من كتاب: قبل أن يُضرب السور
ينبغي الحذر من المبالغة في وصف المسلمين بالجبن والتخاذل عن التضحية في سبيل الله وتقريعهم على عدم مقاومة الظلم.
ينبغي الحذر من المبالغة في وصف المسلمين بالجبن والتخاذل عن التضحية في سبيل الله وتقريعهم على عدم مقاومة الظلم.
فقد ثبت من وقائع عديدة أن كثيراً من المسلمين ليست مشكلهم الحقيقية في الجبن وعدم الاستعداد للتضحية، وإنما في عدم وجود قناعة كاملة فيما يضحون من أجله، وعدم وجود هدف واضح للتضحية، ولا كيف يمكن أن تؤدي تضحيتهم إلى الوضع المنشود، مع قلة القدوات الصادقة العاملة، والوقع الأليم لنماذجِ المواجهات التي انتهت بمزيد من القهر والظلم وتسلط المجرمين، وإحساس المسلم بهوان نفسه وقلة قيمته، وضعفِ التعزيز وضعف الإشعار بقيمته المستمدة من عظمة الدين الذي يعتنقه.
ما يحتاجه المسلمون في مثل هذا الظرف ليس الخطاب التثويري العام الذي لا يوضح الغايات ولا الخطوات، ثم يقرعهم على ضعف الاستجابة ويصفهم بالجبن والنفاق ويُحَمِّلهم جريرة ما بوسعهم وما ليس بوسعهم معاً، فيزيدهم إحباطاً وازدراء لأنفسهم، أو نفوراً من الانتماء إلى دينهم وأمتهم، إذ هم يرون هذا الانتماء مصدر ألم نفسي مرهق، أو يدفعهم إلى مواجهات وانفعالات لا تضع في بناء الإسلام لبنة ولا تكسر لعدوه شوكة، بل يزيد المسلمين ضعفاً وقهراً والمجرمين بطشاً وتمكناً.
إننا في مرحلة نحتاج فيها أن نَضِنَّ بكل نفسٍ مسلمة، وبكل متعلقاتها من وقت ومال وجهد، عن أي هدر وعجَلة واندفاع غير محسوب. لكن في الوقت ذاته لا بد من استدامة حالة الرفض للمنكر، والمباينة لأهل الباطل، والتعالي على مشاركتهم في باطلهم أو إعانتهم عليه بأي شكل من أشكال المعاونة، واتضاح أن تنقية العقائد والمفاهيم والرأي العام هدفٌ جليل وعبودية يضحى من أجلها، والسعي الدؤوب لإقامة شرع الله في الأرض، وإعداد العدة لذلك على مختلف الأصعدة، مدركين أن ذلك يحتاج صبراً ومصابرةً وطول نَفَسٍ وثباتاً وتواصياً بالحق.
فإذا ابتلي المسلمون في سبيل ذلك جاء خطاب المصلحين هذا في تذكيرهم بمعاني العزة ورفض الظلم وعيشة الذل. والظن بكثير منهم حينئذٍ أن يستجيبوا، إذ قد اتضحت الأهداف وتكونت القناعة بالتضحية في سبيلها، ورأوا المصلحين يتقدمونهم فيما يحثونهم عليه، ورأوا من المصلحين رفعاً لهممهم واحتراماً لذواتهم وتذكيراً بعظم قيمتهم كمسلمين. وهي طريقة النبي صلى الله عليه وسلم التي بها وفَّق الله من في قلبه خير لاتباعه ولم يتخلف عن الركب إلا الكفار والمنافقون.
فحريٌّ بكل مصلح أن يتأمل ذلك قبل أن يصدر الأحكام على الناس بالجبن أو النفاق والقبول بعيشة الذل، بينما العيب قد يكون في دعوته ابتداء.
- التصنيف: