اليمن.. صالح ومعركة: (الساعة الأخيرة)
ملفات متنوعة
- التصنيفات: قضايا إسلامية -
ليمن.. صالح ومعركة: (الساعة الأخيرة)
الكـاتب: مصطفى عياط
المختار الإسلامي
جاءت عودة الرئيس: (علي عبد الله صالح) المفاجئة إلى اليمن لتثير العديد من التساؤلات، فالكثيرون تعاملوا مع سفر (صالح) للعلاج في السعودية على أنه خروج نهائي، وهو ما أكدته تصريحات أمريكية عدة، لكن صالح -كالعادة- خالف كل التوقعات، وعاد إلى صنعاء شاهرًا سيفه في وجه معارضيه، ذلك فيما تحدثت مصادر المعارضة اليمنية عن طردٍ سعودي (لصالح) بسبب مماطلته في التوقيع على المبادرة الخليجية، إلا أن الرياض نفت ذلك السيناريو بشكل غير مباشرة، مشيرة إلى أن عودة (صالح) قصيرة ومؤقتة، لترتيب عملية انتقال السلطة بشكل هادئ، ثم مغادرة البلاد مرة أخرى.
وبغض النظر عن صحة أيٍّ من تلك التسريبات، فإن المتابع لاشتعال القتال قبل عودة (صالح) بأيام، ثم اشتداد المعارك عقب ذلك يدرك أن (صالح) يطبق أسلوبًا معتادًا في المعارك الحربية، حيث يلجأ كل طرف قُبيل أي مفاوضات محتملة لوقف القتال إلى محاولة انتزاع أي مكاسب على الأرض تعزز موقفه على مائدة المفاوضات، وبالطبع فإن الطرف الأضعف يكون الأكثر شراسة في ذلك، بينما يركز الطرف الأقوى على حماية مكاسبه.
ضعف وقوة:
ووفقًا لذلك فإن (صالح وحلفائه) يسعون إلى انتزاع أي مكاسب جديدة على الأرض، لتقوية موقفهم الضعيف على مائدة المفاوضات، وضعف (صالح) يكمن في أنه سفك من الدماء ما يستحيل معه بقاؤه في الحكم، كما أنه فقد تأييد أطراف مهمة في معادلة الحكم، تتمثل في (الأحمرين) أي: اللواء: (محسن الأحمر) قائد الفرقة المدرعة الأولى، والشيخ: (صادق الأحمر) الزعيم القبلي النافذ.
ومن اللافت أن: قوة (صالح) تكمن أساسًا في ضعف وتشرذم معارضيه، سواءٌ من الثوار المعتصمين في الميادين منذ شهور، أو قوى المعارضة التقليدية، أو حتى الجنرال القوي (على محسن الأحمر). وتجلى هذا الضعف في عجز كل هؤلاء عن استغلال غياب (صالح) عن البلاد وتشكيل سلطة أمر واقع تتولى الحكم، بل إن ما حدث كان العكس من ذلك تمامًا، حيث ظل أنصار (صالح) في الحزب الحاكم قادرين على حشد عشرات الآلاف كل جمعة للتظاهر دعمًا للرئيس الغائب، فيما نجح أبناء وأقارب (صالح) الذين يمسكون بزمام القيادة في الجيش والأجهزة الأمنية، في ضمان تأييدها (لصالح) ونظام حكمه.
فرصة ذهبية:
ومع أن غياب (صالح) شكل فرصة ذهبية لنائبه: (عبد ربه منصور هادي) كي يتسلم السلطة على طبق من فضة، لكن (هادي) -على ما يبدو- فضّل تكرار ما فعله نظيره في مصر اللواء: (عمر سليمان) حيث تمسك بالولاء لرئيسه، ليس فقط لاعتبارات العشرة الطويلة كما فعل (سليمان) وإنما كذلك لإدراكه أن الأمور ليست بهذه السهولة، وأن حلفاء (صالح) في (الحزب الحاكم، والحرس الجمهوري، وأجهزة الأمن، وزعماء القبائل) لن يسلموا بسهولة بخسارة امتيازاتهم ومصالحهم، وسيقاتلون حتى النهاية أملًا في الوصول لصفقة متوازنة، وهو الأمر الذي يستحيل تنفيذه بدون مشاركة (صالح) حيث إن الفوضى الشاملة التي زرع بذورها بطول اليمن وعرضه في دهاء قاتل، هي التي مكنته حتى الآن من البقاء في الحكم.
وإضافة إلى ضعف المعارضة وعجزها عن إيجاد بديل، فإن (صالح) ورغم غيابه عن البلاد لأكثر من ثلاثة أشهر، ظل قادرًا على تقديم خدمات ثمينة لحلفائه (الإقليميين، والدوليين) وربما لم يتوقف الكثيرون عند نجاح القوات الموالية (لصالح) -سواء في الجيش أو مسلحي القبائل- قبل أسابيع في تحرير مدينة (زنجبار) عاصمة محافظة (أبين) من مجموعات تنظيم القاعدة التي استولت عليها بطريقة مريبة مع بدايات الاحتجاجات المناهضة (لصالح) ورغم أن الثوار أشاروا منذ البداية إلى أن سقوط المدينة تم بتواطؤ من جانب (صالح) إلا أن تحريرها شكَّل رسالة واضحة للخارج بأن المنظومة العسكرية التي يديرها (صالح) ما زالت قادرة على العمل، حتى في ظل غيابه.
خدمات سرية:
ولم تقف خدمات صالح عند ذلك الحد، بل شهدت الأشهر الأخيرة نشاطًا غير مسبوق للطائرات الأمريكية -بدون طيار- في سماء اليمن، حيث شنت عدة غارات لاستهداف مقاتلي (القاعدة) فضلًا عن طلعات الاستطلاع والتجسس، ولا شك في أن تلك الطائرات لم تكن لتصطاد أي هدف، بدون عمليات رصد وتتبع تنفذها عناصر على الأرض، وهي المهمة التي تولتها القوات الموالية (لصالح) ولعل ذلك ما دفع (دانيال بنجامين) منسق عمليات مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية للتأكيد أمام الكونجرس على أن الشراكة التي تقيمها واشنطن مع نظام (صالح) لمكافحة الإرهاب تتخطى الأشخاص.
وخلاصة كل ذلك هي: أن حلفاء (صالح) الإقليميين والدوليين وإن وصلوا إلى قناعة بضرورة مغادرته السلطة في أقرب وقت ممكن لوضع حد لحالة الاحتقان المتصاعدة، ومنع وقوع البلاد في براثن حرب أهلية، إلا أنهم ما زالوا يراهنون على إمكانية الحفاظ على بعض مكونات النظام، كي تواصل تقديم الخدمات التي يسديها إليهم (صالح) ويأتي في قلب هذه المكونات: وحدات النخبة في الجيش والأمن، التي يقودها أبناء وأقارب (صالح) وكذلك الفرقة الأولى المدرعة بقيادة اللواء: (علي محسن الأحمر) إضافة إلى التحالف العشائري القوي، الذي يقوده رجل الأعمال والزعيم القبلي النافذ الشيخ: (صادق الأحمر) كما لا يمكن استبعاد الحزب الحاكم الذي يضم خليطًا من (رجال الأعمال، وزعماء القبائل، والتكنوقراط).
خلطة حكم:
وهكذا فإن المطلوب هو: صياغة نظام حكم جديد تشارك فيه الأطراف الأربعة، إضافة إلى مسحة ديمقراطية عبر إعطاء مساحة لأحزاب المعارضة التقليدية والشباب المتظاهرين، وما يفعله (صالح) من تصعيد الهجوم ضد المعتصمين، وقوات الفرقة الأولى (والشيخ الأحمر) يهدف إلى إضعاف قوتهم على الأرض، وبالتالي خفض سقف مطالبهم على مائدة المفاوضات، وصولاً إلى معادلة تحفظ للحزب الحاكم بقائه في السلطة.
وبالتالي: منع أي ملاحقة قضائية قد تستهدف (صالح) عقب تخليه عن الحكم، وكذلك احتفاظ أنجاله وأقاربه بمراكزهم القيادية في الجيش وأجهزة الأمن، بحجة مواصلة المعركة ضد عناصر (القاعدة) خاصة في ضوء ما يتردد عن نقل التنظيم لقواعده الرئيسية من أفغانستان إلى اليمن، وفي المقابل: فإن الأطراف الأخرى سوف تستميت للحفاظ على مواقعها الحالية، وربما يسعى البعض لتحقيق مكاسب إضافية مستفيدًا من أن مساحة الوقت المتاحة أمام (صالح) محدودة للغاية، وأن حلفائه في الخارج لن يسمحوا له طويلًا بالتوغل في سفك الدماء، ووضع البلاد على شفا حرب أهلية.
لكن يُخشى في ظل هذا السيناريو أن تتفق الأطراف الثلاثة على تقاسم (كعكة الحكم) على حساب المتظاهرين، الذين يفترشون الميادين منذ أكثر من 6 أشهر، ودفعوا فاتورة باهظة الثمن تتمثل في مئات الشهداء، وآلاف المصابين، ولكي يتجنبوا ذلك فإنهم مطالبون بإعادة تنظيم صفوفهم بسرعة، وتحديد قيادة موحدة تمثلهم وتتفاوض باسمهم، لأن انفضاض أحزاب المعارضة التقليدية ومقاتلي الشيخ: (صادق الأحمر، واللواء محسن الأحمر) سيتركهم في العراء فريسة لقوات (صالح) التي تخوض معركة (الساعة الأخيرة) للحفاظ على مصالحها وامتيازاتها.