لماذا تساند الدول الأوروبية فرنسا ضد النيجر؟!
عامر عبد المنعم
يكرر الأوروبيون أخطاءهم في التعامل مع إفريقيا، وكأنهم لم يستوعبوا دروس التاريخ؛ فما زالت الأطماع والرغبة في سرقة الثروات هي التي تحكم السياسة الأوروبية
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
يكرر الأوروبيون أخطاءهم في التعامل مع إفريقيا، وكأنهم لم يستوعبوا دروس التاريخ؛ فما زالت الأطماع والرغبة في سرقة الثروات هي التي تحكم السياسة الأوروبية، فلا مكان للمبادئ والقيم واحترام حقوق الإنسان إلا في الخطب على المنابر وفي المؤتمرات الدولية أمام الميكروفونات، ورغم ما بينهم من خلافات وصراعات فإنهم يتحالفون ويتحدون في مواجهة الشعوب الأخرى دون احترام لتنوع الحضارات والثقافات.
رغم أن الجيوش الأوروبية خرجت من القارة الإفريقية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي بعد موجات التحرر ورغبة الشعوب في الاستقلال؛ عادت هذه الجيوش مرة أخرى إلى القارة للتعاون مع الجيش الفرنسي الذي لم يخرج كما خرج الباقون؛ لضمان تدفق المواد الأولية والمعادن والثروات، ولتنصيب حكومات مدنية أو عسكرية مستأنسة يقودها موظفون يخدمون الغرب.
فور الانقلاب العسكري في النيجر أعلن الاتحاد الأوروبي عن رفضه وإدانته، ودعا لفرض العقوبات، ورغم تراجع الأوروبيين خطوات عن الاندفاع الفرنسي للتدخل العسكري وشن الحرب فإن مجمل الموقف الأوربي داعم لفرنسا، ولا يبالي برغبة الشعوب الإفريقية في الخلاص من التبعية للفرنسيين.
قد تكون حالة الاستسلام التي عاشها الأفارقة في العقود الماضية والقابلية للتبعية هي التي أغرت الأوربيين على مواصلة النهج الاستعماري والتغاضي عن المظالم، وشجعهم الضعف الإفريقي على مشاركة الفرنسيين في الاستيلاء بغير حق على الثروات، وترك شعوب البلاد المنهوبة تعيش في الفقر والبؤس، وقد ساعدهم على ذلك نخب عسكرية ومدنية – في طريقها للأفول- صنعتها فرنسا على عينها لتضمن السيطرة والتلاعب بالشعوب.
الجيوش الأوروبية تحتشد في إفريقيا!
يمتليء تاريخ الاحتلال الفرنسي لشمال وغرب إفريقيا منذ قرنين بالمذابح والجرائم، ويواجه كل رئيس فرنسي في زيارته لإفريقيا بهذا التاريخ المظلم، وفرنسا تحديدا ليست كغيرها من الدول الأوروبية الاستعمارية، فالكل غادر إلا فرنسا؛ وما زال الجيش الفرنسي يحتل بشكل مباشر دول غرب إفريقيا، وتهيمن فرنسا على شمال إفريقيا، بشكل غير مباشر وبدرجات متفاوتة.
إذا كانت فرنسا لا تبالي بكراهية الشعوب الإفريقية لها لما تحققه من غنائم وسطو على الثروات؛ فلماذا تشارك الدول الأوروبية في تحمل سيئات لم تشارك فيها، ولماذا ترسل قواتها لمساندة فرنسا في استمرار احتلال دول الساحل الإفريقي؟
لقد ضاقت الدنيا على فرنسا في غرب إفريقيا مع اتساع موجة التحرر، ولم يعد في قدرة الجيش الفرنسي وحده الاستمرار في الاحتلال، فتم استدعاء الأوروبيين للدعم تحت مسميات متنوعة، وإدخال إفريقيا في دائرة الأمن الأوروبي، بالإغراء بالمصالح الاقتصادية، وبالتهويل من خطر الجماعات الإسلامية الجهادية ومما يسمى بـ “الإرهاب الإسلامي” وهي ذات الشعارات التي رفعها الأوربيون القدامى، منذ حملة هنري الملاح واجتياح القارة الإقريقية، بعد سقوط غرناطة في القرن الخامس عشر.
مالي كانت مركز التحرك الفرنسي العسكري، حيث تدفقت الجيوش الأوروبية على المنطقة فكانت البداية قوة سرفال الفرنسية وقوامها 4 آلاف جندي بداية من عام 2013، أعقبتها بعثة مينوسما الأممية في 2013 وهي بعثة حفظ سلام تتألف من 17 ألف جندي وشرطي بينهم ألف جندي ألماني، ثم بعثة الاتحاد الأوروبي 2013 وهي بعثة تدريبية تتألف من ألف جندي بينهم 300 جندي ألماني، وقوة برخان 2014 الفرنسية وتتألف من 5 آلاف جندي، وقوة تاكوبا العسكرية الأوروبية 2020 وهي قوات خاصة من 10 دول أوروبية تدعم قوة برخان وتتألف من 900 جندي، بالإضافة إلى القوة المشتركة لمجموعة دول الساحل الخمس 2017 وتضم 5 آلاف جندي من مالي وبوركينافاسو والنيجر وتشاد وموريتانيا.
بعد انقلاب مالي قرر القادة الجدد طرد فرنسا وكل القوات الأجنبية، فعاد الجزء الأكبر من القوات إلى بلادهم بينما نقل الجيش الفرنسي قواته إلى النيجر ومعها قوات أوروبية من ألمانيا وإيطاليا في إطار “مهمة الشراكة العسكرية في النيجر” التي أطلقها الاتحاد الأوروبي، كما فتحت فرنسا الطريق لمشاركة الولايات المتحدة ليكون لها قواعد عسكرية لتوطيد وجودها.
الأطماع في ثروات النيجر ودول الساحل
كشف التكالب الغربي على دول الساحل الإفريقي حجم الأطماع الغربية في القارة الإفريقية، فهذه الجيوش الأوروبية التي تنتشر في دول المنطقة تبحث عن الثروات، بغير الطريق العادل المتعارف عليه، وهم لا يعترفون بسيادة هذه الدول، ويتعاملون معها كمستعمرات، ومع الشعوب كعبيد ليس لهم حقوق، ولا يتركون الدول والأمم تدير شؤونها بنفسها وتختار حكامها.
النيجر التي تدبر فرنسا لغزوها ومعها بعض الأوربيين فضحت الأطماع الدولية، فهذه الدولة الفقيرة التي لا توجد بها محطة كهرباء تنير العاصمة هي المورد الرئيسي لليورانيوم لأوروبا لتشغيل المفاعلات النووية التي تولد الكهرباء للأوروبيين، بل إن مصباحا من كل ثلاثة مصابيح تضيء في فرنسا مصدرها اليورانيوم الذي تسرقه الشركات الفرنسية من النيجر.
النيجر بجانب اليورانيوم من أكبر منتجي الذهب في القارة الإفريقية كما أن بها الحديد والفوسفات، وكذلك البترول الذي يتدفق من الأرض كينابيع الماء، لا يحتاج إلى شركات التنقيب الأجنبية التي تستولي على ثلثي الإنتاج وأكثر، ينتظر حكومة وطنية تستخرجه وتبيعه بشكل عادل وتنفق على شعبها الذي يعيش تحت خط الفقر.
من المشروعات الكبرى التي تزيد طمع الأوروبيين في النيجر الأنبوب الذي ينقل الغاز من نيجيريا إلى الجزائر ومنها إلى أوروبا والذي يمر عبر النيجر، والمقدر له نقل 30 مليار متر مكعب سنويا، بديلا للغاز الروسي. ويأتي في إطار سياسة الأوربيين لتنويع مصادر الغاز، التي تأثرت بسبب الحرب في أوكرانيا، وهذا الخط تعثر مؤقتا لحين استكمال التمويل ولإيجاد حل للصراعات في نيجيريا، حيث تشهد مناطق النفط والغاز في منطقة دلتا النيجر بجنوب البلاد عمليات تفجير للأنابيب وسرقة النفط، من قبائل وجماعات عرقية صادرت الحكومة أراضيها بدون تعويضات وأعطتها لشركات النفط الغربية.
الوجود العسكري الأجنبي في الدول الإفريقية هو سبب الفقر في إفريقيا وهو سبب الصراعات والقلاقل، ويوم تخرج هذه الجيوش سيعود السلام والأمن للقارة، وستستقر الأحول فيها وستختفتي الصراعات التي صنعها الفرنسيون والأوروبيون، وسيعود النفع على الأفارقة، وأيضا على القارة الأوروبية التي تعاني من المهاجرين الذين يتدفقون عليها من الدول التي خربوها، وسيحصلون على المواد الخام ولكن بدفع ثمنها وليس بسرقتها كما يجري الآن.
المصدر : الجزيرة مباشر
صحفي وكاتب مصري، شغل موقع مساعد رئيس تحرير جريدة الشعب، ورئيس تحرير الشعب الالكترونية.