روح الإسلام
إن مجد الإسلام الغابر وروح الآباء والأجداد يستصرخان المسلمين للتحفز والوثوب ونفض غبار التواني عنهم، فهل في المسلمين من يستجيب صرخة المجد ونداء الأجداد ويرفع عنهم ذل التأخر وخيبة الفشل؟
أرى أن الغاية من العبادات في الدين الإسلامي، هي تحسين حال المعاملات، لأن الله سبحانه وتعالى غني عن عباده، غير محتاج إليهم ولا إلى عبادتهم.
فمحور الدين الذي يدور عليه هو المعاملة كما جاء في الحديث الشريف (الدين المعاملة). غير أن المسلمين في وضعهم الحاضر قد أهمل كثير منهم جانب المعاملات، فأصبح الدين مراسم وأشكالاً لا ينهي عن منكر ولا يأمر بمعروف.
فترى الكثيرين من المسلمين مع قيامهم بالعبادات المفروضة لا يتورعون عن الكذب والغش وبالربا وغير ذلك من المحرمات التي ما وجدت العبادات إلا لمحوها وتخفيف شرها وإنك لتسمع من بعضهم كلمات تدل دلالة واضحة على أنهم يفرقون بين العبادة والمعاملة فيصلي أحدهم وهو قاطع طريق قائلاً لك إنه لا يريد أن يرتكب ذنبين ذنب قطع الطريق وذنب ترك الصلاة!
وما درى أن ليس له من صلاته إلا التعب؛ لأن الصلاة التي يثاب عليها هي التي تنهاه عن المحرمات. قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45]. وقال صلى الله عليه وسلم: «كم من صلاة تطوى كما يطوى الثوب الخلق» وأما الصلاة التي لا تؤثر في نفس صاحبها ولا تهذبها ولا تردعها عن الشرور فما هي إلا قيام وقعود وركوع وسجود أو ما هي إلا تمرين رياضي لا قيمة دينية أو خلقية له.
لا أقصد بكلمتي هذه أن أستخف بالعبادات أو أن أحث المسلمين على تركها والتمسك بالمعاملات وحدها، وإنما أريد من المسلمين أن يجمعوا إلى عباداتهم جمال حسن معاملاتهم ليكونوا قد أخذوا بطرفي الدين وليتمم بذلك إسلامهم ويكمل إيمانهم، ولو أنهم قاموا بالعبادة حق القيام لحصلوا على ذلك، فالله سبحانه يأمرنا أن نقيم الصلاة ومعنى إقامتها أداؤها على الوجه الأكمل الموصل إلى الغاية منها.
ولعل من الغريب في أمر كثير من المسلمين أنهم لم يأخذوا من العبادات أيضاً إلا بما سهل منها فهم يصلون لأن الصلاة لا تكلفهم شيئاً غير القيام ببعض الحركات، وهم يصومون لأن الصيام يوفر عليهم بعض المال، إلا أنهم لا يزكون لأن الزكاة تكلفهم أن ينفقوا شيئاً من مالهم للسائل والمحروم! فهل رأيت ديناً أذله أهله أكثر من دين الإسلام؟ يأخذون منه ما سهل على نفوسهم ويتركون ما ثقل على شحهم وشهواتهم، وما علموا أن فيما تركوا روح الإسلام وعزته ونصره.
لا أحتاج للتدليل على ما أتيت به إلى البرهان، فإن نظرة واحدة إلى جيوش المتسولين والفقراء والبائسين من المسلمين، تكفي لبيان إهمال المسلمين للزكاة. فلو دفع الأغنياء زكاة أموالهم لما شكا فقير جوعاً ولا بائس فقراً.
ثم إن تأخر المسلمين في سائر مناحي الحياة في جميع الأقطار الإسلامية، برهان جلي على أنهم لا يقومون بما يوحيه إليهم شرعهم ودينهم، وإلا لرأيناهم أول الأمم في مضامير الحياة.
فالإسلام الحقيقي ما كان ولن يكون في يوم من الأيام سبباً في تأخر المتدينين به، وإنما ترك المسلمين لجوهره وتمسكهم بالقشور منه، هو الذي جعلهم يسيرون القهقرى، وكلما ازدادت شقة الخلاف واتسعت الهوة بين المسلمين وبين حقيقته كلما تراجعوا وتأخروا وأصبحوا أشتاتاً مبعثرة وأمماً متفرقة لا رابطة تربطهم ولا آصرة تجمعهم.
قد تكون كلمتي هذه صريحة وقد تكون مؤلمة وسواء علي إن رضي عنها الناس أم سخطوا، ذلك لأنها هي الحقيقة التي لا مرية فيها، وإن السكوت والرضا على الحال التي وصل إليها المسلمون جريمة لا يغفرها الدين ولا يقرها الشرع. فالواجب يحتم علينا أن نبين لهم حقيقة حالهم كما هي حتى يبادروا إلى إصلاحها ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
روي عن أبي بكر بن عبد الله المزني رضي الله تعالى عنه أنه قال: (إن أبا بكر رضي الله عنه لم يفضل الناس بكثرة صلاة ولا صوم وإنما فضلهم بشيء كان في قلبه). وقد وردت عنه صلى الله عليه وسلم أحاديث تدل على أن الدين المعاملة، وأنه النصيحة، وأنه حسن الخلق. فهل يفهم المسلمون روح دينهم ويعملون بحقائقه وأصوله ويقيمون عباداتهم كما يجب أن تقام؟ إن مجد الإسلام الغابر وروح الآباء والأجداد يستصرخان المسلمين للتحفز والوثوب ونفض غبار التواني عنهم، فهل في المسلمين من يستجيب صرخة المجد ونداء الأجداد ويرفع عنهم ذل التأخر وخيبة الفشل؟
اللهم انصر دينك دين الرحمة والحق وهيئ لنا من أنفسنا رشداً.
مجلة التمدن الإسلامي، السنة الرابعة، العدد الخامس، 1357هـ - 1358هـ - 1938م.
_____________________________________________________
الكاتب: عدنان عقدة
- التصنيف: