَرَّ الخَيْرَ يُعْطَهُ، ومَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ».
- التصنيفات: تزكية النفس - تنمية المهارات -
نعم أُخيَّ المبارك، لقد خُلقتَ لتنجح، إلا أن تستسلِم للفشل وترضى به، ففي كتاب الله الكريم: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}، وما النَّجاحُ: إنهُ مجموعةٌ من القناعات والعادات، تحكُمها قيمٌ وأخلاقيات، تضمنُ التوازنَ وتثمرُ السعادةَ الحقيقية.
إذًا فالقناعاتُ والعاداتُ هي مُدخلاتُ النَّجاحِ ومُتطلباتِه، وهي الأسبابُ التي لا يمكنُ أن يتحقَّقَ النَّجاح بدونها ابتداءً.
إنها مجموعةٌ من الأنشطة النفسيةِ والبدنيةِ التي يقومُ بها الإنسانُ سعيًا للوصول إلى أهدافه وغاياته، ويُمكنُ القولُ: إنَّ القناعاتِ مُتعلقةٌ بالنفس وما تؤمنُ به وما تعتقدهُ، وإنَّ العاداتِ مهاراتٌ وسلوكياتٌ وأفعال مُتعلقةٌ بالبدن وما يقومُ به.
وسنفردُ كلَّ واحدةٍ منها بحديثٍ مستقل..
فالقناعات: هي اعتقاداتٌ راسخةٌ في النفس تؤثرُ في السلوك والتَّصرفاتِ سلبًا أو إيجابًا، إقدامًا أو إحجامًا.
القناعةُ كما يعبر عنها أميرُ المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين سُئل: كيف تغلبُ خصومك يا إمام، فقال: ذلك أني ألقَى الرجلَ فأٌقدِّرُ أني أهزمهُ، ويقدر هو أني أهزمه، فأكون أنا ونفسُه عليه.
والقناعةُ كما يعبر عنها هنري فورد بعبارته الجميلة: إن كنت تعتقدُ أنك تستطيع، أو كنت تعتقدُ أنك لا تستطيع، فأنت على حقٍّ في كلتا الحالتين..
فالقناعة إذًا نوعان: إيجابيةٌ وسلبية.
القناعةُ الإيجابيةُ: هي الاعتقادُ الراسخُ والثَّقةُ التَّامةُ أنَّ اللهَ قد وهبكَ من الإمكانياتِ والطاقاتِ، وأعطاك من الأسباب والقدرات ما يمكِّنُك بإذن الله أن تصلَ إلى هدفك مهما كان صعبًا وبعيدًا..
القناعةُ الإيجابيةُ: هي يقينُ الإنسانِ الجازمِ بقدرته على النَّجاح بإذن الله، فإن لم يكن مُقتنعًا بذلك، فإنهُ سيكونُ هو أولُ من يهزمُ نفسهُ.
وأمَّا القناعةُ السلبيةُ، فعلى العكس من ذلك: اعتقادٌ سلبي بعدم القدرة، تردُّدٌ وعدمُ ثقةٍ، خوفٌ وخورٌ يسببُ الإحجامَ والنُّكوص، ومن ثَمَّ الإخفاقَ والفشل.
وصدَق من قال: الناجحون لا يتراجعون، والمتراجعون لا ينجحون.
أمَّا العادات - ومفردُها عادةٌ -: فهي الأعمال البدنيةُ التي (تعوَّد) الإنسانُ أن يقومَ بها للوصول إلى هدفه.
إنها مجموعةُ أفعالٍ تكرَّر ممارستها حتى تأصلت سلوكًا ثابتًا يُفعلُ بتلقائيةٍ ومهارة، وغالبًا بلا وعي، ويمكنُ القول: إنَّ جميعَ ما نقومُ به من نشاطاتٍ وتصرفاتٍ بدنيةٍ هي عادات، وعلى سبيل المثال، فالابتسامةُ عادة، وطريقةُ المشي عادة، وطريقةُ الجلوس عادة، وكذلك طريقة النومِ والشربِ والأكل، وكل التَّصرفاتِ التي أصبحنا نفعلها بتلقائية (وبلا تفكير)، ونحنُ إنما نفعلها بتلك الطريقةِ؛ لأننا كررنا ممارستها حتى تأصلت فينا سلوكًا ثابتًا.
والعادة في حدِّ ذاتها مُحايدة، يُمكن توظيفها في المفيد والضَّار؛ كالسكين وباقي الأدوات، لذا فيمكنُ أن نقسِّم العاداتِ إلى عاداتٍ نافعةٍ وعاداتٍ ضارة.
فالعاداتُ النافعة؛ كاحترام المواعيدِ والنَّومِ المبكرِ والابتسامةِ والقراءةِ والصدقِ والكرمِ والشجاعةِ وغيرها من مكارم الأخلاق.
والعاداتِ الضارةِ؛ كالسهر والتدخينِ وكثرةِ النَّومِ والإهمالِ والكذبِ والغيبةِ والبخلِ، وغيرها من مساوئ الأخلاق.
واكتسابِ العاداتِ أو أن شئت فقل المهارات، أمرٌ في متناول الجميع؛ جاء في الحديث الحسن قال عليه الصلاة والسلام: «إِنَّما العلمُ بِالتَّعَلُّمِ، وإِنَّما الحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، ومَنْ يَتَحَرَّ الخَيْرَ يُعْطَهُ، ومَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ»، وجاء في روايةٍ صحيحة: «ومَن يَتَصبَّرْ يُصَبِّرْه اللهُ» .
ثم اعلم أخيَّ المبارك أنَّ عملية اكتسابِ العاداتِ النافعة، والتَّخلصِ من العادات الضَّارة، هي أهمُّ وأثمنُ ما يَختـصرُ عليك الوقتَ والجهدَ لتحقيق النجــاح، وأنَّ كلَّ مهارةٍ أو عادةٍ جديدةٍ تحتاجُ إلى تدريبٍ خاصٍ ومكثفٍ ينقلها من مرحلةِ التعلُّمِ و(الغشامة) إلى مرحلة الإتقانِ والتلقائية.
فمهارةُ الخطِّ مثلًا: تحتاجُ ممن يريدُ إتقانها أن يتدربَ وفقَ أصولِ وقواعدِ كتابةِ الخطِّ تدريبًا مكثفًا حتى يصلَ بها للمستوى المطلوب، وقِسْ على ذلك جميعَ المهاراتِ الأخرى، كالخطابة والإنشادِ والتمثيلِ وجميع الألعابِ والحرفِ والمهن، كلٌّ منها تحتاجُ إلى تدريبٍ خاص ومكثفٍ، ومن ذلك المهارات والعادات المتعلقة بالنجاح العام؛ كمهارات تحديدِ الأهدافِ، والتَّخطيطِ، وإدارةِ الوقتِ، والتركيزِ، وتكوين العلاقاتِ، وغيرها من المهارات.
ومن المفيد أن تعلمَ أنَّ عملية اكتسابِ وإتقانِ أيِّ مهارةٍ أو عادةٍ، لا بدَّ أن تبدأ بفترة (غشامة) تتميزُ بكثرة الأخطاء، كما تتميزُ بقوة الانتباهِ والتركيزِ ويقظةِ العقلِ أثناء ممارسةِ المهارة..
إنها فترةٌ حساسةٌ تحتاجُ إلى صبرٍ ومجاهدةٍ، وإلى ثقةٍ عاليةٍ بالقدرة على تعلُّم المهارةِ وإتقانها، وإلى قدرٍ كبيرٍ من الإصرار والتِّكرارِ والاستمرار.. إلى يصبحُ أداءُ المهارةِ أو العادةِ شيئًا (عاديًّا) يمارسُ بتلقائيةٍ وإتقانٍ وبلا وعي ولا انتباه..
قال خبيرُ الذاكرة العالمي هاري لورين: تذكر من فضلك أنهُ لا توجدُ ذاكرةٌ ضعيفةٌ وأخرى قوية، يوجدُ فقط ذاكرةٌ مُدربةٌ، وأخرى غيرُ مدربة.
وقياسًا على ذلك، فلا يوجدُ إنسانٌ فاشلٌ، يوجدُ إنسانٌ تدربَ على مهارات النَّجاحِ، وإنسانٌ لم يتدرب.
فمن فضلك تذكر جيدًا أنَّك لن تستفيدَ من مهارات وعاداتِ النَّجاحِ كما ينبغي حتى تصلَ بها إلى درجةِ الإتقانِ والتِّلقائيةِ، وذلك من خلال التدريبِ المكثف.
وصدق من قال: من جدَّ وجد، ومن زرع حصد، ومن صبرَ ظفر، ومن ثبت نبت، وكل من سارَ على الدرب وصل، وخيرٌ من ذلك:
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].
وآخرُ دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
_________________________________________________________
الكاتب: الشيخ عبدالله محمد الطوالة