من مظاهر العنف الأسري: العنف الجسدي
البيوت لا ُتبنى إلا على المودة، والرحمة، والرفق، والتأني والطمأنينة، وانتشار العنف من أسباب دمارها إن عاجلًا أو آجلًا.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فيا أيها الإخوة الأكارم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سبق الحديث عن العنف اللفظي، وفي هذا المقال بمشيئة الله تعالى نواصل الحديث عن المزيد من أنواع العنف الأسري؛ وهو العنف الجسدي، الذي يُعَدُّ أشد وأبرز أنواع العنف خطرًا وإفسادًا.
وعن فضل الرفق والحث على التخلُّق به، وذم العنف، رَوَتْ أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا عائشةَ، إن الله رفيق يحب الرِّفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه» [1].
قال القاضي البيضاوي: "الرفق: ضد العنف، وهو اللطف، وأخذ الأمر بأحسن الوجوه وأيسرها، ومعنى أن الله رفيق: أنه لطيف بعباده، يريد بهم اليسر، ولا يريد بهم العسر ... وكأنه قال: إن يرفُق بعباده في أمورهم، فيعطيهم بالرفق ما لا يعطيهم على ما سواه، وقوله: «ما لا يعطي على العنف» ليدل على أن الرفق أنجح الأسباب كلها، وأنفعها بأسرها"[2].
فالبيوت لا ُتبنى إلا على المودة، والرحمة، والرفق، والتأني والطمأنينة، وانتشار العنف من أسباب دمارها إن عاجلًا أو آجلًا.
• تعريف العنف الجسدي هو: "الاعتداء، أو سوء المعاملة التي تودي إلى أذًى بدني، ظاهرًا كان أم خفيًّا، وهو لا ينجم بالضرورة عن رغبة متعمَّدة في إلحاق الضرر بالآخرين"[3].
• سلوكيات العنف الجسدي: يتمثل العنف الجسدي في مجموعة من السلوكيات فـ: "عادة ما يصاحبه كسورٌ، أو رضوض، أو جروح، أو خدوش، أو أي إصابة بدنية أخرى، حتى وإن لم يكن لها أضرار بدنية ظاهرة؛ كاللطم، أو الصفع، أو الرَّفْس، أو الوَكْزِ، أو اللَّكْم[4]"[5].
ومن صور العنف الجسدي:
للعنف الجسدي صور متعددة، كالضرب باليد، أو الرجل، أو الجَلْد،أو استخدام أي أداة، أو الدفع، أو الصفع على الوجه، أو الرفس، أو اللكم، أو الخَنْق، أو الرمي أرضًا، أو شد الشعر، أو الصعق، أو البصق، أو الحرق، أو قذف الضحية بالحذاء، أو بمواد حارقة، أو بالأواني، أو الإجهاض، أو غير ذلك.
فالعنف الجسدي "يتم عن طريق الأقوى بدنيًّا في الأسرة على الأضعف؛ مثل: ضرب الزوجة أو الأولاد، ويصبح هذا الأسلوب العنيف تهديدًا قائمًا في الأسرة، وهو ما يسبب كثيرًا من حوادث الطلاق، وقد يؤدي إلى هروب الأطفال من أسرهم، فيعرضهم هذا للانحراف، وقد يكتسب الأطفال سمة العنف بما تربَّوا عليه من هذا الشكل من الأب أو من الأم، ويشِبُّوا عليها فتبقى صفة العنف في الأسرة على امتداد أكثر من جيل"[6].
من الآثار السلبية المترتبة على العنف:
• العنف يؤدي إلى المشاحنة، والشِّقاق، ويأتي بآثار سلبية وردود أفعال غير مرضية.
• العنف يؤدي إلى القطيعة والعقوق، والأذى والتفرق.
• جُبِلت النفوس على كراهة من يسيء إليها.
• العنف يؤدي إلى البعد من منازل الأخيار، والحرمان من الخير.
• العنف لو كان خُلُقًا لَما رأى الناس أقبح منه.
• العنف لم يخالط شيئًا إلا شانه، ولم يفارق شيئًا إلا زانه.
[1] صحيح مسلم: كتاب البر والصلة والآداب - باب فضل الرِّفق، (4/ 2003) رقم (2593).
[2] تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة، المؤلف: القاضي ناصر الدين عبدالله بن عمر البيضاوي (ت: 685هـ)، ج3، ص272، المحقق: لجنة مختصة بإشراف نور الدين طالب، الناشر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، عام النشر: 1433 هـ - 2012م.
[3] علم النفس الاجتماعي: أحمد عبداللطيف وحيد، ص198، دار الميسرة، عمان، الطبعة الأولى، عام 2001م.
[4] اللطمة هي: ضربة على الخدين بباطن الراحة؛ [ينظر: شرح الزُّرقاني على مختصر خليل، ج8، ص29]. والصَّفْع: الضرب على القفا؛ [ينظر: شمس العلوم، ج6، ص3774]. والرفس: الصدمة بالرجل في الصدر؛ [ينظر: كتاب العين، ج7، ص246]. والوَكْزُ: الطَّعن، والدَّفع، والضَّرب بجميع الكفِّ؛ [ينظر: المفردات في غريب القرآن، ص882]. واللكم: الضرب باليد مجموعة؛ [ينظر: مجمل اللغة لابن فارس، ص813].
[5] مشكلات الأطفال النفسية وأساليب المساعدة منها: سوس شاكر الجبلي، ص93، دار رسلان، دمشق، الطبعة الأولى، عام 2006م.
[6] العنف في نطاق الأسرة: د/ محمد رأفت عثمان، ص34، بحث مقدم لمجمع الفقه الإسلامي الدولي، الدورة التاسعة عشرة، إمارة الشارقة - الإمارات، عام 1430 هـ، 2009 م.
_______________________________________________________
الكاتب: سلامة إبراهيم محمد دربالة النمر