قيام الليل طريق السعادة
فأهل الليل أسعدُ - بربهم ومناجاته، والوقوف بين يديه - من أهل السكر بسكرهم، وأصحاب النساء بنسائهم، وأهل المال بمالهم، وأهل الجاه والسلطان بسلطانهم، كيف لا وهم في أُنس بالرحمن الرحيم؟!
- التصنيفات: فقه النوافل -
قبل الخطوة، أبشر فإن الخطوة هينة وسهلة؛ قال ابن عباس رضي الله عنه: من صلى ركعتين أو أكثر بعد العشاء، فقد بات لله ساجدًا أو قائمًا.
فأهل الليل أسعدُ - بربهم ومناجاته، والوقوف بين يديه - من أهل السكر بسكرهم، وأصحاب النساء بنسائهم، وأهل المال بمالهم، وأهل الجاه والسلطان بسلطانهم، كيف لا وهم في أُنس بالرحمن الرحيم؟!
قيل للحسن: ما بال المتهجدين بالليل من أحسن الناس وجوهًا؟ قال: لأنهم خلوا بالرحمن فألبَسهم من نوره.
وكان الناس إذا رأوا وجـه محمد بن سيرين، سبَّحوا لله لطلائع النور التي عليه.
كانوا إذا رأوا النور الذي يعلو وجه وكيع بن الجراح، قالوا: ما هذا بشرًا إن هذا إلا ملك كريم.
عامر بن عبدقيس: لما احْتُضِر جعل يبكي، فقيل: ما يبكيك؟ قال: ما أبكي جزعًا من الموت، ولا حرصًا على الدنيا، ولكن أبكي على ظمأ الهواجر وقيام الليل.
قيام الليل تربية للنفس وإصلاح للقلب وانشراح للصدر:
إن الله تعالى حينما انتدب محمدًا صلى الله عليه وسلم للدور الكبير والعمل الشاق الثقيل، قال له: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: 1 - 5].
وإن تعجب فاعجب من أن أول شيء فُرض على الصحابة هو قيام الليل؛ حتى تتربى نفوسهم وتَقْوَى قلوبهم، فلما تربَّوْا رُفِع فَرضه عنهم، فما تركه واحد منهم.
قيام الليل مدرسة الإخلاص:
قال قتادة: ما قام الليل منافق، وهل تجد الصبر والصلاة وعُلوَّ الهمة وعمل السر، إلا في قيام الليل؟!
ورحِم الله الأديب مصطفى صادق الرافعي؛ حيث قال: إن الخطأ الأكبر أن تنظم الحياة من حولك، وتترك الفوضى في قلبك.
نعم، إن فينا مُنظِّمين كُثرًا، معلمين، معجبين، مغرورين، مخدوعين، أهملوا نفوسهم وأضاعوا قلوبهم، واهتموا بمن حولهم!
يا ليل قيامك مدرســة *** فيها القرآن يدرسنـــــــي
معنى الخلاص فألزمـه *** نهجًا بالجنة يُجلسنـــــي
ويبصرني كيف الدنيــا *** بالأمل الكاذب تغمسنـــي
فأباعدها وأعاندهــــــا *** وأراقبها تتهجسنــــــــــي
فأشد القلب بخالقـــــه *** والذكر الدائم يحرسنـــي
قيام الليل من صفات المتقين وعمل الفائزين:
قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 15 - 18].
وقال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9].
قيام الليل دقائق غالية فلا تُرخِّصوها بالغفلة:
روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن في الجنة غرفًا يُرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن أطعم الطعام، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام».
وفي صحيح مسلم أيضًا قال صلى الله عليه وسلم: «إن في الليل ساعة لا يوافقها رجل مسلم، يسأل الله تعالى خيرًا من أمر الدنيا والآخرة - إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة».
وعند الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عليكم بقيام الليل؛ فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى ربكم، وتكفير للسيئات، ومنهاة عن الإثم»؛ (صححه الألباني).
وعند الطبراني بسند صححه الألباني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله ليضحك إلى رجلين: رجل قام في ليلة باردة من فراشه ولحافه ودثاره، فتوضأ ثم قام إلى الصلاة، فيقول الله لملائكته: ما حمل عبدي على ما صنع؟ فيقولون: ربَّنا، رجاء ما عندك، وشفقة مما عندك، فيقول: فإني أعطيته ما رجا وأمَّنته مما يخاف».
القيام سبب لحسن الخاتمة:
فمن صَفَا صُفِّي له، من نصب قدميه في محرابه باكيًا متضرعًا في سواد الليل، كانت الخاتمة الطيبة؛
قال الأوزاعي رحمه الله: من أطال القيام في صلاة الليل، هوَّن الله عليه طول القيام يوم القيامة.
يا رجالَ الليل جِدُّوا *** رُبَّ داعٍ لا يُــرَد
لا يقوم الليــــــل إلا *** مَن له عزمٌ وجِد
كانت للحسن بن صالح بن حُيَيّ جارية تقوم الليل مع سيدها، فلما باعها، قامت عند قومها في جوف الليل، فقالت: يا أيتها الدار، الصلاة، الصلاة! قالوا: أطلع الفجر؟! قالت: وليس تصلون إلا المكتوبة، قالوا: نعم، ليس نصلي إلا المكتوبة، فرجعت إلى سيدها الأول، وقالت: تبيعني إلى قوم سوء لا يُصلون بالليل، بالله رُدَّني، فردَّها وفاءً لحقها.
بشر بن الحارث: قيل له مرة: ألا تستريح في الليل ساعة؟ فقال: إن رسول الله قد قام حتى تورَّمت قدماه، وقطر منها الدم، مع أن الله تعالى قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فكيف أنام وأنا لم أعلم أن الله غفر لي ذنبًا واحدًا؟!
وبعد الكلام كيف القيام؟ إنها عقدة أما لها حَلٌّ؟!
بلى! إن لها حلولًا؛ فقد جاء في البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يَعقد الشيطان على قافية رَأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عُقد، يضرب كل عقدة: عليك ليل طويل، فارقُد، فإن استيقظ فذكر الله انحلَّت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صَلَّى انحلت عقدة، فأصبح نشيطًا طيبَ النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلانَ».
وإن مما يعين على القيام:
1- قلة الطعام؛ قال وهب بن مُنبه: ليس من بني آدم أحب إلى الشيطان من الأكول النوَّام، وقال سفيان: عليكم بقلة الطعام، تَملِكوا من الليل القيامَ.
2- استعينوا بقيلولة النهار على قيام الليل.
3- ترك المعاصي؛ قيل للحسن البصري: يا أبا سعيد، إني أبيت معافًى وأُعد طهوري، فما بالي لا أقوم، فقال: قيَّدتْك ذنوبُك.
قال الثوري: حُرِمت قيام الليل خمسة أشهر بسبب ذنبٍ أذنبته، قيل: وما هو؟ قال: رأيت رجلًا يبكي فقلت في نفسي: هذا مُراءٍ.
رحمهم الله، قلَّت ذنوبُهم، فعلِموا من أين أُوتوا؟ وكثُرت ذنوبنا، فلم ندرك من أين أُتينا؟
4- طيب المطعم.
5- النوم بعد العشاء، فالسهر مكروه إلا لحاجةً؛ كطلب علم، أو مقابلة ضيوف، ونحو ذلك.
6- الإخلاص.
7- النوم على نية القيام.
8- النوم على طهارة.
9- الدعاء أن يمنَّ الله عليك بالقيام.
النصيحة:
• ابدأ وقبل أن تنام توضَّأ وصلِّ ركعتين.
• ثم زِد بعد ذلك إذا أردت.
• فإذا علَت بك هِمَّتُك أن تُصلي إحدى عشر ركعة كما هو ثابت في السُّنة، فمما يسهل عليك أن تصلي بعد سنة العشاء أربع ركعات ولو في المسجد، ثم تكمل في البيت قبل النوم أو قبل الفجر.