نحو إنسان عربي فاعل
الإنسان كونه يُعَدُّ ثَرْوةً حقيقيَّة في أيِّ مُجتمع من المجتمعات، ولكَوْنه يُشكل الخليَّة الأولى لبناء جسم مُتكامل ينبع بالفاعليَّة والحيويَّة.
عندما ركزت العلوم المختلفة على الفَرد الإنسان في كافَّة الجوانب، كان ذلك نابعًا من إيمانها المطلق بأهميَّته ودوره الفاعل في بناء الأُمَّة وحفظها.
ففي المصطلحات الاقتصاديَّة، عندما نتحدث عن أيَّة مُشكلة - كالبطالة مثلاً - فإنَّنا نقوم بتوجيه الأفكار والنظريَّات والوقائع، نحوَ حلِّ مُشكلة سبَّبت للفرد الإنسان معضلة أسْهمت في تخلُّفه، وكانت سببًا في تعاسته.
وفي علوم الفيزياء، عندما اكتشف نيوتن قانونَ الجاذبيَّة - مثلاً - أسهم ذلك في تطوير الإنسان، واتِّساع مداركه؛ لنراه اليومَ يُحلِّق في الفضاء واصلاً حتَّى سطح القمر.
إنَّ سببَ هذا الاهتمام بالفرد الإنسان كونه يُعَدُّ ثَرْوةً حقيقيَّة في أيِّ مُجتمع من المجتمعات، ولكَوْنه يُشكل الخليَّة الأولى لبناء جسم مُتكامل ينبع بالفاعليَّة والحيويَّة.
واليومَ يُقاس تطوُّر المجتمع بتطور أفراده، من حيثُ مُستوى وَعْيهم وثقافتهم، وتنظيمهم وأهدافهم، ومُؤهَّلاتهم وحُبهم لوطنهم، والمخلصون له، والمبدعون فيه، وهذا ما ينسجم مع قول المفكر العربي الكبير ابن خَلْدون، عندما قال: "إنَّ ثروةَ شعبٍ ما هي بسُكَّانه المحبِّين للعمل، المجيدين له، المبدعين فيه".
ولكنَّ السؤالَ الذي يتبادر إلى أذهاننا: لماذا الإنسان العربي؟ لماذا نركز عليه ونعطيه جُلَّ اهتمامنا؟ لماذا نسعى لأَنْ يكونَ قُدوة للآخرين، ومنبعًا للعطاء والجد والفاعليَّة؟
سؤال لطالما طرحتُه لأكتشف الحقائقَ التالية:
1- إنَّ الأُمَّةَ العربيةَ ليست كسِواها من الأمم، فهي أمَّة أخرجت للناس؛ لتأخذ بأيديهم من الضلال إلى الهداية؛ ولذلك فالإنسانُ العربي يَجب أن يكونَ مميزًا ومتفقًا مع هذه الرُّؤية الحضاريَّة والشرعية التكليفيَّة.
2- إنَّ الأمةَ العربية أمَّة تحمل في طياتها رسالة يستوجب عليها أن تقوم بتبليغها، من خلال الإنسان الفاعل القُدوة المثقف الواعي لهذه الرسالة.
3- إن الأمة العربية تملك مقومات النهضة على كافَّة الأصعدة، ففي الصَّعيد الاقتصادي، كم تملك هذه الأمَّة من الثَّروات البشريَّة والطبيعية وغيرها؟ كم حجم التجارة الخارجيَّة؟ كم حجم الناتج المحلي والقومي الصافي؟ كم مستوى الدخول الفردية؟ كم وكم... ولذلك لا بدَّ من حسن استغلال أفراد الأُمَّة لمقومات النهضة.
4- إنَّ الأمةَ العربية أمة تجمعها عقيدة واحدة، ولُغة واحدة، ومصير واحد، وتاريخ مشترك، وهدف واحد؛ ولذلك لا بدَّ من نشر الوعي المشترك بين أفرادها.
5- إنَّ الأمة العربيَّة تسعى للانطلاقِ، مُحاولة منها لاسترجاع أيَّام المجد الإسلامي، أيام أن سادت فيها العالم، وللإنسان العربي النَّصيب الكبير من عمليَّة الانطلاق.
ونظرًا لوجود أكثر من "200" مليون إنسان عربي، كان لا بدَّ لنا من وقفة مع هذا العدد الكبير، الذي سيُسهم في تحويل العالم العربي إلى قُوَّة فاعلة، ومُجتمع قادر على تجاوز المحن وتحدِّي الصِّعاب، رغم الظروف الحاليَّة السيئة، سواء على الصعيد الداخلي لكل قطر عربي أم على صعيد تشابك وتكاثر الخلافات العربية واتساع نطاقها، أم في تآمر الدُّول الاستعماريَّة الكُبرى على الدول العربية، واتساع نفوذها وأطماعها الاستعمارية.
ولكن السؤال الأهم: كيف السبيل للخلاص والانطلاق لتكوين الإنسان العربي المسلم الفاعل القادر على تحويل التُّراب إلى ذهب، وتخليص أمَّته من التخلُّف والتبعية، وغيرها من الأمراض التي استشرت، وحان وقت علاجها، لَمَّا بعدنا عن ديننا الحنيف؟
كيف السبيلُ لتكوين وخلق فَهْم جديد للإنسان العربي المتحضر والمنفتح والواعي والمثقف، والقادر على العطاء وبفاعلية كبيرة؟
وإنَّنِي أرى العودة إلى تلك العقائد الراسخة التي تَميَّزت بها الأُمَّة العربية، والمستمدة من إيماننا المطلق بديننا الحنيف، وتعاليمه الشاملة لنواحي ومجالات التطور والتقدم والازدهار، مع إعطاء الأولويَّة لما يلي:
1- الحرية في حدود الشرع هي مِفتاح للتقدم والتطور.
2- نبذ التعصب للمذاهب الباطلة والهدامة كالرافضة.
3- مناهج التعليم وطرائق التدريس مفتاح للعلم "تصحيح نظام التعليم".
4- تأمين المتطلبات الأساسيَّة للفرد.
5- التشارُك مع القطاع العام.
6- المبدعون ثمرة نتاج المجتمع.
وسنُحاولُ - بإذن الله - تخصيصَ مقالة لكلٍّ من هذه الحلول التي لا بُدَّ منها؛ لتفعيل دور الإنسان العربي في مُجتمع لا بُدَّ منه؛ للعودة إلى مصافِّ الدول المتقدمة، بل إلى استحواذ زمام المبادرة على المستوى الدولي وفي كافَّة الأصعدة.
_______________________________________________
الكاتب: جابر شعيب الإسماعيل
- التصنيف: