امرأة إيمانية
صفاء بنت محمد الخالدي
- التصنيفات: دعوة المسلمين -
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
من هي المرأة الإيمانية؟ وما هي صفاتها؟ وكيف هي أعمالها؟
أولاً: يجب أن نكون كلنا هذه المرأة الإيمانية، بحيث تحاول كل واحدةٍ منا جاهدة مستمدة العون من الله -سبحانه وتعالى- متوكلة عليه لأن تكون تلك المرأة، قال -تعالى-: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} [الطلاق:3]، أسميناها بالمرأة الإيمانية لكون شخصها إنسانة مؤمنة بالله -عز وجل- إيمانًا قويًا، ومخلصة بكل ما يحمله الإخلاص من معنى وذلك بأقوالها وأفعالها وأهدافها، وعن أبي عمرة سفيان بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: "قلت: يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسال عنه أحدًا غيرك. قال: «{C}{C}{C} » (رواه مسلم).
فهمّتها وإخلاصها هما الدافعان القويان وراء اتصافها بصفات معينة تدفعها إلى أعمال وهمم تسير بها بلا توقف، فإذا لم تحمل هذين الأمرين في قلبها فسيكون هناك عائق من البداية في الاستمرار في تلك الصفات وتلك الشخصية.
• صفات المرأة الإيمانية الروحية:
1. أهم صفة من صفاتها أنها امرأة عالية الهمة لا تعرف الكلل ولا الملل ولا الفتور، متحملة للمشاق ومصطبرة عليها، تبذل ما في وسعها ولو على حسابِ نفسها، محتسبة كل أعمالها وأقوالها وأنفاسها في سبيل الله.
2. همها الأكبر الذي في قلبها نشر الدعوة الإسلامية والصحوة بكل صورها وأشكالها، وتذكير الغافلين اللاهين بالهدف الأسمى الذي خلقنا الله من أجله.
3. دائمًا واضعة نصب عينها هادم اللذات -الموت- ومفرق الجماعات وفجأته، متذكرة دائمًا القبر وأهوال الآخرة، تستعد لهذا اليوم ولهذا الرحيل، وتتزود بالزاد، لذلك نجدها تسابق في الخيرات مستزيدة منها لقبرها وآخرتها قدر الإمكان.
4. نجد أن أوقاتها ثمينة غالية، لا مضيعة عندها للوقت، تحاول دائمًا اغتنامه، وذلك بالمفاضلة بين الأعمال من خلال معرفة الفاضل والمفضول والنفع المتعدي.
5. نجدها غير متعلقة بالدنيا، غير متكالبة عليها، لا تحزن على فوات شيء منها، راضية بحكم ربها، قال –تعالى-: {لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم} [الحديد: 23].
6. قلبها سليم خالٍ من الحسد ومن البغض، محبة الخير للغير كما تحبه لنفسها، ممتثلة قوله -صلى الله عليه وسلم-: « » (متفق عليه). جاعلة منها قاعدة دائمة في حياتها.
• صفات المرأة الإيمانية الشكلية:
1. نجد حجابها ساترًا وعباءتها محتشمة وخالية من أي تبرج أو زخرفة.
2. لا تنمص حواجبها أبدًا لأنها تدرك أن ذلك معصية كبيرة تتنافى مع إيمانها الداخلي ومظهرها الخارجي، مما عم وطم في هذا الزمان من متناقضات مابين الإيمان وتطبيقه، ممتثلة أمر ربها: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} [آل عمران:31]. وقول رسولها -صلى الله عليه وسلم- كما جاء في صحيح مسلم: « ».
3. تنبذ الاختلاط بشتى صوره وتجاهد هواها لتنال رضى مولاها.
• همم وأعمال المرأة الإيمانية:
1. همتها على نطاق بيتها ومع زوجها وأبنائها وأهلها، فهي تحاول تبليغ ما لديها من علم وإدلاء بكل ما تعلمته من جديد لتحصل بذلك الفائدة المرجوة ويعم النفع، وأما أبناءها فلها دور مميز وفعال في تربيتهم، ذاكرة دائمًا لقوله -صلى الله عليه وسلم-: « » (متفق عليه). فالمسؤولية تكمن بمعنيين اثنيين وهما: المسؤولية المؤتمنة عليها، والمسؤولية من السؤال وهو ما ستسأل عنه يوم القيامة من أدائها لتلك الأمانة، فنراها تستغل كل حركة وسكنة ولفتة من طفلها في سبيل توجيهه وتعليمه التعاليم الدينية الصحيحة من أدعية وأذكار ومن كل ما يؤثَر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن أصحابه -رضوان الله عليهم أجمعين-، وهناك أمثلة عملية لتطبيقها مع الأبناء كلٌّ بحسب عمره، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: تخصيص وقتٍ معين لهم في الأسبوع مرة أو مرتين بتسميته مثلاً: اجتماع عائلي يجتمعوا فيه بشكل منتظم، يطرح عليهم مايناسب أعمارهم من شرح آية، أو حديث، أو قصة لأحد الصحابة، أو أدب من آداب النبوة، أو مسابقة تؤدي الغرض، فبذلك نحبب إليهم الدين وآدابه ونربيهم على النظام والترتيب والجدية في الحياة.
2. همتها على نطاق جيرانها: فهي تعمل بقول رسولها -صلى الله عليه وسلم-: « » (رواه البخاري ومسلم). فهي تتفقد أحوالهم وتلتمس أفراحهم وأحزانهم فيما يحتاجونه من مساعدة، فتكون أول من يواسي في الأحزان والآلام وتبذل كل ما في وسعها من نفس أو مال لتفريج كربهم، وكذلك لا تنسى حقهم من حسن المعاملة وطيب الكلام، لأنها تعلم أن الكلمة الطيبة صدقة كذلك تتحلى بصفة الحلم وتحمل الأذى إن بدر من الجار شيءٌ من ذلك، متأسية بخلق رسولنا الكريم وسلفنا الصالح من بعده.
وهذه قصة وقعت في عهد الإمام أبي حنيفة -رحمه الله تعالى-، ذلك أنه كان له جار إسكافي يعمل نهاره كله حتى إذا جن الليل رجع إلى بيته وقد حمل لحمًا يطبخه أو سمكةً يشويها، ثم لا يزال يشرب الخمر -والعياذ بالله- حتى إذا أخذ الشراب فيه وتملكه رفع صوته وأنشد وقال:
أضاعوني وأيّ فتىً أضاعوا *** ليومِ كريهة وسداد ثغرِ
فلا يزال يشرب ويردد هذا البيت حتى يأخذه النوم وأبو حنيفة يسمع جلبته وهو يصلي الليل، ففقد صوته ليلةً من الليالي فسأل عنه فقالوا: سجنه الأمير، فسار إليه أبو حنيفة وشفع له عند الوالي فأطلقه وفرج عنه، ثم قال له: يا فتى أضعناك؟ فقال له الفتى: بل حفظت ورعيت فجزاك الله خيرًا عن حرمة الجوار، ثم تاب الرجل وأناب، وهنا كسبه أبو حنيفة بإحسانه إليه، فنال من الله -سبحانه- أجر توبته وأجر حسن معاملته.
3. همتها على نطاق مجتمعها: فهي داعية واعية -متعلمة ومعلمة صالحة ومصلحة– همها نشر الدعوة الإسلامية والصحوة، مستمدة تلك الهمة من قوله -عز وجل-: {ومن أحسنُ قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين} [فصلت:33]. ومن قوله -صلى الله عليه وسلم-: « » (أخرجه الطبراني وقال الألباني حديث صحيح). فهي لاتكاد تدع ثغرةً أو فرصة إلا وتستغلها محتسبة ذلك عند الله، في زيارة أو في مكان انتظار أو في مستشفى أو في مدرسة أو في مسجد، مذكرة دائمًا بالخير، قال –تعالى-: {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين} [الذاريات:55]. فهي تدعو بقلبها أو بلسانها أو بيدها لنشرها للخير، فأما بقلبها فتحب لكل المسلمين الخير والصلاح، وأما بلسانها فتدعو للمسلمين بالخير والسداد، وأما بيدها فتنشر الخير من شريط إسلامي أو كتيب دعوي، أو نصيحة لمسلمة، مستحضرة قول نبيها -صلى الله عليه وسلم-: « » (رواه مسلم).
4. هي باذلة نفسها ومالها في سبيل الله محققة قوله -سبحانه وتعالى-: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة} [التوبة:111]. تحلم بهذا الفوز العظيم، سبحان الله وأي فوز ٍ أعظم من هذا الفوز؟!، فهي تدرك تمامًا ما الذي تبذل من أجله، إنها جنةٌ عرضها السماوات والأرض لذا فهي لا تبخل ولا تتوانى في ذلك الهدف، مقدمة أمر ربها على هوى نفسها ولسان حالها يقول: "الناسُ مشغولون بأنفسهم وأولادهم وأزواجهم وضيعاتهم، وأنا مشغولةٌ برضا ربي"، مقدمة أمور آخرتها على أمور دنياها، مشتغلة بعيوب نفسها عن عيوب الخلق، فيالها من امرأة إيمانية، فقربها من الله وطاعتها ومحبتها له ينسيها كل مرارة وكل فائت في هذه الدنيا الفانية ولسان حالها يقول:
فليتكَ تحلو والحياةُ مريرةٌ *** وليتكَ ترضى الأنامُ غِضابُ
وليتَ الذي بيني وبينكَ عامرٌ *** وبيني وبين العالمينَ خرابُ
إذا صح منكَ الودُ فالكلُ هينٌ *** وكلُ الذي فوقَ الترابِ ترابُ
وليتَ الذي بيني وبينكَ عامرٌ *** وبيني وبين العالمينَ خرابُ
إذا صح منكَ الودُ فالكلُ هينٌ *** وكلُ الذي فوقَ الترابِ ترابُ
فلها سهم ٌ في كل خير، من سد حاجة الفقراء لو كانت بها خصاصة مستحضرة قوله –تعالى-: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} [الحشر:9]. أو إن كانت من أهل الغنى والمال سعت للتوسع في بذل المعروف الخير من المساهمة في حفر آبار للمسلمين أو بناء مسجد أو مشروع خيري أو إعادة طباعة كتب أهل العلم، أو مداينة مالٍ لتفريج كربة مسلم، متذكرة قوله -صلى الله عليه وسلم-: « » (رواه مسلم).
وهنا قصة وقعت في زمننا الحاضر لرجلٍ صالح أراد ما عند الله، حيث كان يسير في مركبته وإذ بشاب يسير بسرعة عالية فيصتدم به وتؤثر الصدمة بسيارة الرجل الصالح تأثيرًا واضحًا، فينزل الشاب الذي صدم ويعتذر بشتى الأساليب ويتأسف ويطلب العفو والرجل الصالح ساكت، بعدها قال له: سوف أصفح عنك ولكن أريد منك شيئًا واحدًا، وأن آخذ منك وعدًا قاطعًا بتنفيذه، قال له الشاب وما هو: قال: أن تداوم على الصلاة في المسجد، فاستغرب الشاب من طلبه وقال حسبتك تريد مالاً أو عوضًا، فوالله ما ركعتُ لله ركعةً واحدة منذ سنين، وأنا أعاهدك من اليوم على الصلاة في المسجد، وفعلاً تاب الشاب وأصبح من الصالحين المداومين على المسجد وكانت هذه بداية هدايته، فللهِ درُّ ذلك الرجل الصالح الذي اشترى ماعند الله بماله! وسيارته رخيصة في سبيل الله، وأثبت بذلك حسن خلقه وحسن دعوته الخالصة لله.
كذلك أنتِ أيتها المرأة الإيمانية بإمكانك أن تبذلي مالكِ في سبيل الله إن وسع الله عليكِ بعمل يشبه ما فعله الرجل الصالح، كأن تقرضي إحدى الأخوات ثم تسامحيها في هذا القرض بشرط التزامها في أمر مقصرة فيه كالصلاة أو الحجاب...إلخ، وتبدئي بالأولى فالأولى، مبتغية بذلك وجه الله وما عنده في الدار الآخرة.
فأعمال المرأة الإيمانية لا حصر لها، وهذا غيضٌ من فيض، فطموحها عالٍ وهمتها أعلى من السحاب تبتغي ما عند الله والدار الآخرة، فإذا سُدَّ بابٌ ُفتحَ لها أبواب، فبإيمانها وإخلاصها وعزيمتها الصادقة تحقق هذا اللقب الرفيع، فتنفع نفسها وأهلها ومجتمعها.
جعلنا الله وإياكن تلك المرأة وتقبل منا ومنكم وسددنا ووفقنا وجعل أعمالنا وأقوالها وأنفاسنا خالصةً لوجهه الكريم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.