التحية الطيبة
تحية الإسلام موروثٌ ديني وثقافي عظيمٌ، يتساهل الكثيرُ في الحفاظ على قيمته، فبعضنا استبدل به ألفاظًا وافدة نحن في غِنى عنها
- التصنيفات: - آفاق الشريعة -
تحية الإسلام موروثٌ ديني وثقافي عظيمٌ، يتساهل الكثيرُ في الحفاظ على قيمته، فبعضنا استبدل به ألفاظًا وافدة نحن في غِنى عنها، فقد يبادرك بعضهم بقوله: صباح الخير، أو صبَّحك الله بالخير، ويقول آخر: مساء الخير، أو مساك الله بالخير، أو يرفع أحدَهم يده ليُحيِّيَك دون أن ينطق كلمة واحدة!
ذلك الموروث العظيم الذي لم يقدِّره البعض حقَّ قدره، كان سببًا في انتشار الإسلام وتعاليمه السمحة، فكم رقَّت لهذه التحية القلوب وتاقت إليها النفوسُ!
عمير بن وهب شيطان من شياطين قريش، دُخِلَ به على رسول الله ناويًا به شرًّا، مرتديًا حمالةَ سيفه المسموم في عنقه، فحيَّ رسول الله قائلًا: أنعم صباحًا، وكان تلك تحية أهل الجاهلية، فقال رسول الله: قد أكرمنا الله بتحية خيرٍ من تحيتك يا عمير، بالسلام تحية أهل الجنة، فغَشي عمير من نور الرسول والإسلام ما غَشِيَه، فاذا هو في لحظة يتقلب إلى حواري الإسلام!
ولَما بعثت قريشًا عمرو بن العاص في رهط منهم إلى النجاشي؛ ليحرِّضوه على من هاجر إلى الحبشة من الصحابة، بلغوه ما أرادوا، وخوَّفوه من أن يُفسد عليه الصحابةُ قومَه، استأذن عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فأذِن لهم، فلما دخلوا سلَّموا عليه، فقال له المشركون: ألا ترى أيها الملك أنهم لم يُحيوك بتحيَّتك التي تُحَيَّا بها؟ فسألهم النجاشي: ما منعكم أن تحيوني بتحيَّتي؟ فقالوا: لقد حيَّيناك بتحية أهل الجنة وتحية الملائكة، ثم التفت النجاشي إلى وفد قريش وقال لهم: «انطلقوا، فوالله لا أُسلمهم إليكم أبدًا»..
تحية السلام تلك التحية السامية لها شأنٌ عظيم تَحسُدنا الأمم الأخرى عليه، فقد قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم قال: «مَا حَسَدتْكُم اليهودُ على شيء ما حسدَتكم على السلام والتأمين»[1].
وقد يظن البعض أن تاريخ تحية الإسلام جاء مع مجيء الإسلام، ولكنه كان منذ عهد أبينا آدم عليه السلام، فعنه صلى الله عليه وسلم قال: «خلَق الله آدم وطوله ستون ذراعًا، ثم قال: اذهب فسلِّم على أولئك من الملائكة، فاستمع ما يُحيِّونك، تَحيَّتك وتحية ذريَّتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه ورحمة الله[2]، فتلك هي تحية آدم وذريته من بعده، وهي تحية الملائكة وأهل الجنة؛ كما قال تعالى: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ} [يونس: 10].
ويكفينا ويزيد أن السلام هو اسمٌ من أسماء الله؛ فعنه صلى الله عليه وسلم قال: «إن السلامَ اسمٌ من أسماءِ اللهِ تعالى وُضِعَ في الأرضِ، فأَفْشوا السلامَ بينكم» [3].
ومما زاد تلك التحية تعظيمًا وإجلالًا أن الإسلام رتَّب عليها الثواب العظيم، وجعلها حقًّا من حقوق المسلم على أخيه، وعملًا يتقرب به إلى الله تعالى، واستجابة لأمر رسوله، وهذا ما رُوي عنه صلى الله عليه وسلم حينما قال: «أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصَلُّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام»[4].
وقد أجمع العلماء على أن السلام سُنَّة، وأن ردَّ السلام واجبٌ؛ قال تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86].
وعنه صلى الله عليه وسلم قال: «حقُّ المسلم على المسلم خمس: ردُّ السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس»[5]، وسُئل صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: «تُطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرَفت ومن لَم تعرِف»[6].
ومن قال: السلام عليكم ورحمة الله، فتُكتب له عشرون حسنة، ومن قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، كُتبت له ثلاثون حسنة[7]، فعن كل حرف من حروف إلقاء السلام تُكتب حسنة.
دُلُّونا على تحية تعدِل تلك الجبال من الحسنات، عظيمة من أعظم نِعم الله علينا، فلن نجد في أي عبارات غيرها تلك المعاني من الطمأنينة وطلب الدعاء، وتحصيل البركة والأجر.
وختامًا تحية طيبة مباركة منا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1] صحيح البخاري.
[2] صحيح البخاري.
[3] صحيح الجامع.
[4] صحيح ابن ماجه.
[5] صحيح البخاري.
[6] صحيح البخاري.
[7] مسند ابن أبي شيبة.
________________________________________________________
الكاتب: نورة بنت عبدالرحمن الكثير