بعض الأطعمة الواردة في القرآن الكريم وعلاقتها بالغذاء الصحي
"تناول الفاكهة أولًا يخفف من حدة الجوع؛ لأن سكر الفاكهة ينتقل من الفم إلى الدم خلال عشر دقائق إلى مركز الشبع، أما لو بدأ بالطعام فالإنسان لا يشبع"
حاجة الإنسان إلى الطعام:
منذ أن خلق الله الإنسان وهو يسعى بكل طاقته من أجل الحصول على الغذاء الذي يتمكن به من العيش وحفظ الذات؛ مما جعل إشباع رغبات الجسم وتلبية حاجاته من الطعام من الضروريات والحاجات الأساسية للعبد في الدنيا، حيث يستطيع الإنسان من خلال الطعام التقوِّي على طاعة الله عز وجل، والاستعانة بتوفير الطاقة اللازمة للجسم، والمحافظة على الصحة بما يضمن بقاءَه واستمراره بتأدية الواجبات، والقيام بحقوق العبادة لله عز وجل، هذا ما أكدته حادثة آدم عليه السلام؛ إذ دفعته غريزة شهوة الطعام إلى نسيان أمر الله عز وجل، قال تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115]؛ حيث حذَّر الله عز وجل آدم عليه السلام من اتِّباع إبليس، وأن يتسبب في خروجهما من الجنة، وفي ذلك شقاء له؛ لأنه كان يعيش بأريحية من مأكل وملبس، قال تعالى: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى} [طه: 118].
إن لذة الطعام تحصل بإشباع الجوع لا باختيار أنفَس الأطعمة وألذها، ومعروف طبيًّا وفي علم الغذاء أن عُشْر ما نأكله لبقائنا أحياء[1]، وقد وصف الله عز وجل طعام أهل النار على عكس طعام الدنيا، حيث نفى عنه منفعتَي الغذاء، وهما: إماطة الجوع، وإفادة القوة والسمن في الجسم[2]، قال تعالى: {لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} [الغاشية: 7]، ولما كان طعام أهل النار لا يسمن ولا يغني من جوع، حيث "لا يحصل به مقصود، ولا يندفع به محظور"[3]، فيتضح المفهوم المخالف، فيكون فائدة الطعام في الدنيا التسمين والإغناء من الجوع؛ "أي: ليسَ من شأنِه الإسمانُ والإشباعُ كما هو شأنُ طعامِ الدُّنيا، وإنما هُو شيءٌ يضطرونَ إلى أكلِه من غيرِ أنْ يكونَ له دفعٌ لضرورتِهم، لكنْ لا على أنَّ لهم استعدادًا للشبعِ والسمنِ إلا أنَّه لا يفيدُهم شيئًا منهما، بلْ على أنَّه لا استعدادَ من جهتِهم ولا إفادةَ من جهةِ طعامِهم، وتحقيقُ ذلكَ أنَّ جوعَهُم وعطشَهُم ليسا من قبيلِ ما هُو المعهودُ منهما في هذه النشأةِ من حالةٍ عارضةٍ للإنسانِ عندَ استدعاءِ الطبيعةِ لبدلِ ما يتحللُ من البدنِ مشوقةً له إلى المطعومِ والمشروبِ، بحيث يلتذُّ بهما عندَ الأكلِ والشربِ، ويستغنِي بهمَا عن غيرِهما عندَ استقرارِهما في المعدةِ، ويستفيدُ منهما قوةً وسمنًا عند انهضامِهما، بلْ جوعُهم عبارةٌ عن اضطرامِ النارِ في أحشائِهم إلى إدخالِ شيءٍ كثيفٍ يملؤُها، ويُخرجُ ما فيها من اللهبِ، وأما أن يكونَ لهم شوقٌ إلى مطعومٍ ما، أو التذاذٌ به عندَ الأكلِ، واستغناءٌ به عن الغير، أو استفادةُ قوةٍ فهيهاتَ"[4].
دعا القرآن الكريم الإنسان إلى الحفاظ على صحته من خلال عدم الإسراف في الطعام، قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31]، وأن يكون الطعام بمقدار محدد؛ لأن الإسراف في الطعام يؤدي إلى التخمة والكسل وعدم مقدرة الفرد المسلم على أداء العبادة على أكمل وجه؛ لذلك يسعى الكافرون من أجل إشباع غريزتهم غير مُبالين بالآخرة، ويأكلون فيها غير مفكِّرين في المعاد، ولا معتبرين بما وضع الله لخلقه من الحجج المؤدِّية لهم إلى علم توحيد الله ومعرفة صدق رسله، فمثلهم في أكلهم ما يأكلون فيها من غير علم كمثل الأنعام، بل هم أضل" [5]، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾ [محمد: 12]، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَأْكُلُ أَكْلًا كَثِيرًا، فَأَسْلَمَ، فَكَانَ يَأْكُلُ أَكْلًا قَلِيلًا، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «إِنَّ المُؤْمِنَ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالكَافِرَ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ» [6].
"لذلك يحسن ألَّا يأكل كل ما يشتهي، ولو كان حلالًا، بل يفطم النفس في بعض الأحيان أو كلها لأمرين: أولهما: أن ذلك تقوية للإرادة، فلا يكون عبدًا لبطنه، فلا يقع في الإسراف المنهي عنه.
ثانيهما: أن التمكن من أكل الحلال أمر كله لَا يدوم، فقد يُصاب بالحرمان، فيستعد له قبل الابتلاء به، فيكون قادرًا على الصبر"[7].
لقد أورد القرآن الكريم الطعام بأنواع مختلفة يتكون منها الغذاء الصحي.
الفاكهة طعام أهل الجنة:
عندما أنزل الله عز وجل آدم عليه السلام إلى الأرض، أوجد الله عز وجل فيها كل ما يلزمه من الطعام لبقائه حيًّا، الأشجار والثمار والفواكه، والفاكهة نعمة من نعم الله عز وجل على عباده، وهي الثمار بأنواعها، حامضها وحلوها، وهي "كل ما يتفكه به من الثمار، وقال ابن عباس كل ما أكل رطبًا"[8]، وقد عرفها القرطبي بأنها "ما يأكله الناس من ثمار الأشجار؛ كالتين والخوخ وغيرهما"[9].
والله سبحانه وتعالى لم يَحرِم عباده المؤمنين من نِعَم الدنيا؛ لذلك جعل من طعامهم اللحوم في الآخرة، والإنسان يسعد في الدنيا بتقديم اللحم على الفواكه على العكس في الآخرة، قال تعالى: {وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة: 20، 21].
تقديم الفاكهة على باقي الأطعمة:
وفي ذلك تعليم للفرد بالبدء بالفاكهة أولًا في ترتيب الأطعمة على عكس العادات الخاطئة التي نتبعها في حياتنا، حيث نأكل الفاكهة بعد الطعام، وعدَّه ابن قدامة من آداب الطعام[10]، وذلك أفضل في الطب، فمهما كنت جائعًا فإن تناول الفاكهة أولًا يخفف من حدة الجوع؛ لأن سكر الفاكهة ينتقل من الفم إلى الدم خلال عشر دقائق إلى مركز الشبع، أما لو بدأ بالطعام فالإنسان لا يشبع[11]، وهذا ما تُبنى عليه أنظمة إنقاص الوزن اليوم؛ حيث إن تناول الفاكهة يساعد في تخفيف الوزن؛ لأنها تخفف من حدة الجوع، فيأكل القليل من الطعام؛ لذلك حثَّنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نفطر في رمضان على ثلاث ثمرات، وفي الآية دلالة علمية على صدق نبوَّة محمد صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ * كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ * يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ} [الدخان: 51 - 55]، ومن الأدلة التي تدل على صدق نبوَّة محمد صلى الله عليه وسلم؛ حيث أثبت العلم أن أكثر الطعام فائدة للإنسان الفاكهة بأنواعها المختلفة، فقد جمع سبحانه فيها من الغذاء والدواء ما جعلها مكتملة العناصر اللازمة لصحة الأبدان[12].
1- النخل والرمان:
وصف الله عز وجل ما أعدَّ للإنسان في الأرض للحياة، قال تعالى: {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ * فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ} [الرحمن: 10، 11]، وعندما تحدث عن الجنة، قال تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68]، وذكر النخل في القرآن الكريم عشرين مرة[13]، أما الرُّمان فقد ذكره الله عز وجل في كتابه ثلاث مرات[14].
النخل والرمان من فواكه الجنة فقد جمعا العديد من الفوائد الطبية؛ وذلك لأنهما تشابها في الاسم، فما بالكم في نخل ورمان الآخرة، ومن هذه الفوائد:
ثمر النخل يحتوي على نسبة مرتفعة من السكريات (76تقريبًا)، ويمد الجسم بالطاقة والسعرات الحرارية العالية، إضافة لذلك الفسفور والكالسيوم والحديد والفيتامينات التي تحمي الجسم من مرض البلاجرا؛ مما يجعل التمر غذاءً كاملًا[15].
أما الرمان فيحتوى لُبُّه وعصيره على حمض الليمونيك؛ مما يؤدي لتجنب مرض النقرس ومنع تشكل الحصى الكلوية، فحلوه جيد للمعدة، نافع للحلق، والصدر والرئة، وماؤه ملين للبطن، وحامضه بارد يابس، مفيد لالتهابات المعدة، مُدِر للبول، يقطع الإسهال، يمنع القيء، وفي الرمان نسبة من السكريات سهلة الاحتراق تولد الطاقة للجسم، ويقي الجسم من الإصابة بالسرطان، ومرض القلب، وقشوره تستخدم للقضاء على الدودة الشريطية[16].
2- العنب:
ذكر الله عز وجل العنب في القرآن الكريم إحدى عشرة مرة[17] في جملة بيان تعداد النعم على عباده في الحياة الدنيا والآخرة، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ} [يس: 34]، {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا} [النبأ: 31، 32]، لقد وصف الله عز وجل ما يتلقَّاه مَنْ يخافون الله عز وجل، ويخشونه من فضل وإحسان وهو الفوز بالجنة[18]، أشجار ذات الساق، من نخيل وأعناب، محاطة بجدار، أو حائط [19]، وخصت الأعناب بالذكر؛ لأنها مما يعرفه المخاطبون، ولأنه طيب الثمر، داني القطوف، ممتد الظل كما في الحياة الدنيا.
فمن فوائد العنب:
يعمل على التقليل من مستويات الكوليسترول في الجسم؛ مما يجعله يساهم في زيادة صحة الشرايين والقلب، ويساعد في تسهيل عملية الهضم؛ لذلك يعتبر عاملًا مساعدًا في عمل الأمعاء والعضلات والأعصاب، ومنظِّم لتوازن السوائل في الجسم، ويساعد في الوقاية من الأمراض المعدية ومن الالتهابات المختلفة وخاصة التهاب المفاصل، وتساعد الأحماض التي يحويها العنب في تعزيز صحة الفم والأسنان، ويخفف الإمساك والتغلب عليه، حيث يقوم بتليين المعدة[20]، مع تجنب الإكثار منه؛ لأنه يسبب أضرارًا للإنسان.
3- الطَّلْح:
ورد ذكر السِّدْر في القرآن الكريم أربع مرات[21]، منها ما وصف به شجر الدنيا، قال تعالى: {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ} [سبأ: 16] وورد ذكر الطَّلْح مرةً واحدةً في القرآن الكريم[22] في وصف نعيم الآخرة، قال تعالى: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} [الواقعة: 27 - 29].
من فوائد الموز الصحية:
يساهم في معالجة أغلب أمراض الجهاز الهضمي؛ كالإمساك، ويؤدي إلى التقليل من نسبة حموضة المعدة، وعلاج للاكتئاب، وإن تناول موزة واحدة يوميًّا يساهم في التقليل من خطر تأثير مرض الربو على المصاب به [23].
[1] انظر: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، محمد النابلسي (ج1/ 201).
[2] انظر: تفسير النسفي، أبو البركات النسفي (ج3/ 634).
[3] تفسير القرآن العظيم، ابن كثير (ج3/ 385).
[4] إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، أبو السعود (ج9/ 149).
[5] انظر: جامع البيان في تأويل آي القرآن، الطبري (ج22/ 164).
[6] صحيح البخاري، البخاري، كتاب الأطعمة، باب المؤمن يأكل في معًى واحد فيه أبو هريرة عن النبي (7/ 72) حديث رقم (5397).
[7] زهرة التفاسير، أبو زهرة (ج6/ 2821).
[8] تفسير القرآن العظيم، ابن كثير (ج8/ 324).
[9] الجامع لأحكام القرآن، القرطبي (ج19/ 222).
[10] انظر: مختصر منهاج القاصدين، ابن قدامة المقدسي (ص 74).
[11] انظر: الإعجاز في الأرض الفاكهة ثم اللحم، كحيل (موقع إلكتروني).
[12] القرآن وإعجازه العلمي، إبراهيم (ص 162).
[13] انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، عبد الباقي (ص690).
[14] انظر: المرجع السابق (ص 325).
[15] انظر: القرآن وإعجازه العلمي، محمد إسماعيل إبراهيم (ص162).
[16] انظر: زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن قيم الجوزية (ج4/ 289،290)، القرآن وإعجازه العلمي (ص162)، الرمان فاكهة الجنة، الدوابي (موقع إلكتروني).
[17] انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، عبدالباقي (ص 489).
[18] انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور (ج1/ 110).
[19] انظر: الإعجاز البياني للقرآن ومسائل ابن الأزرق، عائشة عبدالرحمن ( ص429).
[20] انظر: فوائد العنب للصحة، المالكي (موقع إلكتروني).
[21] انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، عبد الباقي (ص 348).
[22] انظر: المرجع السابق (ص 427).
[23] تقرير عن فوائد الموز، خضر (موقع إلكتروني).
_________________________________________________________
الكاتب: نجوى يوسف العطل
- التصنيف: