نحن والشيطان
دعونا نُحارب الشيطان، الذي أصبحنا جزءًا منه، فأفسدنا بخمر التيه والغفْلة، وسار بنا في جميع طرقه؛ لينحرفَ بنا عن طريقٍ فيه صحوتنا وعافيتنا وقوّتنا.
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
(المسلمون) كلمةٌ أصبحتْ دليلاً على المآسي والأحزان، فإن قلت: بلاد المسلمين، فإنما أنت تعني: "بلاد النكبات"، فلا تكاد تستفتح قناة إخبارية، حتى تتدفق عليك المصائبُ تباعًا: تفجيرٌ في العراق، قتْلٌ في أفغانستان، نزيف في باكستان، تشريد في فِلَسْطين، تخريب في المسجد الأقصى، مذابح في الصومال، تفتيت في السودان، خلاف بين الأشقاء، صراع على الزعامات، تهديد من الصديق والجار.
ولا تسأل عنْ تخلُّف في الطب، وانحراف في التعليم، وتقَهْقُر في الصِّناعة، وضعف في القوة، وكبْت في الحريات، هذا كله في عالَمنا الإسلامي!
لذلك يحق لنا أن نبكيَ على تاريخٍ أصبحنا نتباكى عليه، وعلى مستقبلٍ أصبحنا نتباكى منه، لماذا؟
لأننا أضَعْنا أنفسنا، فأضعنا تاريخنا ومستقبلنا، فلا نعرف لماذا كان لنا تاريخ؟ ولماذا كان ذلك التاريخ عظيمًا؟ وبالتالي فما هو سِرُّ هذه العظمة؛ لنودعه في مستقبلنا، حتى يكون عظيمًا كما كان ماضينا؟ إنه السرُّ الدفين، إنه الدِّين، ولا غير الدين.
هذا ما حدَث عندما قام رجال بتوحيد الله حق توحيده، واتِّباع نبيه خير اتِّباع، فأصبح سلوكُهم خُلاصة عمَلية منَ التوحيد والسنة، فتمثَّل في نَصْر عظيم، ذلَّتْ لهم به الشعوب، وفُتِحَتْ لهم به البلاد، وتطوعتْ لهم شتى العلوم، فأصبحوا فرسان كلِّ مضمار، حتى السحابة في عُمق السماء تخضع لهم وتنْقاد؛ لأنهم نصروا الله فنصرهم، وصدقوه فجازاهم، وذلوا له فرفعهم، وأطاعوه فمكّنهم،
أما نحن، وما أدراك من نحن؟! شعوبٌ تائهة، لا لدينها فهمتْ، ولا بلغتها تكلَّمَتْ، كُتَّابنا ومُنظِّرونا خلْف الغرب والغريب ينعقون، وبلسانهم يلوكون، يُحاربون الفضيلة والدِّين، يظنُّون ذلك تطوُّرًا وحضارة وثقافة، إلا مَن رَحِم الله وحفظ.
وبعضُ علمائنا باع عمامته بتراب السياسة، عاهرة في جلباب قسيس، حلالُه وحرامُه يزنه بميزان السياسة والمجامَلة، لا ميزان للشرع في قاموسه؛ مِن هنا يجب أن نُصححَ مسارنا وعلى جميع الأصعدة؛ حتى نخرج مِن نفق التخبُّط والرجعية والضَّعْف والتِّيه.
دعونا نُحارب الشيطان، الذي أصبحنا جزءًا منه، فأفسدنا بخمر التيه والغفْلة، وسار بنا في جميع طرقه؛ لينحرفَ بنا عن طريقٍ فيه صحوتنا وعافيتنا وقوّتنا.
أفيقوا - أيها المسلمون - وارجعوا لعهدكم الأول، عهد نبيكم، وعهْد سلفكم، دينكم الصافي، الذي ارتضاه الله لكم، وسار عليه الصالِحُ مِن سلَفكم، فلا أحزاب تنفعكم، ولا حماسات هوجاء من مخدعكم تخرجكم، ولا شعارات برَّاقة تخدعكم.
فانتفضوا على أنفسكم قبل الانتفاضة على غيركم؛ قال - تعالى -: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55]. و قال - تعالى -: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7].
هذا، وإلى الله وحده المشتَكى.