كيف ينبغي أن تؤثر مناسك الحج في سلوك المسلم؟
منذ 2011-11-15
كيف ينبغي أن تؤثر مناسك الحج في سلوك المسلم؟
الكـاتب: نايف عبوش
المختار الإسلامي
لعل أهم استدلال نخرج به من فرض الله سبحانه الحج على المسلمين هو أن هذه الفريضة ليست فقط مجرد أداء مناسك عبادة الحج المادية والمعنوية، بمعنى الانقطاع عن المعاشرة، وبذيء الكلام، والرفث، والفسوق، ونحر الضحايا، والحلق أو التقصير أثناء أداء مناسك الحج، وإنما المراد أبعد من مجرد أداء مناسك تلك العبادة، ألا وهو تحقيق منهج وحدانية أداء المناسك، في اجتماع سنوي عام للمسلمين.
ذلك هو منهج السلوك القويم الشامل، لمعنى وحدة المسلمين مناسكاً ومجتمعاً، المتمثل بالاستقامة المطلقة لله، والتحنث، وعدم الفسوق، والرفث، وترك الانخراط في الجدل العقيم في أمور تافهة، لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تقدم ولا تؤخر شيئا لمعالجة واقع حال المسلم المزري المثقل بكثير من السلوكيات الخاطئة بكل القياسات الاعتبارية والمادية على حد سواء، ولعل ذلك التصور المجمل هو ما قد يستوعبه قول الله عز وجل من معاني متجلية في توصيف فريضة الحج بأيام معدودات، كأن المراد بذلك إقامة مؤتمر تعبدي سنوي؛ لتدريب المسلم دورياً على الفضيلة مرة كل عام؛ لكي يكون محصلة المؤتمر تجديد الوعي والسلوك على مبدأ: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: ٢٧]، فيلاحظ أن أغلب المسلمين اليوم ينصرفون إلى العبادات ومنها عبادة الحج بشكلية طقسية بائسة أفقدت العبادات مذاقها الروحي، بعد أن فقدت الاتصال المباشر بالملأ الأعلى من جهة، وحادت عن الالتصاق الحميم بقيم التعاضد الجمعي للمسلمين من جهة أخرى، فلم يعد الحج على سبيل المثال نقطة إشعاع للتعبد والسلوك القويم تنعكس على سلوك المسلم العائد منه إلى معمعة الحياة بايجابية بائنة كي يكون مسلما مجللاً بكل قيم الفضيلة ليجسدها بسلوك إسلامي راقي في تعامله اليومي مع الخلق عيال الله الذين قد لا ينتفعون بشكل مباشر من العبادات، فما بالك إذا ما كان أداؤها طقسيا خاصة وأنها أداء فردي خالص للمسلم يلقى الجزاء عليها عند الله يوم الدين؟ في حين أن أغلب المسلمين في واقعهم المزري المعاصر لا يهتمون كثيرا بالسلوك الإسلامي العملي الرشيد في ممارساتهم اليومية الذي ينعكس مباشرة على حياة الناس والمجتمع حيث التأثير المباشر للأخلاق الإسلامية على البيئة الجمعية، على قاعدة: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».
ولعل المطلوب من المسلم الحاج اليوم، وفي أجواء الجفاف الروحي التي يعاني منها مجتمعه المعاصر، أن يلتفت إلى ممارسة فريضة الحج بالشروط والضوابط التي حددها الله وقررتها سنة رسوله؛ لكي يكون شهر ذي الحجة بعشره الأوائل منه بمثابة موسم تدريب سنوي لرفع كفاءة الأداء الأخلاقي والسلوكي للمسلم الحاج بالضرورة في كل جوانب الحياة، وتجسيد السلوك الإسلامي الراقي بما يعينه على تجاوز ضغوطات وإرهاصات الحياة المعاصرة، الملأ بكل مظاهر الانحراف والمثبطات الموبقة؛ وذلك لكي يتخطى الحالة المتيبسة الراهنة من السلوك المضطرب في المجتمع، على أنه لا مناص من أن يصدق المسلم الحاج مع الله في تطبيق عبادته وممارسة سلوكه حتى يكون حجه عبادة وسلوكاً متطابقاً منسكاً ومضموناً مع مراد الله من هذه العبادة في جانب تطبيقها بين أفراد المجتمع المسلم، قبل المساءلة عنها يوم الدين، فذلك شأن تال يترك أمره في الحساب والجزاء إلى الله، أما إذا خلت عبادة الحج من هذه المضامين السامية ولم تؤازرنا لضبط وتعديل سلوكنا وفقا لمعايير الجودة الدينية بمقاييسها القرآنية والنبوية، لا سيما إذا استمرأ الحاج المسلم، الممارسات السلبية السائدة في واقعه، الموبوء بالكذب، والدجل، والصخب، وخيانة الأمانة، حتى عند عودته الميمونة من أداء مناسك فريضة الحج، أو الاعتمار، فلا جرم عندئذ أن المتوخى من معاني السلوك البناء للمسلم مما يقع وراء عبادة الحج ستنتفي من ممارسته هذه العبادة الجليلة، وعندئذ فسيحرم نفسه من خير كثير، ولا شك أن الانفصام الحاصل بين سلوك المسلم في مجتمعه اليوم وبين عقيدته وتعبده قد جعل منه إنساناً شقياً يعيش غربة مرعبة، أرغمته أن يكون مشروعا للسوء والفساد على نفسه ومجتمعه، حتى جاء لطف الله بالمسلم بفريضة الحج؛ لتكون هذه العبادة الدورية خالصة لله، فيكفر بهذه العبادة عن ما لحق به من السيئات التي قد ارتكبها المسلم في حياته العملية قبل الحج، ليرجع مغفورا له من الذنوب كما ولدته أمه.
وهكذا إذاً نستطيع من خلال استئناف الإخلاص في العبادة والصدق مع الله في الطاعة في وقفة جادة مع أنفسنا في موسم حج هذا العام والأعوام التالية، أن نغير دوافعنا ودواخلنا بحيث يتغير سلوكنا المضطرب جذريا، فتكون شخصية المسلم الحاج عندها متسقة تماما مع ذاتها، ومع دينها، ومجتمعها، في وحدة متآلفة، ليكون المسلم الحاج نموذجا متوازنا، عبادة وسلوكا في حياته اليومية، وبذلك يتواصل المسلم الحاج مع مجتمعه بصدق، ودماثة أخلاق، تؤسس بالمحصلة لمجتمع فاضل خال من كل المشاكل التي نعاني منها اليوم.
الكـاتب: نايف عبوش
المختار الإسلامي
لعل أهم استدلال نخرج به من فرض الله سبحانه الحج على المسلمين هو أن هذه الفريضة ليست فقط مجرد أداء مناسك عبادة الحج المادية والمعنوية، بمعنى الانقطاع عن المعاشرة، وبذيء الكلام، والرفث، والفسوق، ونحر الضحايا، والحلق أو التقصير أثناء أداء مناسك الحج، وإنما المراد أبعد من مجرد أداء مناسك تلك العبادة، ألا وهو تحقيق منهج وحدانية أداء المناسك، في اجتماع سنوي عام للمسلمين.
ذلك هو منهج السلوك القويم الشامل، لمعنى وحدة المسلمين مناسكاً ومجتمعاً، المتمثل بالاستقامة المطلقة لله، والتحنث، وعدم الفسوق، والرفث، وترك الانخراط في الجدل العقيم في أمور تافهة، لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تقدم ولا تؤخر شيئا لمعالجة واقع حال المسلم المزري المثقل بكثير من السلوكيات الخاطئة بكل القياسات الاعتبارية والمادية على حد سواء، ولعل ذلك التصور المجمل هو ما قد يستوعبه قول الله عز وجل من معاني متجلية في توصيف فريضة الحج بأيام معدودات، كأن المراد بذلك إقامة مؤتمر تعبدي سنوي؛ لتدريب المسلم دورياً على الفضيلة مرة كل عام؛ لكي يكون محصلة المؤتمر تجديد الوعي والسلوك على مبدأ: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: ٢٧]، فيلاحظ أن أغلب المسلمين اليوم ينصرفون إلى العبادات ومنها عبادة الحج بشكلية طقسية بائسة أفقدت العبادات مذاقها الروحي، بعد أن فقدت الاتصال المباشر بالملأ الأعلى من جهة، وحادت عن الالتصاق الحميم بقيم التعاضد الجمعي للمسلمين من جهة أخرى، فلم يعد الحج على سبيل المثال نقطة إشعاع للتعبد والسلوك القويم تنعكس على سلوك المسلم العائد منه إلى معمعة الحياة بايجابية بائنة كي يكون مسلما مجللاً بكل قيم الفضيلة ليجسدها بسلوك إسلامي راقي في تعامله اليومي مع الخلق عيال الله الذين قد لا ينتفعون بشكل مباشر من العبادات، فما بالك إذا ما كان أداؤها طقسيا خاصة وأنها أداء فردي خالص للمسلم يلقى الجزاء عليها عند الله يوم الدين؟ في حين أن أغلب المسلمين في واقعهم المزري المعاصر لا يهتمون كثيرا بالسلوك الإسلامي العملي الرشيد في ممارساتهم اليومية الذي ينعكس مباشرة على حياة الناس والمجتمع حيث التأثير المباشر للأخلاق الإسلامية على البيئة الجمعية، على قاعدة: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».
ولعل المطلوب من المسلم الحاج اليوم، وفي أجواء الجفاف الروحي التي يعاني منها مجتمعه المعاصر، أن يلتفت إلى ممارسة فريضة الحج بالشروط والضوابط التي حددها الله وقررتها سنة رسوله؛ لكي يكون شهر ذي الحجة بعشره الأوائل منه بمثابة موسم تدريب سنوي لرفع كفاءة الأداء الأخلاقي والسلوكي للمسلم الحاج بالضرورة في كل جوانب الحياة، وتجسيد السلوك الإسلامي الراقي بما يعينه على تجاوز ضغوطات وإرهاصات الحياة المعاصرة، الملأ بكل مظاهر الانحراف والمثبطات الموبقة؛ وذلك لكي يتخطى الحالة المتيبسة الراهنة من السلوك المضطرب في المجتمع، على أنه لا مناص من أن يصدق المسلم الحاج مع الله في تطبيق عبادته وممارسة سلوكه حتى يكون حجه عبادة وسلوكاً متطابقاً منسكاً ومضموناً مع مراد الله من هذه العبادة في جانب تطبيقها بين أفراد المجتمع المسلم، قبل المساءلة عنها يوم الدين، فذلك شأن تال يترك أمره في الحساب والجزاء إلى الله، أما إذا خلت عبادة الحج من هذه المضامين السامية ولم تؤازرنا لضبط وتعديل سلوكنا وفقا لمعايير الجودة الدينية بمقاييسها القرآنية والنبوية، لا سيما إذا استمرأ الحاج المسلم، الممارسات السلبية السائدة في واقعه، الموبوء بالكذب، والدجل، والصخب، وخيانة الأمانة، حتى عند عودته الميمونة من أداء مناسك فريضة الحج، أو الاعتمار، فلا جرم عندئذ أن المتوخى من معاني السلوك البناء للمسلم مما يقع وراء عبادة الحج ستنتفي من ممارسته هذه العبادة الجليلة، وعندئذ فسيحرم نفسه من خير كثير، ولا شك أن الانفصام الحاصل بين سلوك المسلم في مجتمعه اليوم وبين عقيدته وتعبده قد جعل منه إنساناً شقياً يعيش غربة مرعبة، أرغمته أن يكون مشروعا للسوء والفساد على نفسه ومجتمعه، حتى جاء لطف الله بالمسلم بفريضة الحج؛ لتكون هذه العبادة الدورية خالصة لله، فيكفر بهذه العبادة عن ما لحق به من السيئات التي قد ارتكبها المسلم في حياته العملية قبل الحج، ليرجع مغفورا له من الذنوب كما ولدته أمه.
وهكذا إذاً نستطيع من خلال استئناف الإخلاص في العبادة والصدق مع الله في الطاعة في وقفة جادة مع أنفسنا في موسم حج هذا العام والأعوام التالية، أن نغير دوافعنا ودواخلنا بحيث يتغير سلوكنا المضطرب جذريا، فتكون شخصية المسلم الحاج عندها متسقة تماما مع ذاتها، ومع دينها، ومجتمعها، في وحدة متآلفة، ليكون المسلم الحاج نموذجا متوازنا، عبادة وسلوكا في حياته اليومية، وبذلك يتواصل المسلم الحاج مع مجتمعه بصدق، ودماثة أخلاق، تؤسس بالمحصلة لمجتمع فاضل خال من كل المشاكل التي نعاني منها اليوم.
- التصنيف: