ماذا أفعلُ للثَّورةِ السُّوريَّة؟؟

منذ 2011-11-16
ماذا أفعلُ للثَّورةِ السُّوريَّة؟؟
الكـاتب: محمود سليم
المختار الإسلامي


لا شكَّ أنَّ معاناة الشَّعب السُّوري في الشُّهور الأخيرة كانت كبيرة جداً، ولعلَّ استمرارها وزيادة الضَّغط الذي يمارسه النِّظام على الثَّورة هو السَّبب في حالة الإحباط التي بدأت تتسلل إلى قلوب النَّاس، وتدفعهم إلى التَّفكير في البدائل التي حرَّموها على أنفسهم من قبل، أعني الانتقال إلى الكفاح المسلح، والتَّرحيب بالتَّدخل العسكريِّ الخارجيِّ.

هل يعزِّيكم يا ثوارُ أن تعلموا أنَّكم لستم وحدكم من يعاني؟! بل هل يعزِّيكم أن تعلموا أنَّكم لستم الأكثر معاناة من بين الجميع؟!

تعالوا نفكِّر معاً في الأطراف التي تشترك معنا في المعاناة:
أولاً: الشَّعب:
وهو المعاني الأوَّل بالطَّبع، بل لا يمكن تخيُّل ألا يعاني؛ لأنَّه يُسقط نظاماً أمنياً من أشرس وأعتى الأنظمة القمعيَّة في العالم في هذا العصر، هل يمكن أن يصنع ذلك بلا معاناة؟!

ثانياً: النِّظام:
يعاني أيضاً، بل ربَّما كانت معاناة النِّظام أشدَّ من معاناة الشَّعب، بسبب الضُّغوط التي تمارس عليه داخلياً وخارجياً.

ثالثاً: دول الجوار:
كلُّها تعاني من القلق بدرجات متفاوتة؛ لأنَّ خروج الأمور عن السَّيطرة في سوريَّة يمكن أن يعرِّض استقرارها وأمنها للخطر.
تركيا هي أكبر المتضررين في حالة انزلاق سوريَّة إلى الفوضى؛ لأنَّ حدودها معها هي الأطول، ولأنَّ المشكلة المشتركة بين البلدين هي الأخطر: مشكلة الأكراد.
إسرائيل ستتعرض لخطر أكيد في حالة الفوضى؛ لأنَّ الجبهة السُّوريَّة لن تكون تحت أي رقابة، ويحتمل أن تخترقها أية مجموعات مسلحة.
الوضع القلق في العراق لا يحتمل أي قدر إضافي من الاضطراب على الحدود، وأيضاً لن يرحب الأردن بحالة فوضى على حدوده الشَّمالية.

رابعاً: المجتمع الدَّولي:
فالقوى العالميَّة ترتِّب علاقاتها ومصالحها في توازنات دقيقة، ولا شكَّ أنَّها تتابع بقلق أي حادثة كبيرة من شأنها أن تخلَّ بتلك الموازنات، فسوريَّة طرف أساسي في موازنات العلاقات الدَّولية بين الشَّرق والغرب، وفي موازنات النُّفوذ الإقليمي بين تركيا وإيران، وفي موازنات الحرب والسَّلام، وهذه الموازنات ستتعرض للخطر عندما يضطرب استقرار سوريَّة، أو تنهار إلى الفوضى.
توجد أيضاً مشكلة أخرى تقلق القوى الدَّولية والغرب كثيراً، وتجبره على التَّدخل قبل خروج الوضع عن السَّيطرة: أنَّ سوريَّة مستودع هائل للأسلحة، وعندما تفقد الدَّولة سيطرتها على الأرض ولو جزئياً فإنَّ احتمال تسرُّب الأسلحة إلى جهات مجهولة سيصبح احتمالاً كبيراً، وهذه الفكرة تسبِّب الذُّعر للدُّول الغربيَّة ولأمريكا خاصَّة؛ فالحكومات الغربيَّة قلقة من انتشار الفوضى في سوريَّة، وفقدان كميَّات هائلة من الأسلحة أو تسرُّبها إلى جهات مجهولة.
إنَّ هذه الدُّول مستعدة للتَّدخل بأي صورة للإسراع في إسقاط النَّظام إسقاطاً مسيطَراً عليه بدلاً من انتظار سقوطه سقوطاً عشوائياً يقود إلى الفوضى.
الكلُّ يريدون استقرار سوريَّة، ويضرُّهم سقوطها في هاوية الفوضى، وهم يراقبون المواجهة بين الشَّعب والنِّظام بقلق واهتمام، وبما أنَّ الشَّعب ماضٍ في ثورته، رغم كلِّ ما يناله من أذىً، وما يواجَه به من قمع، فإنَّ الانهيار السياسي والاقتصادي والأمني في سوريَّة بات قريباً جداً.

إنَّ استمرار الثَّورة، والقمع، والقتل، واقتحام المدن، يزيد الاهتمام ويرفع درجة التَّعاطف بين شعوب العالَمين العربي والإسلامي، وكلَّما تأخَّر الحسم، واستمرَّ القمع، تزداد حدة الانفعال الشَّعبي في تلك الدُّول، والشُّعوب تضغط على الدُّول بطريقة أو بأخرى، بل لقد بات الضَّغط الشَّعبي أمراً ذا بال تحسب له الأنظمة الحسابات، كما أنَّ الثَّورة ذاتَها مرضٌ مُعْدٍ لا تلبث عدواه أن تنتقل عبر الحدود، والأنظمة العربيَّة في غنى عن مصدر وباء جديد، فهي إمَّا أن ترتاح من الثَّورة سريعاً بمساعدة النِّظام على قمعها، أو ترتاح منها بالتَّحرك لإسقاط النِّظام، وبما أنَّها فشلت في الاحتمال الأوَّل، ويئست من قدرة النِّظام السُّوري على إنهاء الثَّورة، سواء بالقوة، أو بالسِّياسة، والإصلاح، فقد وجدت نفسها أمام الخيار الوحيد المتاح وهو التَّخلص من النِّظام، وإعادة ترتيب عناصر المعادلة.

مما سبق تجدون أنَّ النَّظرة المتعجّلة تقودنا إلى ملاحظة معاناة الشَّعب السُّوري منفرداً بسبب الثَّورة، وقد تقودنا هذه النَّظرة الانتقائية الضَّيِّقة إلى اليأس والإحباط، لكنَّنا لن نلبث بمزيد من التَّأمل أن ندرك أنَّ الذين يعانون بسبب الثَّورة كثيرون، وأنَّهم لن يستطيعوا أن يستمروا في المعاناة طويلاً، لذلك سيفعلون شيئاً ما للتَّخلص من الكابوس.
وبإدراكنا هذه الحقيقة المغيَّبة سوف نهتدي إلى النَّتيجة الأهم: إنَّ مفتاح المستقبل، بيد الشَّعب السوري بعون الله لا في يد غيره، فلو قرَّر السُّوريون إنهاء ثورتهم، والعودة إلى بيوتهم، فسوف يتنفس العالم كلُّه وليس النظام فقط الصَّعداء، ويقول: ليبقَ كلُّ شيء على حاله، أمَّا إذا استمرَّ الشَّعب في ثورته فسوف يسقط النِّظام، ليس فقط لأنَّ النِّظام - الذي يتعرض للضَّغط الشَّديد - ولن يحتمل الضَّغط إلى الأبد، بل لأنَّ العالم كلَّه لا يستطيع الصَّبر على الضَّغط والقلق لفترة طويلة، ولا بد له من حسم المسألة.

أخي المسلم:
ربما دار في ذهنك وأنت تعيش في بلدك، آمناً في سربك، معافى في بدنك، وعندك قوت عامك، وترى عبر الأقنية الفضائية، ما يتعرض له إخوانك في العقيدة والدين، من قتل، وظلم، واضطهاد، وتنكيل، وإذلالٍ، وتعذيبٍ، وتهجيرٍ، وربَّما حزن قلبك، ودمعت عينك، تقول في كمدٍ وتأثُّر، يا ترى!! ما أفعل لإخواني في سوريَّة؟!

الجواب على ذلك:
تناصر إخوانك في بلاد الشَّام، وتؤازرهم، بفعل أربعة أمور، أنت قادر على القيام بها، وهي أسباب قويَّة لانتصارهم، وإليك بيانها:
أولاً: التَّوجه إلى الله تعالى بدعاء خاشع:
ويكون وقت هذا الدُّعاء هو وقت السَّحر، قم قبل أذان الفجر بنصف ساعة، وتوضَّأ وأحسن الوضوء، ثمَّ صلِّ ركعتين خفيفتين، ثمَّ اجلس، وكرِّر هذا الذِّكر لمدة ربع ساعة: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أستغفر الله، وأصلِّي وأسلِّم على رسول الله"، عقب ذلك قم فصلِّ ركعتين بخشوع وخضوع، وبعد السَّلام من الركعتين، ارفع يديك داعياً لإخوانك في سوريَّة بالنَّصر والتَّمكين، وادعُ بهلاك وسقوط النِّظام الأسدي الكُفري الظَّالم اللَّعين.

ثانياً: نشر الملف السُّوري:
فلا تدع أخي المسلم وسطاً ترتاده إلا وتنشر فيه ظلم طاغي الشَّام، ونظامه العفن، وشبيحته الأراذل، في بيتك مع زوجتك وأولادك، في عملك مع زملاءك، في سهراتك مع أصدقائك، في زياراتك لأقربائك، لأهل حارتك، لجماعة مسجد حيِّك، وتوصيهم أن يقوموا هم أيضاً بتسويق وترويج الملف إلى من يلوذ بهم، حتَّى نفضح هذا النِّظام ونعرِّيه للعالم، حتَّى يقف الكبير والصَّغير في عالمنا العربي والإسلامي على حقيقة هذا النِّظامِ الفاشيِّ المستبدِّ الدِّكتاتور.

ثالثاً: المشاركة والمساندة في المظاهرات:
هناك سوريون مقيمون موزعون في بلاد العالم كلِّها، وهناك تنسيقيَّات للثَّورة السُّورية، تنسِّق عمليَّة التَّظاهر، وهم يتظاهرون في العادة أمام أبواب سفارات سوريَّة في العالم، فيمكنك أن تشارك معهم، وتساند الثَّورة بحضورك، وترديد بعض الشِّعارات الاحتجاجيَّة معهم، فحضورك يقوِّيهم، ومشاركتك تزيد من ثباتهم واستمراريَّتهم، فالمؤمن ضعيف في نفسه قويٌّ بإخوانه.

رابعاً: الدَّعم المادِّي والمالي:
سقط في هذه الثَّورة شهداء زادوا على أربعة آلاف شهيد، وهناك آلاف الجرحى، وعشرات الآلاف من المعتقلين، وعشرات الآلاف من المهجَّرين واللاجئين داخلياً وخارجياً، وهؤلاء وراءهم أسر وأولاد، فهناك أيتام وأرامل الشُّهداء، وعلاج الجرحى، ومساعدة المحتاجين من اللاجئين والمهجَّرين، هؤلاء جميعاً بأمسِّ الحاجة لدعم إخوانهم المسلمين، ومساندتهم، بما يستطيعون من مال وعطاء، وتوجد في بلدك تنسيقيَّات للثَّورة، ممكن أن تصل إليهم وتسلِّمهم تبرُّعك، وهم بدورهم يوصلونها إلى من تريد، للمجاهدين من أفراد الجيش المنشق الحر، أو إلى أسر الشُّهداء، أو إلى علاج الجرحى، أو إلى اللاجئين، والله يخلف على من بذل في مرضاته، ونصرة دينه، ومساندة ومؤازرة إخوانه.
  • 1
  • 0
  • 1,634

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً