أبنائي.. إنه الإيمان بالقدر
كنا نترقب تلك الأيام وننتظرها بفارغ الصبر، ومرت علينا ثقيلة ومقلقة، حتى نرى خبرَ ظهور نتيجة الثانوية العامة، نعد الثواني والساعات، ونستيقظ باكرًا في ذلك اليوم المنتظَر؛ ليرى أبناؤها نتيجة سعيهم...
كنا نترقب تلك الأيام وننتظرها بفارغ الصبر، ومرت علينا ثقيلة ومقلقة، حتى نرى خبرَ ظهور نتيجة الثانوية العامة، نعد الثواني والساعات، ونستيقظ باكرًا في ذلك اليوم المنتظَر؛ ليرى أبناؤها نتيجة سعيهم، ونرى - نحن الآباء - نتيجة ما بذلناه من مال وجهد.
وهنا المشهد؛ نجد بيوتًا يعلوها الفرح والبهجة والمباركات، ونرى بيوتًا كأن على رؤوسهم الطير، أصابهم الغم والهم من النتيجة، ولكن أفزعني هذه المرة أن أرى ما لم أتوقعه؛ انتحار شباب وشابات في مقتبل العمر، ولا أعرف لماذا؟ لماذا أقرر هذا القرار؟ وما هو الحدث الجَلَل الذي حدث لكي أنهي حياتي بنفسي؟ ماذا كسبت مقابل انتحاري؟
لحظة تفكير فقط يا أبنائي، ولحظة إنصات أيها الآباء، أين إيمانك بالقدر خيره وشره؟
أين هو إيمانكم بالله في قلوبكم؟ إن لم يظهر في مثل هذه المواقف، فمتى يظهر إذًا؟
أين إيمانكم باسم الله الحكيم والعليم وأنه لا شيء يحدث إلا لحكمة يعلمها، وأنه سبحانه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير؟
أين ثقتك بالله وأنه هو المدبر الرزاق؟ دبَّر لك حالك، وهيأ لك الأسباب بما ينفعك ويصلحك، وكفل لك رزقك حتى مماتك، أين إيمانك بقوله: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 216]؟ وأين لجوؤك إلى الله ودعاؤك له؟ لماذا ننسى كل هذا في هذه اللحظات؟
أعلم أن هناك مَنِ انتحر خوفًا من ردود فعل أهله، وهناك من انتحر لأنه ظن نفسه من الأوائل، ولم يحدث ذلك، وأُقدِّر مشاعركم وحزنكم جدًّا؛ لأننا عشنا هذه الأيام من قبل، ولكن إيمانكم في هذه اللحظات مهمٌّ؛ لأنه كالبوصلة يوجِّهك إلى الفعل الصحيح الذي يُرضي عنك الله، ويهوِّن عليك الأمر، ويضبط مشاعرك، إذا أصابك شيء يزعجك دائمًا ردِّد: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرًا منها؛ لكي تذكِّر نفسك دائمًا بأن حق الله أعظم من هذه النتيجة، وأنه هدفك من وجودك في الحياة، وليس دخول كلية الطب والهندسة، وأن الرزق بيد الله، فانشغل أنت بهدفك الأساسي، وخُذْ بأسباب الرزق بما فتح الله لك، وفي النهاية أنت محاسَبٌ أمام الله ليجازيك عن طاعتك وعملك، فأطِعِ الله فيما أصابك ليجزيك عنه خيرًا، وثِقْ بالله بأنه دبر لك أمورك، وادعُهُ دائمًا بأن يخلف عليك بالخير، وتذكَّر في وقت المحن والمصاعب أن تفَعِّل إيمانك وتستحضره، وتقبَّل نتيجتك بالهدوء والسكينة، وعِشْ أيامك، فلا أحد يعلم ما يدبره الله لك.
ورسالتي لكم أيها الآباء: اتقوا الله في أبنائكم، لا تكونوا عبئًا عليهم، بل هوِّنوا عليهم الأمر، واشكروا لهم سعيهم، فلا شيء يساوى خسارتهم، فكلنا مَرَرْنا بتلك الأيام، وكلنا عِشْنا نفس الضغط، وأين نحن الآن؟ نعيش بما دبَّره الله لنا، ورُزقنا بما كتبه الله لنا من رزق، فكونوا لأبنائكم عونًا على مرور تلك الأيام بعافية وإيمان وصبر، وأذكِّر نفسي وإياكم أن تلك النتيجة لا تُدخل جنة ولا نارًا، وليست نهاية العالم، فتقبَّلها بصبر وإيمان، واسعَ فيما ينفعك متوكلًا على الله؛ فحياتكم - يا أبنائي - أثمنُ عندنا من مجرد درجات على ورقٍ.
__________________________________________________
الكاتب: داليا رفيق بركات
- التصنيف: