7 أساسات للحوار الزوجي الفعّال
ما هي أسرار الحوار الزوجي الفعّال؟ وكيف يمكن أن يجري الزوجان حواراً يخرج بنتيجة مثمرة لهما بشكل خاص وللأسرة بشكل عام، بعيداً عن التشنج والعصبية والشجار؟
الحوار الزوجي الفعال فن ومهارة لا يتقنها كل أحد، وهو أحد أسباب ترسيخ مبادئ الاحترام والتقدير والقرب العاطفي والفكري والروحي بين الزوجين، إلا أن الفجوة تتسع في كثير من البيوت الآن بسبب ضعف أو عدم وجود حوار فعال بين الأزواج، وهذا بالتالي يؤثر على سير الحياة الأسرية بشكل عام، ويؤثر بالتالي على الأبناء وعلى تربيتهم بصورة إيجابية.
لماذا الحوار بين الزوجين مهم؟!
قبل أن نخوض في أهمية الحوار الزوجي الفعال دعونا نورد هذه الإحصائية الخطيرة، حيث نشر مجلس شؤون الأسرة بالسعودية استطلاعاً في يناير الماضي أظهر أن 43% ممن شملهم استطلاع الرأي يرون أن الحوار في أسرهم ضعيف، بينما وُصف الحوار بالقوي بين 33% من الأزواج داخل الأسرة، أما الـ24% الباقون فيؤكدون أنه لا يوجد حوار أصلاً. معنى ذلك أن المستفيدين من حوار فعال في الأسر السعودية هم فقط 33%، والنسبة العظمى 67% لا يستفيدون من الحوار إما بسبب ضعفه أو عدم وجوده أصلاً!! وهذه نسبة مخيفة لكنها كاشفة عن سبب وجود هذه الفجوة بين الأزواج في كثير من البيوت.
الحوار الفعال بين الزوجين هو أحد أهم وسائل تربية الأبناء، فبمجرد ما تنضبط العلاقة والحوار بين الأبوين وتتهذب فإنك تقطع شوطا كبيرا في ترسيخ عدة مبادئ لدى أبنائك، وتحسّن من حالتهم النفسية بصورة تلقائية"
لو تحدثنا عن أهمية الحوار الزوجي الفعال فسنقول
أولاً: الحوار ليس مجرد لغة للتفاهم، وإنما هو ساعي بريد حب بين الزوجين، ومؤشر للعلاقة العاطفية. فالحوار الفعال يرسل رسائل إيجابية دائمًا للطرف الآخر بأننا متحابان، وبأننا منسجمان، وبأن العلاقة بيننا قوية لدرجة أننا نستطيع تفهم بعضنا بصورة إيجابية والوصول في النهاية لنتائج جيدة في أحلك الظروف، لذا فنحن أيضًا ناجحان في علاقتنا هذه. كل هذه رسائل يرسلها الحوار الفعال لكلا الزوجين.
ثانيًا: الحوار الفعال سبب لعلاج كثير من المشكلات، بل لعدم وقوع المشكلات أصلاً وقتلها في مهدها، وإنني أؤكد أن غالبية المشاكل بين الزوجين سببها الأساسي عدم وجود قواعد محددة للتفاهم والحوار، فإذا وجدت هذه القواعد ستختفي المشاكل تلقائياً، أو سيكون حل هذه المشاكل سهلا ويمكن تجاوزه بسهولة. فكم من مشكلات بسيطة لأقصى درجة لكنها تفاقمت بسبب أسلوب الحوار الخطأ، أو كلمة جارحة غير مقصودة قالها أحد الطرفين ساعة الخلاف!! لكن لو كانت هناك قاعدة مشتركة من مبادئ الحوار الواعي لانتهت تلك المشكلة في نفس اللحظة. والعجيب أن هناك حالات طلاق كثيرة تقع ليس بسبب مشاكل كبيرة أو فادحة بين الزوجين، وإنما فقط بسبب وصول الحوار بينهما إلى طريق مسدود.
ثالثًا: أيضًا الحوار بين الزوجين عملية تفريغ مستمرة للمشاعر السلبية، خاصة عند المرأة، فالمرأة إذا فرحت تتحدث، وإذا حزنت تتحدث بشراهة أكبر، فإذا لم تجد من يشاركها الحوار والحديث في وقت حزنها وغضبها بالذات سيترتب على ذلك كبت لمشاعرها السلبية تلك، وهذا بالتالي يؤثر سلبيًا بشدة على حالتها النفسية، وهو بدوره يؤثر على الحالة الأسرية بشكل عام ويشيع في المنزل جواً من التوتر. فالمرأة لابد لها أن تفرغ ما بداخلها حتى تشعر بالراحة، ودور الرجل هنا هو مجرد الاستماع والتعاطف وليس مطالبًا بتقديم أية حلول في أغلب الأحوال.. يكفيه الاستماع باهتمام والاحتواء. وعليه أن يتفهم ذلك ولا يشعر حينها أنها تتهمه أو تهاجمه، غاية ما هنالك أنها مجرد فضفضة وتفريغ لشحناتها السلبية فحسب.
رابعاً: الحوار الفعال بين الزوجين هو أحد أهم وسائل تربية الأبناء، فبمجرد ما تنضبط العلاقة والحوار بين الأبوين وتتهذب فإنك تقطع شوطا كبيرا في ترسيخ عدة مبادئ لدى أبنائك، وتحسّن من حالتهم النفسية بصورة تلقائية، وتبث الطمأنينة بينهم والشعور بالأمان، أما الحوار المهين والشجار وتبادل الاتهامات والسباب فله أثر سلبي رهيب على الأبناء، ويجعلهم دائمًا في حالة توتر واضطراب وخوف، لاسيما في سنوات العمر الأولى ومرحلة الطفولة المبكرة، فالآباء هم القدوة الكبرى لأبنائهم، وحينما يرونهم يحلون مشاكلهم بهذا الرقي والاحترام فلا شك أن ذلك سيعلمهم مبادئ الحوار وطرق حل المشكلات سواء فيما بينهم أو مع الآخرين.
تقنيات الحوار الزوجي الفعال:
ولإجراء هذا النوع من الحوار الزوجي الفعال فهناك عدة تقنيات وإجراءات إذا التزم بها الزوجان فسوف ينجحان في مهمتهما بكل بساطة:
أولاً وقبل كل شيء؛ ينبغي لكلا الزوجين أن يفهم كيف يتكلم الطرف الآخر ويفهم كيف يتحاور، لأنه وبسبب اختلاف طبيعة الرجل عن طبيعة المرأة فإن لكل منهما أسلوبه في الحوار، وما لم يتفهم الطرف الآخر هذه الطريقة فسوف ينتهي الحوار بمأساة وسوء فهم لا محالة. فالرجل والمرأة يتحدثان لغتين مختلفتين، وربما هذا ما دفع الكاتب والباحث جون غراي حينما ألف كتابه عن طبائع الرجال والنساء أن يسميه (الرجال من المريخ والنساء من الزهرة) لكي يعبر عن هذا الاختلاف. فبالفعل الرجال فيما يتعلق بذلك من كوكب والنساء من كوكب آخر تماماً.
ونستطيع أن نفهم هذا الاختلاف بأن نفهم الطريقة التي يتحدث بها كل منهما ويعبر بها عما بداخله، فعلى سبيل المثال: الرجل غالبًا يتحدث عن الحقائق، والمرأة تتحدث عن المشاعر، فإن جرى بينهما حوار في أي موضوع فستجد المرأة تتحدث عما (تشعر به) تجاه الشيء لا (عن الشيء) ذاته، في حين سيتحدث الرجل عن أبعاد الموضوع العقلية لا عن مشاعره تجاهه، وإذا جاهدت المرأة نفسها لتتحدث عن الحقائق ستجدها من حيث لا تشعر تنحرف ناحية المشاعر، فهذه فطرة لا إرادية لديها، لذا قبل الشروع في النقاش ينبغي أن نوحّد اللغة التي نتحدث بها، فإن عبّرت المرأة عن مشاعرها فينبغي للرجل أن يطرح الحقائق جانبًا ويركز حديثه عن احتواء هذه المشاعر وعن مشاعره هو الآخر، وإذا تحدث الرجل عن الحقائق فعلى المرأة أيضًا أن تنفصل ولو قليلاً عن مشاعرها لتفهم كيف يفكر طرفها الآخر.
وكثيراً ما تظن المرأة أن زوجها حينما يتحدث عن الحقائق العقلية فإنه لا يحبها ولا يتفهم مشاعرها ويستخف بها، بل تظن أن حديثه هذا هو ضد مشاعرها تمامًا، وهذا غير صحيح، فالمشاعر ليست ضد الحقائق ولكن يكمل كل منهما الآخر. هذا هو الأساس الأول.
الأساس الثاني للحوار الزوجي الفعال: حسن الاستماع وسعة الصدر، وترك الفرصة كاملة للطرف الآخر لكي يعبر عن رأيه وفكرته وإكمالها حتى النهاية، لأن كثيراً من سوء الفهم ينتج عن الاجتزاء والأفكار غير المكتملة، فأحيانًا يبني الإنسان حكمًا على الآخر من خلال جزء من عبارته التي قالها، والتي يمكن لبقية الجملة أن تسهم في توضيح الجزء الأول منها وإظهاره وإزالة أي لبس أو سوء فهم في معناه. وحديثي هنا أوجّهه بشكل أساسي للنساء، لأن الرغبة الملحة لدى المرأة في الكلام لا تدعها تعطي الفرصة لزوجها كي يتحدث، بل ينصب كل اهتمامها على التفنيد والرد على فكرته لا على فهمها فهماً كاملاً، فيكون تركيزها على الرد أكبر من تركيزها على الفهم. وفي المقابل أقول للرجل: وسّع صدرك على قدر طاقتك، ودع زوجتك تتحدث إليك كما تشاء، فكما ذكرنا هي غالباً تريد التنفيس عما بداخلها ولا تريد الشكوى، تريد تفريغ شحناتها السلبية بالكلام، وربما يكون هذا عكس طبيعة الرجل ولكن هذا سيريحه من عناء كبير مستقبلاً إذا كبتت الزوجة ذلك بداخلها وانفجرت على أتفه الأسباب.
الأساس الثالث للحوار الفعال: احترام أفكار ومشاعر الطرف الآخر، فلا سخرية ولا استهزاء مهما كان الكلام تافهاً أو غير منطقي من وجهة نظرك، بل يتم الرد عليه بأدب واحترام نابع من احترام القائل نفسه، حتى لا يتحول النقاش إلى مسألة إهانة شخصية ويخرج عن سياقه. على سبيل المثال: إذا عبر أحد الطرفين عن غضبه من موقف تافه أو بسيط أو لا يستحق الغضب فلا نقلل من قيمة هذا الغضب، بل نشرح وجهة نظرنا ونبين أن رد الفعل ربما لا يتناسب مع الفعل نفسه بسبب الفهم الخطأ.. المهم ألا نقلل من شأن المشاعر ولا نسخر منها، بل نحترمها ونقدرها.
وهذا ربما يتوجه بصورة أكبر للرجل، فكثيرا ما تشكو الزوجات من أمور يراها الرجال تافهة، نظرًا لما يعانيه الرجال في هذا الزمان من صراع نفسي وعصبي ومادي على كافة الأصعدة، وحينما تواجهه زوجته بشكوى عاطفية؛ يرى ذلك أمرًا لا يستحق أن يشغل به فكره مع ما يعتمل في عقله من أفكار وصراعات، إلا أن استيعاب مثل هذا الشعور الأنثوي الفطري من الأهمية بمكان، وفيه دلالة على مدى التقدير الذي يكنّه الزوج لزوجته.
الأساس الرابع: احتواء الطرف الآخر، فقد يكون الزوج أو الزوجة غاضبين من أمر ما، فحينها على الطرف الآخر ألا يغضب هو الآخر فيحتدم النقاش وينتهي بكارثة، بل يحتوي الطرف الغاضب أو الحزين حتى يذهب غضبه، وهذا أدب عربي وإسلامي أصيل، حيث جاء في المثل العربي القديم: "إذا عزَّ أخوك فَهُنْ"، أي إذا تصلّب أخوك فلِن له ولا تتصلب أنت الآخر، وكما قال الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه حينما سأله رجل كيف حكمت الناس أربعين سنة؟ قال: "لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، كانوا إذا مدوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها". فهذه حكمة ينبغي أن يراعيها الطرفان حين الحوار.
الأساس الخامس من أسس الحوار الفعال: اختيار الوقت المناسب، أحيانًا يحدث موقف ما في المنزل والزوج بالخارج، فتُشحن المرأة بشحنات سلبية كثيرة وكبيرة، وما أن ترى زوجها يدخل من الباب حتى تنفجر في وجهه صارخة تبث شكواها، رغم أن الزوج غالبًا ما يكون في هذا الوقت متعباً من العمل، وأي حوار في هذه الحالة سيكون عبئًا كبيرًا عليه، وربما يحدث صدام بينهما. فهنا نقول إن من أساسيات إجراء حوار فعال اختيار الموعد المناسب، فبعد يوم طويل والزوجة مرهقة من أعباء المنزل أو الوظيفة، فهذا وقت غير مناسب تماما لها ليبث الزوج شكواه، وأيضًا بعد عودة الزوج من عمله هذا أيضًا وقت غير مناسب.. من المهم أن نختار بعناية الساعة التي ندرك فيها نجاح الحوار وتحقيقه للفائدة المرجوة منه.
الأساس السادس: عدم استدعاء مشكلات الماضي ونبش الجروح القديمة، ففي حالات الخلاف يعيد أحد الطرفين فتح ملفات قديمة مضى عليها سنوات، ويبتزّ بها الطرف الآخر نفسيًا وعاطفيًا، وهذه تقنية شهيرة عند النساء بشكل أكبر من الرجال، فالرجل غالبًا ما يركز على المشكلة الحالية وأبعادها ويحاول حلها، بينما المرأة تستدعي من الذاكرة كثيرًا من الأحداث والمشكلات السابقة، ربما بغير قصد منها، إلا أن ذلك يشتت الحوار ويفرّعه، ويجعله غير مجدٍ في الوصول إلى حل، بل على العكس يفاقم المشكلة، ويحفز الطرفين، ويستفز الطرف الآخر لأنه يرى أن المتحدث يهدف بذلك إلى مجرد ذمه والقدح فيه وإظهار عيوبه لا الوصول إلى سبيل للحل.
الأساس السابع والأخير: لنفترض أننا التزمنا بكل هذه المبادئ والأساليب والآداب، ثم أيضاً في النهاية وصلنا لطريق مسدود، وتطور الحوار واحتدّ، فماذا نفعل في هذه الحالة؟
هنا لابد أن نتوقف عن النقاش لالتقاط الأنفاس وتعديل مسار الحوار إلى المسار السليم.. نتوقف 5 دقائق ليهدأ كلا الطرفين، يمكننا أن نتوضأ، ونشرب مشروباً مهدئاً للأعصاب ثم نعود للحوار مرة أخرى، لكن حينما نعود لا نكمل بالطريقة نفسها، لأننا غالباً فشلنا في إدارة الحوار بالصورة السليمة وخرجت الأمور عن السيطرة.
وهنا من الأفضل لكل طرف أن يبدأ بسؤال الآخر: ما الذي يزعجك بالتحديد بدون أي تفريع أو تفصيل؟ فهنا يمكننا أن نقف بالتحديد على نقطة الخلاف، ثم نعيد الحوار لكن في مساره السليم. وكلما خرج الحوار عن مساره فالأفضل أن نكرر نفس هذه التقنية حتى ينتهي الحوار بصورة صحيحة ويخرج الجميع راضين ومتقبلين للنتيجة النهائية.
_______________________________________________
الكاتب: محمد الغباشي
- التصنيف: