شبهات في الصفات
والخلاصة أن الصفات هي ما وصف الله تعالى به نفسه. والتعطيل والتحريف والتمثيل كلها شبهات في الأسماء والصفات.
من أسس العقيدة الصحيحة الايمان بأسماء الله تعالى وصفاته، وذلك بإثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه منها، ونفي ما نفاه عن نفسه. ويجب الايمان بأسمائه وصفاته التي ذكرت في القرآن الكريم والسنة الشريفة، سواء كانت ذاتية أو فعلية. قال تعالى: {(وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا)} [1]. وتوحيد الأسماء والصفات من أهم ما أثبته القرآن الكريم، اذ ان أسماء الله تعالى وصفاته تم ذكرها في الكثير من سور القرآن الكريم؛ وعادة ما تختم بها الآيات لزيادة ترسيخها في نفوس الناس وتأكيد على ما جاء في الآية الكريمة أو تعقيب عليه. وتعلَّم أسماء الله وصفاته من أهم الأساليب التي تقوي إيمان المرء. إذ أن معرفة الله تبدأ منها وتمهد للسالك طريق الوصول لمراحل الإحسان والمحبة. كما أنها طريق لدخول الجنة. قال صلى الله عليه وسلم: «(إن لله تسعة وتسعين اسماً، مئة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة)» [2]. وهي باب كبير ومهم من أبواب التوحيد وجزء لا يتجزاء من العقيدة. إذ كيف يكتمل التوحيد دون العلم بمن نعبده ونوحده وتعلم اسمائه وصفاته. بل – ولله المثل الأعلى – إن الشعب إن أراد أن يبايع رئيسا للدوله لابد له وأن يكون عالم مسبقا بصفات الرئيس حتى يكون مؤهل في نظر الناس لتنصيبه. فكيف بالإله الذي نعبد ونوحد ... وهل يمكن لإنسان أن يعبد مجهول دون العلم بصفاته. ولذا نجد تعلم الصفات هام لفهم التوحيد وإتباعه ... ولذا ربما الأولى البدأ بتعليمها لطلاب العلم قبل التوحيد ... فذلك أدعى لقبول الدعوة لتوحيد الله والإسلام والتسليم له. وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم كفار قريش بعد أن ذكر شيء من صفات الله وأسمائه. ونجد ذلك في كل من طوال السور والمكي المفصل. ومن أمثلة أسمائه وصفاته ما ذُكر في قوله تعالى: {(هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْارض وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)} [3]. وهناك أسماء وصفات أخرى منتشرة في القرآن والسنة.
وقد تعددت الشبهات والفرق والملل المنحرفة في باب الأسماء والصفات. وأما أهل السنة والجماعة فقد هداهم الله إلى الحق والتوسط فيها. فهم وسط بين الجهمية أهل التعطيل وبين أهل التمثيل وهم المُشّبِّهة من الصوفية. والجهمية نسبة إلى الجهم بن صفوان الترمذي، وهي فرقة تعتقد بنفي الصفات عن الله تعالى وأنه لا يجوز وصف البارئ بها[4]. وهي نوعان: النُفُاة الذين يقولون لا ندري اين الله، والمثبتة الذين يقولون ان الله في كل مكان[5]. وقد ضلت هذه الفرقة بقسميها، اذ لو رجعوا للقرآن لوجدوا الصفات مثبتة في كثير من الآيات، ولما وقعوا في هذا الخلط وفساد القول في حق الله تعالى. كما أنه لا يصلح القول بأن الله سبحانه موجود في كل مكان ... إذ يعني ذلك أنه موجود في الحمامات ونفايات القمامة والنجاسات، وتعالى الله عن ذلك علوا كثيرا. ولعلهم أرادوا أن يقولوا: أن الله تعالى موجود في كل مكان بسمعه وبصره وعلمه ونحوه. قال تعالى: {(قَالَ لَا تَخَافَا ۖ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ)} [6]. قال ابن كثير: "أي: لا تخافا منه، فإنني معكما أسمع كلامكما وكلامه، وأرى مكانكما ومكانه". فلا يعني هذا أن الله موجود بذاته هناك. ودليل ذلك ما ما جاء في حديث معاوية بن الحكم السلمي، حيث قال: «(يا رسول الله، جارية لي صككتها صكة، فعظم ذلك علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أفلا أعتقها؟ قال: ائتني بها، قال: فجئت بها، قال: أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة)» [7].
ومن مقاصد القرآن الكريم إثبات الصفات لله تعالى دون تحريف ولا تعطيل ولا تشبيه. وجاء التأكيد على إثباتها لله تعالى دون تمثيل او تشبيه لله بخلقه، ومن غير تحريف ولا تأويل ولا تكييف. قال تعالى: { (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)} [8]. وصفات الله تعالى لها كيفية، ولكن نحن لا نعلمها ونفوض الكيفية دون المعنى. إذ هي مثبتة له تعالى في القرآن والسنة. قال تعالى: {(وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)} [9]. فنفوض كل ما لم يتم توضيح كيفيته لله تعالى ونؤمن به دون إلغائه أو تفسير كيفيته. ولا يجوز تأويل اي شيء من القرآن الكريم دون وجود قرينة تمنع من ارادة المعنى الظاهر للفظ الآيات ووجود علاقة بينها وبين المجاز المأّول إليه. ويظهر هذا في آيات الصفات حيث إنه لا توجد قرينة للتأويل كما ان الله تعالى اثبت لنفسه هذه الصفات واعاد تكرارها في القرآن الكريم، فلا يجوز للإنسان ان ينفيها عنه. وإثبات الصفات لا يعني تشبيه الله بمخلوقاته، فأهل السنة يثبتون الصفات دون تمثيل، ويفوضون الكيفية لله تعالى. ولو رجعت الجهمية لأي سورة من القرآن الكريم سيجدون الصفات مذكورة، وهذا يدل على وجوب اثبات صفات الله تعالى وأسمائه[10] بدليل قوله تعالى: { (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)} [11]. فكيف لهم بنفيها، وكأنهم يكذبون القرآن الكريم والعياذ بالله. وذكر ابن العثيمين أن الواجب في نصوص القرآن والسنة "إجراؤها على ظاهرها دون تحريف، وظواهر نصوص الصفات معلومة لنا باعتبار ومجهولة لنا باعتبار آخر، وظاهر النصوص هو ما يتبادر منها إلى الذهن من المعاني. إلى جانب الأدلة التي تثبت بها أسماء الله تعالى"[12]. وقد وضح ابن تيمية هذه المصطلحات في العقيدة الواسطية بشرح سهل الفهم كما يلي:
التأويل: هو تحريف لها عن معانيها الأصلية.
التعطيل: هو نفي المعنى الصحيح للصفات عن الله تعالى.
التكييف: هو إعتقاد كيفية معينة للصفات.
ومن الاقوال المجملة الشافية في هذا الباب ما قاله صاحب العقيدة الطحاوية: "إن الله واحدٌ لا شريك له، ولا شيء مثله، ولا شيء يعجزه، ولا إله غيره. قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء. لا يفنى ولا يبيد، ولا يكون إلا ما يريد. لا تبلغه الأوهام، ولا تدركه الأفهام، ولا يشبه الانام. حيٌّ لا يموت، قيُّومٌ لا ينام. خالق بلا حاجة، رازقٌ بلا مؤنة. مميت بلا مخافة، باعثٌ بلا مشقة. ما زال بصفاته قديماً قبل خلقه، لم يزدد بكونهم شيئاً لم يكن قبلهم من صفته، وكما كان بصفاته أزلياً، كذلك لا يزال عليها أبدياً"[13].
ونلخص شبهات الفرق في الصفات كما يلي[14]:
أولاً: التعطيل والتحريف:
- غلاة الجهمية: يقولون إن الله لا يوصف بشيء: إثبات ولا نفي. فالجهمية ينكرون الصفات جملة وتفصيلا[15].
- المعتزلة: نفوا الصفات. وعندهم نوع تعطيل وهو إنكار الصفات وإثبات الأسماء.
- الأشاعرة: أثبتوا بعض الصفات ونفوا بعضها.
ثانياً: التمثيل:
- الصوفية: مثلوا الله بخلقه، فيقولون يد الله كأيدينا.
والخلاصة أن الصفات هي ما وصف الله تعالى به نفسه. والتعطيل والتحريف والتمثيل كلها شبهات في الأسماء والصفات.
[1] سورة الأعراف، آية ١٨٠.
[2] أخرجه البخاري، كتاب التوحيد، باب إن لله مئة اسم إلا واحدا، مجلد ٩، صفحة ١١٨، حديث رقم ٧٣٩٢. وأخرجه مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها، مجلد ٨، صفحة ٦٣، حديث رقم ٢٦٧٧.
[3] سورة الحشر، آية ٢٢-٢٤
[4] موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام، إعداد: مجموعة من الباحثين، الناشر: موقع الدرر السنية، ج٧، ص ٤١٧.
[5] ابن تيمية، العقيدة الواسطية، صفحة ١١.
[6] طه ٤٦.
[8] سورة الشورى، آية ١١.
[9] سورة الأعراف، آية ١٨٠.
[10] العثيمين، محمد بن صالح بن محمد (المتوفى: ١٤٢١هـ)، أسماء الله وصفاته وموقف أهل السنة منها، نشر دار الشريعة، الطبعة الأولى، ١٤٢٤هـ- ٢٠٠٣م، أعده فهد بن ناصر بن إبراهيم السليمان، صفحة ٥.
[11] سورة الشورى، آية ١١.
[12] العثيمين، محمد بن صالح بن محمد (ت ١٤٢١هـ)، القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى، الطبعة الثالثة، الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، ١٤٢١هـ/٢٠٠١م، صفحة ٢٩-٣٥.
[13] الطحاوي، أبو جعفر الطحاوي، متن العقيدة الطحاوية، الطبعة الأولى، طبعة دار ابن حزم، ١٤١٦هـ - ١٩٩٥م، صفحة ٨-٩.
[14] ملخص من شرح العقيدة الواسطية، خالد بن عبد الله بن محمد المصلح، دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية، ج ١٣، ص ٦.
[15] شرح لمعة الاعتقاد، ناصر بن عبد الكريم العلي العقل، دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية، ج ٢، ص ١٩.
- التصنيف: